تبرر الكثير من الدول الصناعية ارتفاع انبعاثات الغازات الملوثة للمناخ بحركة عجلة الاقتصاد والرفع من الإنتاج لتحقيق النمو الاقتصادي، إلا أن هناك جانبا آخر للتلوث يظهر أنه يكلف الاقتصاد خسائر فادحة.
وبدأ وعي الدول بالخسائر التي يكلفها التلوث للاقتصاد العالمي يظهر تدريجيا، مما جعل الدول الثلاث الأكثر مساهمة في التلوث البيئي في العالم، وهي أميركا والصين والهند، تعلن عن دخول تحدي “مرحلة الحياد” في الانبعاثات الغازية، أي الوصول لصفر انبعاث للغازات الملوثة للبيئة.
أظهرت دراسة لمركز الأبحاث حول الطاقة والهواء النظيف، ونشرها المنتدى الاقتصادي العالمي، حول كلفة التلوث، بأن المحروقات والفحم والنفط تتسبب في 3 أضعاف الوفيات التي تتسبب بها حوادث السير.
وتعتبر الدول الأكثر مساهمة في تلويث العالم، الأكثر تضررا أيضا من التلوث، فحسب الدراسة تخسر الصين سنويا 900 مليار بسبب هذه الظاهرة، أما الولايات المتحدة فيفقد اقتصادها 600 مليار دولار سنويا، ثم الهند ثالثة بخسارة 150 مليار دولار سنويا.
وفي سنة 2018 بلغ كلفة الهواء الملوث حوالي 6.6% من الناتج الداخلي الصيني، و5.4% في الهند، 3% في الولايات المتحدة.
وتختلف التزامات الدول الثلاث في الوصول لصفر انبعاث للغازات الملوثة، حيث أعلنت الولايات المتحدة أنها ستحقق هذا الهدف في سنة 2050، أما الصين فقالت إنها ستبلغ هذه المرحلة سنة 2060، بينما أعلنت الهند أنه لن يكون بمقدورها الالتحاق بالركب إلا سنة 2070.
وقدرت الدراسة أن التلوث يكلف الاقتصاد العالمي حوالي 2.9 تريليون دولار، وهو ما يعادل 3.3% من الناتج الخام العالمي، كما تسبب التلوث في سنة 2018 في 4.5 ملايين حالة وفاة وتسبب في 1.8 مليار يوم تغيب عن العمل، و4 ملايين إصابة بأمراض التنفس لدى الأطفال.
وتفسر الدراسة أن عدم التقدير الحقيقي لتأثير التلوث على الاقتصاد العالمي، كونها غير واضحة مباشرة في المؤشرات الاقتصادية، ولكنها تظهر بشكل غير مباشر، على سبيل المثال فإن الأمراض التي يسببها التلوث تكلف الاقتصاد العالمي 200 مليار دولار من أجل علاجها.
من المسؤول عن التلوث؟
حسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة فإن هناك 4 دول (الصين والولايات المتحدة والهند والاتحاد الأوروبي)، تساهم بأكثر من 55% من إجمالي الانبعاثات خلال العقد الماضي.
وتأتي الصين في مقدمة الدول الملوثة للبيئة، رغم أنها تمتلك برنامجا لدعم توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية، يعتبر هو الأفضل والأكبر في العالم، إلا أنها وتحت تزايد الطلب العالمي سنة 2018 ارتفعت الانبعاثات بنسبة 1.8%، لتصل إلى 13.7 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يفوق ربع الانبعاثات العالمية.
وتعود الصين من جديد لاستهلاك الفحم الحجري، في سنة 2021 تحت مبرر التزايد الداخلي الكبير على الطاقة.
أما الولايات المتحدة فتعتبر مسؤولة عن 13% من الانبعاثات العالمية، ولكنها تشهد انخفاضا تدريجيا لهذه النسبة بعد أن أقرت 6 ولايات تعتبر الأكبر في البلاد أهدافا للوصول إلى طاقة نظيفة بحلول العالم 2050 كما تعهدت 100 مدينة أميركية باستعمال 100% من الطاقة النظيفة بحلول العام 2045.
وتأتي الهند في المرتبة الثالثة، حيث تساهم بأكثر من 7% من انبعاثات الغازات الملوثة، ويعد نصيب الفرد الهندي من الانبعاثات هو الأعلى بين دول مجموعة العشرين الصناعية، وتتعهد الصين بالانتقال للطاقات النظيفة والاعتماد بشكل أكبر على السيارات الكهربائية، إلا أن كل التوقعات تشير إلى أنها ستكون آخر من يحقق هدف صفر انبعاث للغازات الملوثة بين الدول الكبرى.
هل نعيش مرحلة الانتقال الطاقي؟
يعيش الكثير من دول العالم مرحلة الانتقال الطاقي، للاعتماد وبشكل أكبر على الطاقات النظيفة، وحسب مؤسسة “بلومبيرغ” فإن دول العالم سوف تستثمر 15 تريليون دولار في الطاقات المتجددة، خلال العقود الثلاثة القادمة، مما يعني أن الانتقال الطاقي لن يكون رخيص الثمن، وإنما سيتطلب استثمارات عملاقة، لن يكون بمقدور كل الدول تحملها، لهذا تنادي الدول الفقيرة بتوفير دعم حقيقي لتحقيق هذا الانتقال، ومن المتوقع أن تحصل على 100 مليار دولار خلال هذه السنة كدعم من الدول الغنية.
غير أن هناك جانبا سلبيا لهذا الانتقال، وهو أنه سيشكل فترة ذهبية لقطاع التعدين، حيث تتطلب مولدات الطاقة الريحية وألواح الطاقة الشمسية، الكثير من المعادن في تصنيعها، وحسب تقرير للبنك الدولي يمكن أن يرتفع الطلب على الفضة المستعملة في هذا المجال من 24 ألف طن سنويا إلى 400 ألف نسويا، وهذا في أفضل الأحوال، أما أسوأ السيناريوهات فتتوقع وصول الطلب على الفضة إلى 700 ألف طن سنويا.
هل الطاقة المتجددة في صالح المستهلك؟
حسب المجموعة المالية الهولندية آي إن جي (ING) فإن أسعار الطاقة قد تعرف ارتفاعا طيلة مرحلة الانتقال الطاقي، إلى حين بلوغ سنة 2050، وبعد تحقيق هدف الاعتماد على الطاقات النظيفة، وحسب المجموعة نفسه فإن الطاقة الريحية، هي من سيحقق أفضل تراجع لأسعار الطاقة بحوالي 8% في الفاتورة الشهرية.
المصدر : الجزيرة