تحت عنوان: “بين بايدن وماكرون.. مصالحة صعبة بعد اتفاق أوكوس”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إنه في ذروة قضية أوكوس، جعل إيمانويل ماكرون جو بايدن ينتظر سبعة أيام قبل التحدث إليه عبر الهاتف، ويوم أمس الجمعة 29 أكتوبر في روما، سمح الرئيس الأمريكي لنفسه بالتأجيل لمدة ساعة ونصف قبل لقاء نظيره الفرنسي على أمل إنهاء الخلاف الناجم عن الإعلان عن اتفاق الدفاع بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، في منتصف سبتمبر، على حساب فرنسا.
اعترف جو بايدن، دون اعتذار “بالافتقار إلى الأناقة” تجاه باريس من جانب شركائها، معبرا بكلمات ناعمة عن “مشاعره الكبيرة” لفرنسا “أقدم حليف للولايات المتحدة (…)”. و بعد العديد من المصافحات يبدو إيمانويل ماكرون أكثر رصانة، راغبًا في “التطلع إلى المستقبل” والتحدث فقط عن “بداية عملية الثقة”.
وأوضحت “لوموند” أنه تم عمل كل شيء لتهدئة الأمور بين الزعيمين. وسبق الاجتماع المباشر مفاوضات مكثفة في الأسابيع الأخيرة مع إدارة بايدن لنزع فتيل الغضب الذي أثير في باريس من قبل التحالف الأنجلو ساكسوني ثلاثي الأطراف، والذي نسف بيع غواصات فرنسية لكانبيرا لصالح سفن أمريكية تعمل بالطاقة النووية. وأصر الدبلوماسيون الفرنسيون، الذين فشلوا في الترحيب بجو بايدن في باريس، على أن يتم اللقاء داخل “بناية فرنسية” في العاصمة الإيطالية، قبيل افتتاح قمة مجموعة العشرين اليوم السبت.
الدفاع الأوروبي
عُقد الاجتماع في مكان أكثر هدوءًا: فيلا بونابرت، حيث تقع السفارة الفرنسية في الفاتيكان، القصر الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، والذي كان مملوكًا لعائلة بونابرت. استمرت التبادلات 90 دقيقة، حيث تطرق بكل تأكيد إلى مسألة المواضيع الثلاثة الرئيسية التي تم تحديدها خلال المشاورات التحضيرية:
أولاً، الدفاع الأوروبي، حيث يشير نص البيان المشترك إلى أن “الولايات المتحدة تدرك أهمية وجود دفاع أوروبي أقوى وأكثر فاعلية، مما يساهم بشكل إيجابي في الأمن العالمي وعبر المحيط الأطلسي ويكمل حلف شمال الأطلسي”، قبل الدعوة إلى “تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي”.
وقال ماكرون للصحافيين بعد اجتماعه مع بايدن، إن “الأزمة عززت أجندة فرنسا”، ويعتزم رئيس الدولة تكثيف تحركاته في هذا الصدد خلال الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، في النصف الأول من عام 2022، حتى لو كانت العديد من العواصم، في وسط أوروبا على وجه الخصوص، ما تزال حذرة من الميول الفرنسية في هذا المجال؛ توضح “لوموند”.
المحيطان الهندي والهادئ والساحل
ثانيا، دور فرنسا وأوروبا في المحيطين الهندي والهادئ، والذي يأمل الرئيس الفرنسي الآن أن يراه معترفًا به من قبل نظيره الأمريكي على الرغم من الانتكاسة التي سببها تحالف أوكوس، حيث شدد إيمانويل ماكرون على أن استراتيجية بلده لن تتغير لأنها قوة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مواصلا على غرار العديد من دول المنطقة الدفاع عن مقاربة أقل مواجهة من مقاربة واشنطن في مواجهة الصين.
وأخيرًا، تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، والذي “يعطي بالفعل نتائج ملموسة”، كما أوضح الرئيس الفرنسي، مؤكدا أن التعاون مع واشنطن يسمح لفرنسا وشركائها الأوروبيين بأن يكونوا أكثر فعالية ضد الجهاديين. وبحسب ما ورد، أتاحت الولايات المتحدة طائرات هليكوبتر وطائرات بدون طيار إضافية.
كما اتفق الرئيسان على تعميق التعاون الثنائي في مختلف المجالات: الطاقات المتجددة والنووية وكذلك الفضاء. كما أعلنوا عزمهم على إطلاق “حوار استراتيجي” حول صادرات الأسلحة. وأيضا، أصر ماكرون على ضرورة استشارة الأوروبيين في المناقشات مع الروس حول موضوع الحد من التسلح.
توحيد الصفوف في مواجهة الصين والهند والبرازيل
ومضت “لوموند” إلى التوضيح أنه بعد اجتماع بايدن-ماكرون، من المفترض أن تبدأ الأعمال التطبيقية بشأن القضايا متعددة الأطراف في قمة مجموعة العشرين. ففي غياب الرئيسين الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، اللذين سيشاركان عبر الفيديو-كونفرانس، فإن الغربيين لديهم فرصة عظيمة لإظهار وحدتهم. ومن المقرر أن يلتقي بايدن أيضا مع المستشارة أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالإضافة إلى لقائه بماكرون. ويريد الأربعة التشاور قبل استئناف محتمل – وغير مؤكد – للمناقشات حول نووي إيران.
فيما يتعلق بقضية المناخ، التي هي في قلب المناقشات بين الاقتصادات العشرين الرئيسية على كوكب الأرض، فإن عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس قد أسعدت الأوروبيين. ومع ذلك، فهم لا ينوون التنازل للأمريكيين عن القيادة في هذا المجال. وعشية COP26، توقع الاتحاد الأوروبي أن تشارك واشنطن بشكل أكبر في الدعم المالي للدول الفقيرة، من أجل إقناعها بتعميق معركتها ضد الاحتباس الحراري.
واعتبرت “لوموند” أن الوقت قد حان لتوحيد الصفوف، لأن قمة مجموعة العشرين، مثل قمة COP26، تهدد بالتحول إلى نزاع بين البلدان المتقدمة وتلك التي يطلق عليها الناشئة، بقيادة الصين والهند والبرازيل. فقد كانت هذه الدول الثلاث بطيئة، أو ما تزال متأخرة، في توضيح مواقفها في مكافحة الاحتباس الحراري. وتتعرض بكين لضغوط خاصة من الدول الغنية للالتزام بالتخلص التدريجي من الفحم.
اعتُبر بايدن “جدّياً”
وتابعت “لوموند” القول إن كل الجروح التي فتحتها قضية أوكوس لم تلتئم. فقد وافق ماكرون على التحدث إلى رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون يوم الخميس قبل زيارته إلى روما، بعد أن كان يرفض حتى الآن الرد على مكالماته. وحتى بعد لقائه بجو بايدن، واصل الرئيس الفرنسي التشكيك في اختيار أستراليا.
بالإضافة إلى ذلك – تقول “لوموند”- من المفترض أن يكون لدى ماكرون غدا الأحد تفسير أول “وجهاً لوجه” مع بوريس جونسون، الذي تتراكم معه مواضيع الخلاف، بعد عشرة أشهر من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بشأن أيرلندا الشمالية وقضايا الصيد أو الهجرة. من الناحية الرسمية، سيتعلق الأمر بشكل أساسي بالتعاون المناخي، لكن من المرجح أن يكون الجو عاصفًا للغاية. فقد قال رئيس الدولة إن “مصداقية” لندن على المحك، فيما قال بوريس جونسون “سنفعل ما هو ضروري للدفاع عن المصالح البريطانية”. وكانت وزارة الخارجية البريطانية قد استدعت في وقت سابق سفيرة فرنسا لديها، كاثرين كولونا، لطلب توضيح حول الإجراءات الانتقامية التي اتخذتها باريس لفشلها في الحصول على المزيد من التراخيص في المياه الإنكليزية للصيادين الفرنسيين.
ويبدو –بحسب “لوموند- أن القادة الفرنسيين ما يزالون غير قادرين على استيعاب “خيانة” البريطانيين بشأن قضية أوكوس بينما يبدو أنهم مستعدون لتمرير المنشفة للأمريكيين. وكدليل على ذلك، حكم ماكرون على السيد بايدن بأنه “جدي” بعد أن أسر الأخير يوم الجمعة بأنه كان يعتقد أن أستراليا أبلغت فرنسا “في وقت مبكر جدًا” بأن عقد الغواصة لن يتم.
القدس العربي