تفجرت الأزمة بين لبنان والسعودية بإعلان الأخيرة سحب سفيرها من بيروت، وإمهال سفير الأولى لديها المغادرة خلال 48 ساعة، ووقف كافة الواردات اللبنانية إلى المملكة.
الأزمة المستجدة، تُعقّد المشهد في لبنان، وتدفع هذا البلد نحو مزيد من العزلة والانهيار، ما يعمق الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها منذ أكثر من عامين.
والأزمة مع السعودية قد تقلب الموازين في لبنان رأساً على عقب، وتدفع مسؤوليه نحو حسابات جديدة، بعد أقل من شهرين على تشكيل حكومة كان يأمل اللبنانيون منها أن توقف الانهيار الاقتصادي والمعيشي في بلادهم.
وكان وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي اعتبر خلال مقابلة تلفزيونية الإثنين (سُجلت في أغسطس/ آب الماضي) أن الحوثيين في اليمن “يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات السعودية والإمارات”.
على إثر ذلك، أعلنت السعودية والإمارات والكويت والبحرين، الخميس، استدعاء سفراء لبنان لديها، وأبلغتهم احتجاجها على تصريحات قرداحي.
وكان رئيس البلاد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي أكدا، أن “تصريحات قرداحي كانت قبل تعيينه وزيرا، ولا تعكس وجهة نظر الدولة، التي تحرص على أفضل العلاقات مع الدول العربية”.
وعلى مدى يومين، استمرت ردود الفعل إلى أن أعلنت الرياض الجمعة، استدعاء سفيرها في لبنان وليد بخاري للتشاور، وأمهلت سفير بيروت لديها فوزي كبارة 48 ساعة لمغادرة أراضيها، كما قررت وقف كافة الواردات اللبنانية إلى المملكة.
تداعيات سياسية وإرباك حكومي
هذا القرار يشكل منعطفًا خطيرًا في تاريخ العلاقات بين البلدين، وقد ترتب عليه تداعيات سياسية واقتصادية إضافية على لبنان المثقل بالأزمات على أنواعها، ويربك الحكومة أكثر.
وقال الكاتب والمحلل السياسي منير الربيع إن “الإجراءات السعودية كانت متوقعة، سيما وأن موقف الرياض (التصعيدي) ليس مرتبطاً فقط بموقف قرداحي، وإنما نتيجة أزمة تمتد عدة سنوات مع لبنان”.
وأضاف الربيع في حديثه لوكالة الأناضول، موضحًا أن “لبنان لم يتخذ أي إجراءات من أجل ترتيب العلاقة مع دول الخليج بعدما تراجعت في الفترة الماضية.
رسالة إلى ميقاتي
ورأى الربيع أن الخطوة السعودية هي رسالة أساسية لحكومة نجيب ميقاتي التي تعتبرها الرياض أنها حكومة “حزب الله”، على حد وصف المتحدث.
وكان ميقاتي عبر أكثر من مرة عن أنه يسعى لتصحيح علاقة لبنان مع السعودية، وهذا ما ورد في برنامج عمل حكومته بأن “من أولوياتها العمل على استعادة العلاقات والروابط التاريخية بين لبنان وأشقائه العرب”.
وتاريخيا، كانت تسود علاقات مميزة بين الرياض وبيروت، إلا أنها توترت عام 2017 إذ اتهمت السعودية “حزب الله” بأنه يسيطر على القرار السياسي والأمني في لبنان، فضلا عن تدخله في حرب اليمن بدعم جماعات تعمل ضدها.
ومن أبرز التوترات الدبلوماسية بين البلدين، كانت في مايو/ أيار الماضي، عقب تصريحات لوزير الخارجية اللبنانية آنذاك، شربل وهبة، قال فيها إن “دول الخليج دعمت صعود تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة”.
عزلة مع العرب
وأوضح الربيع أن “الأجواء في السعودية تشير إلى أن لبنان سيكون في عزلة مع العرب، وأن ما جرى هو مؤشر على إمعان بيروت في الابتعاد عن العرب والاقتراب أكثر نحو المحور الإيراني (يمثله “حزب الله” في البلاد)”.
وزاد أن “السعودية قد لا تفكر بالعودة الفعلية للانفتاح على لبنان إلا ببرنامج لبناني واضح يقوم على تصحيح السياسة الخارجية للدولة اللبنانية، واعتماد سياسة متوازنة مع العرب، تبعد لبنان عن سياسة المحاور”.
وكان بعض السياسيين اللبنانيين بينهم نواب في البرلمان طالبوا قرداحي بالاستقالة، إلا أن “حزب الله” رفض إقالته أو دفعه للاستقالة، واصفاً موقفه بـ”المشرّف والشجاع”، وقال في بيان إن “قرداحي وصف العدوان (على اليمن) على حقيقته”.
تداعيات اقتصادية
التصعيد الدبلوماسي من قبل الرياض تضمن وقف كافة الواردات اللبنانية إلى السعودية، ما سيترتب عليه خسائر مالية على لبنان ويعمق أزمته الاقتصادية التي صنفها البنك الدولي بأنها من بين 3 أسوأ أزمات اقتصادية في العالم.
وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان إن “تداعيات هذا القرار ستلقي بثقلها على الصناعة اللبنانية والمنتجات الغذائية والزراعية”.
وتابع في حديث للأناضول: “هذه التداعيات ستؤثر على إيرادات القطاع الخاص، وتسبب انحساراً لدخول النقد الأجنبي إلى لبنان، ما يشكل انتكاسة إضافية للاقتصاد في البلاد”.
وتخوف الخبير الاقتصادي أن يتبع القرار السعودي قرارات أخرى مشابهة من دول الخليج الأخرى، لأن دول مجلس التعاون الخليجي عادة تتضامن مع بعضها في مثل تلك القضايا، بحسب المتحدث.
وفي عام 2019 بلغت قيمة صادرات لبنان إلى السعودية 282 مليون دولار، إلا أن قرار الرياض الجمعة الذي تضمن “وقف كافة الواردات اللبنانية” يعني تجميد هذه العملية.
وقف صادرات بملايين الدولارات
بحسب الخبير الاقتصادي باتريك مارديني فإن الكلفة الاقتصادية والمالية على لبنان ستكون باهظة الثمن بسبب قطع العلاقات التجارية من جهة، وتراجع الاستثمارات السعودية في لبنان من جهة أخرى.
ولفت مارديني للأناضول أن أكثر بلدين يستوردان البضائع من لبنان هما الإمارات والسعودية، تليهما سوريا وجنوب إفريقيا والعراق.
ووفقاً لأرقام عام 2018، فإن صادرات لبنان إلى الإمارات بلغت 450 مليون دولار، أما الصادرات إلى السعودية فبلغت 212 مليون دولار، أي أن هذين البلدين يستحوذان على 23 بالمئة من مجمل صادرات لبنان.
وبحسب مارديني فإن “وقف الصادرات من لبنان إلى السعودية أو الإمارات يشكل ضربة اقتصادية قاسية للقطاعات الإنتاجية في البلاد لا سيما الزراعية والصناعية”.
أما عن الاستثمارات السعودية في لبنان، فلفت مارديني إلى أن “العديد من رجال الأعمال السعوديين يستثمرون في لبنان، خصوصاً في قطاعات السياحة والفنادق ووسائل الإعلام وغيرها”.
وبيّن أن “هذه الاستثمارات لطالما شكلت ضخاً للأموال الأجنبية إلى لبنان والتي تشكل جزءا من الناتج المحلي، وبالتالي فإن توقفها يعني خسارة لتلك الأموال ما يسبب تراجعاً إضافياً في وفرة النقد الأجنبي”.
(الأناضول)