الميزان يميل لصالح التعامل الغربي مع طالبان

الميزان يميل لصالح التعامل الغربي مع طالبان

توظف حركة طالبان الملف الأمني والإنساني لافتكاك اعتراف دولي بالجماعة كحاكم رسمي لأفغانستان، حتى أن محللين يقولون إنها قد تلجأ لشنّ هجمات كبرى ضدّ الجماعات الجهادية المتشددة، التي تهدد أيضا أمن باكستان، لدفع الغرب للمشاركة فيها وهو ما سيمهد لعودة البعثات الدبلوماسية التي غادرت كابول نحو الدوحة وفي مقدمتها بعثات الاتحاد الأوروبي التي تعتزم العودة إلى أفغانستان خلال الفترة القادمة.

واشنطن- واجهت طالبان منذ استيلائها على السلطة في أفغانستان منتصف أغسطس، ضغوطا دولية كبيرة حيث تم تعليق جزء كبير من المساعدات الدولية وصناديق التنمية، وتجميد احتياطيات البنك المركزي الأفغاني الموجودة في الخارج. كما لم تتمكن حكومتها من الحصول على اعتراف من أي طرف في المجتمع الدولي، وتواجه الآن خطر الجماعات الإرهابية وتفاقم للأزمة الإنسانية.

ويقول المحلل السياسي والخبير في قضايا الشرق الأوسط جيمس دورسي إن كلا من طالبان وباكستان اللتين ينظر إليهما الغرب والمجتمع الدولي بحذر، تستفيدان من المخاوف المتزايدة بشأن الوضع الإنساني والأمني ​​في أفغانستان.

جيمس دورسي: طالبان وباكستان تستفيدان من الوضع الأمني في أفغانستان

ويقترب الاتحاد الأوروبي، في خطوة قد تضع الولايات المتحدة في موقف حرج، من إعادة فتح بعثته في العاصمة الأفغانية وعرض على الدول الأعضاء استخدامها كقاعدة عملياتية لدبلوماسييها.

ويرى دورسي في تقرير لموقع مودرن دبلوماسي أن هذه الخطوة ستعزّز التعاملات الأوروبية مع طالبان، لكنها لا ترقى إلى مستوى الاعتراف الدبلوماسي بالجماعة كحكام جدد لأفغانستان.

تعامل حذر
كان الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء والولايات المتحدة قد نقلت بعثاتها الدبلوماسية إلى العاصمة القطرية الدوحة في أغسطس بعد إجلائها من كابول عند سيطرة طالبان على المدينة.

وقال مسؤولون أوروبيون إن إعادة فتح بعثة الاتحاد الأوروبي كانت ضرورية لإدارة حزمة مساعدات إنسانية طارئة بقيمة مليار يورو.

وقال برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) هذا الأسبوع إن حوالي 19 مليون أفغاني، أو 45 في المئة من السكان، يعانون من “مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي”. ومن المتوقع أن يقفز هذا الرقم إلى 22.8 مليون بين نوفمبر ومارس ما لم يتم اتخاذ إجراء فوري، وفقا لتقرير صدر حديثا عن الوكالتين.

وقال مسؤولون كبار بالأمم المتحدة، بمن فيهم الأمين العام أنطونيو غوتيريش، في وقت سابق إن مليون طفل معرضون لخطر الموت جوعا، وإن معدل الفقر في أفغانستان ارتفع بشدة، وإن الخدمات العامة الأساسية على وشك الانهيار. حيث تفاقمت الأزمة بسبب حقيقة أن مئات الآلاف من الناس أصبحوا بلا مأوى نتيجة القتال الأخير في البلاد.

ويمكن أن تجعل إعادة فتح بعثة الاتحاد الأوروبي في كابول أوروبا على نفس الطرف مع حلفاء الولايات المتحدة قطر وتركيا وباكستان ومنافسي الولايات المتحدة، الصين وروسيا، الذين يفضلون جميعا درجة معينة من التعامل مع طالبان وفي معظم الحالات رفع العقوبات الأميركية التي منعت الجماعة من الوصول إلى الودائع والأصول الحكومية في الخارج.

ودعا وزير الخارجية الصيني، في أول لقاء له مع طالبان في الدوحة منذ انسحاب الولايات المتحدة، إلى رفع العقوبات، وتعهد بمساعدة الحركة على “إعادة بناء البلاد”. وقالت الصين مرارا إنها مستعدة للعمل مع طالبان لكنها امتنعت حتى الآن عن اتخاذ خطوات ملموسة في هذا الاتجاه.

إعادة فتح بعثة الاتحاد الأوروبي تخدم طالبان وتزيد الشكوك حول استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب

وتخدم إعادة فتح بعثة الاتحاد الأوروبي أهداف طالبان في مواجهة صعوبة نيل قبول دولي كما ستزيد الشكوك حول استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب “عبر الأفق” عوضا عن المجال الإنساني والدبلوماسي.

وحرم الانسحاب من أفغانستان الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو من العديد من أصولهم الاستخباراتية وجمع المعلومات على الأرض. وهذا يعني أيضا أن الطائرات دون طيار والطائرات الأميركية سيتعين عليها التحليق لمسافات طويلة من منشآت “عبر الأفق” مثل القاعدة الجوية الأميركية في قطر أو السفن البحرية في مياه المحيطين الهندي والهادئ لإنجاز مهام مكافحة الإرهاب.

وقد تكون باكستان التي طالما انتُقدت بسبب دعمها المزعوم لطالبان أحد المستفيدين من التشققات في الحاجز الدولي الذي أقيم حول طالبان.

مواجهة الجهاديين
ترغب باكستان في كسب الثناء لإعطائها معلومات استخباراتية ودعما تقنيا لطالبان في قتالها ضد الدولة الإسلامية في خراسان. ويشعر الكثير من المجتمع الدولي بالقلق بشأن الدولة الإسلامية، لكنه لم يكن مستعدا للانخراط مع طالبان لمواجهة الجماعة الجهادية.

وشن تنظيم الدولة الإسلامية العشرات من الهجمات على أهداف تابعة لطالبان منذ أغسطس واستهدفت تفجيراته الثلاثة الأكثر تدميرا مطار كابول في أغسطس أثناء الإجلاء الأميركي ومؤخرا مسجدين شيعيين في قندوز وقندهار. وأثار تنظيم الدولة الإسلامية بذلك شكوكا حول قدرة طالبان على تحقيق الاستقرار في أفغانستان.

ويرجح دورسي أن تستخدم باكستان هجوما ناجحا لطالبان ضد الجماعة الجهادية لدفع الآخرين للانخراط مع طالبان أيضا.

وتعلّق باكستان وبعض مؤيدي الانخراط الآخرين آمالهم جزئيا في اعتدال طالبان على حقيقة أن الجماعة مأهولة بشكل متزايد بجيل نشأ خلال الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة.

وقال الصحافي الأفغاني فضل من الله قزيزاي “يصوّر المنتقدون والمعارضون الجيل الجديد من طالبان بشكل روتيني على أنه قديم ومتطرف، وهو في الواقع نتاج عصره. فهو أكثر انفتاحا على احتمالات التغيير الاجتماعي التدريجي من أسلافه لكنّه أكثر نضالية على الصعيد السياسي. حيث يتحدث أبناء هذا الجيل الإنجليزية ولكنهم لا يثقون في الغرب، ويتبنون قراءة جيدة لكن حذرة لحرية التعبير، وهم حريصون على مساعدة بلادهم في المضي قدما دون محو ماضيها”.

اقرأ أيضا: التحولات تُحدد العلاقة بين واشنطن وإسلام آباد

وقد يكون قزيزاي على حق. وإذا كان كذلك، فإن طالبان غير مستعدة للتعبير بشكل لا لبس فيه عما تعنيه بنسختها الجديدة حتى الآن. ولم تف بعد بالتعهدات المتعلقة بحقوق المرأة، بما في ذلك التعليم الثانوي والعالي.

وأفسدت حركة طالبان فرصة لكسب الثقة عندما دعا زعيم شبكة حقاني سيئة السمعة، القائم بأعمال وزير الداخلية الأفغاني سراج الدين حقاني، مؤخرا أفراد عائلات مفجرين انتحاريين تابعين لطالبان للاحتفال بأفعال أحبائهم.

وبدلا من الاعتذار للضحايا، قال حقاني، الذي حُددت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار للقبض عليه بسبب صلاته الوثيقة بالقاعدة، للتجمع في فندق إنتركونتيننتال في كابول الذي استهدفته الجماعة مرتين إن تضحيات المفجرين هي “في سبيل الدين والوطن والإسلام “. وقال إن طالبان لم تكن لتتمكن من محاربة الولايات المتحدة لولا دعم المفجرين الانتحاريين.

وربما كان حقاني يحاول منع أولئك الذين قد يعترضون على التغيير الاجتماعي التدريجي من الانشقاق إلى الدولة الإسلامية.

وإذا كان الأمر كذلك، فقد كان حقاني يتحدث أيضا عن أن طالبان قد تكون في الوقت الحالي في مأزق لأنها تسير على خيط رفيع بين الحفاظ على بعض مظاهر الوحدة داخل صفوفها واكتساب الحد الأدنى من الثقة الدولية اللازمة للتعامل مع مشاكل أفغانستان الإنسانية والأمنية الهائلة.

الاتحاد الأوروبي يقترب، في خطوة قد تضع الولايات المتحدة في موقف حرج، من إعادة فتح بعثته في العاصمة الأفغانية وعرض على الدول الأعضاء استخدامها كقاعدة عملياتية لدبلوماسييها.

العرب