إلحاق الأذى بالمغرب يدفع الجزائر إلى المقامرة باستثماراتها في مجال الغاز

إلحاق الأذى بالمغرب يدفع الجزائر إلى المقامرة باستثماراتها في مجال الغاز

الجزائر – تمسك النظام الجزائري بخطواته التصعيدية تجاه الجار الغربي بعدم تجديد عقد خط أنابيب الغاز المار عبر المغرب دون مراعاة الخسائر التي ستطال الجزائر نفسها من خلال هذه الخطوة واهتزاز صورتها لدى شركائها الأوروبيين، في وقت يقول فيه المغرب إن تأثير الخطوة الجزائرية محدود، وإن لديه ما يكفي من البدائل لتعويض حصوله على كميات الغاز الجزائري.

وقال مراقبون محليون إن الرئيس عبدالمجيد تبون لم يقرأ حسابا لمخلفات وقف الاعتماد على خط الغاز الذي يمر بالمغرب، وأن ما كان يهمه هو الرد السياسي على نجاحات المغرب في ملف الصحراء وكان آخرها تبني مجلس الأمن مقاربة أقرب إلى الرباط واعتباره الجزائر شريكا مباشرا في النزاع وليس مجرد مراقب عن بعد كما يريد النظام الجزائري أن يروّج له.

وأشار المراقبون إلى أن ما قاد الموقف الجزائري هو إلحاق الأذى بالمغرب دون تحسب للخسائر الأخرى التي ستطال الشريك الإسباني في وقت تعيش فيه إسبانيا كما غيرها من الدول الأوروبية على أبواب أزمة كبيرة خلال الشتاء بسبب ارتفاع الأسعار والغموض بشأن المورّدين.

خبراء يحذرون من أن هذه الخطوة يمكن أن تسبب خللا في التزام الجزائر تجاه إسبانيا ليس بشكل ظرفي، ولكن على مدى أطول

وستحصل إسبانيا على كميات أقل من الغاز بعد انتهاء الاتفاق المستمر منذ 25 عاما لنقل الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر المغرب، دون أن يتم تجديده.

ورغم التطمينات التي قدمتها الجزائر حول ضمان تزويد مدريد بالكميات اللازمة عبر أنبوب “ميدغاز” الذي وضع في الخدمة عام 2011، والذي يربطها بالجزائر عبر المتوسط، إلا أن خبراء في مجال الطاقة يقرون بأن القرار غير المدروس سيلحق بالجزائر خسائر تتفادى الإعلان عنها وحتى تجاوزها بحلول بديلة.

ويحذر الخبراء من أن هذه الخطوة يمكن أن تسبب خللا في التزام الجزائر تجاه إسبانيا ليس بشكل ظرفي، ولكن على مدى أطول، وأن هذا النقص قد يفتح الباب أمام دخول منافسين جدد للسوق الإسبانية على غرار روسيا وقطر، وهو ما يعيق الجزائر عن تحقيق عائدات معتبرة في ظل الارتفاع المسجل في أسعار الغاز، وقد يضع مصالحها على المحك.

وعملت شركة سوناطراك خلال الأشهر الماضية على توسيع طاقة أنبوب “ميدغاز” ليصل إلى أكثر من 10 مليون متر مكعب، تحسبا لقرار وقف التوريد عبر الأنبوب المغاربي، وهو ما يعتبر تحديا فنيا وماليا صعبا للشركة.

كما أن صعوبة الإيفاء بالالتزامات قد تدفع الحكومة الجزائرية إلى تقديم ضمانات للحكومة الإسبانية، باستعدادها لاستعمال سفن الشحن للوفاء بالتزاماتها، وهو ما يعتبر نفقات إضافية تتكبّدها الجزائر بسبب القرار غير المدروس.

وكانت وزيرة التحول البيئي الإسبانية المسؤولة عن الطاقة تيريسا ريبيرا قد زارت الجزائر مؤخرا والتقت بنظيرها الجزائري محمد عرقاب، من أجل الاطمئنان على ضمان إمدادات الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر خط أنابيب الغاز “ميدغاز” ومجمعات تحويل الغاز الطبيعي المسال.

ولم يستبعد متابعون لشؤون الطاقة أن تكون الوزيرة الإسبانية قد جربت آخر المحاولات من أجل حمل الجزائر على التراجع عن قرارها.

وقرر الرئيس الجزائري الأحد عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مرورا بالمغرب، وذلك بسبب “الممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة المغربية”، وفق ما جاء في بيان صادر عن الرئاسة.

وجاء في بيان للرئاسة الجزائرية “أمر رئيس الجمهورية الشركة الوطنية سوناطراك بوقف العلاقة التجارية مع الشركة المغربية، وعدم تجديد العقد”.

لكنّ المتابعين يقولون إن مقارنة بين الخسائر التي يمكن أن تلحق بعائدات الجزائر وصورتها كمورد للغاز وبين مكاسبها في الضغط على المغرب تظهر أن النتائج مخيبة، خاصة أن هذه الخطوة قد تهز الثقة مع تونس التي يعبر أراضيها خط غاز جزائري نحو إيطاليا. كما أن الأخيرة تأخذ حذرها من الآن وتبحث عن بدائل تحسبا لموقف غير محسوب من الجزائر في خلاف حول ملفات إقليمية مثل ليبيا أو حول الهجرة غير النظامية.

وبالتوازي فإن المغرب يقول إن تأثير القرار الجزائري محدود، ما يعني أن نية الضغط على الرباط لم تتحقق، فضلا عن أن القضية سياسية وكان يفترض أن يتم التعاطي معها بأدوات سياسية، كما يرى المتابعون.

وقال المكتب الوطني المغربي للهيدروكاربورات والمعادن، والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بأن قرار الجزائر بعدم تجديد الاتفاق المتعلق بخط أنبوب الغاز المغاربي – الأوروبي لن يكون له حاليا سوى “تأثير ضئيل” على أداء النظام الكهربائي في البلاد.

ونقلت “وكالة المغرب العربي للأنباء” المغربية عن بيان مشترك للمكتبين أنه نظرا لطبيعة جوار المغرب، وتحسبا لهذا القرار، فقد تم اتخاذ الترتيبات اللازمة لضمان استمرارية إمداد البلاد بالكهرباء.

وأضاف البيان أنه تتم حاليا دراسة خيارات أخرى لبدائل مستدامة، على المديين المتوسط والطويل.

وتقول أوساط اقتصادية مغربية إن الرباط رتبت أمورها على البدائل منذ مدة طويلة، وإن ذلك زاد مع التهديدات الجزائرية، مشيرة إلى أن لدى المغرب بدائل جاهزة من ذلك زيادة نسبة الواردات من الغاز من دول الخليج أو مصر وكذلك استثمار علاقاته الجيدة للاستفادة من منظومة شرق المتوسط في قطاع الغاز.

كما يمكن للمغرب الاعتماد على نيجيريا من خلال خط أنابيب الغاز الأفريقي الذي يربط أفريقيا بدول الاتحاد الأوروبي. يضاف إلى ذلك وضع الرباط خططا لتسريع الاعتماد على الطاقة المتجددة كتوجه استراتيجي بديل.

العرب