لماذا لا يعلنون وفاة “أوسلو”؟

لماذا لا يعلنون وفاة “أوسلو”؟

l094_

لم يبق من اتفاقات أوسلو، بعد أكثر من عقدين على توقيعها، شيء يستحق التوقف أمامه، أو البناء عليه، وحتى المرحلي منها أخذ طابع الديمومة، ولم يحصل منها الشعب الفلسطيني على الأساسي، وهو إقامة دولته المستقلة. استطاع أرئيل شارون، وخليفته بنيامين نتنياهو، أن يقفزا فوق حل الدولتين، ويستمرا في مشروع الاستيطان، بوصفه هدفاً إسرائيلياً غير قابل للتفاوض أو المساومة، وفشلت الضغوط كافة، من أميركية وأوروبية، في دفع إسرائيل إلى تجميد الاستيطان ولو فترة مؤقتة. ويستنتج مراقب سلوك المستوطنين، في العامين الأخيرين على نحو خاص، أن التعبئة في أوساط هؤلاء، السياسية والدينية، وصلت إلى مستوى خطير جدا، وهذا ما يفسر تصاعد عمليات الاعتداءات على أراضي الفلسطينيين وبيوتهم وخطف الأطفال وحرق العائلات.
يجرى ذلك وسط انسداد الأفق السياسي، وتوقف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وتعطل كل خيوط الاتصالات بينهما، باستثناء التنسيق الأمني، ويترافق مع عدم مبالاة وصمت دولي صار يلعب لصالح مخططات إسرائيل، من أجل تيئيس الفلسطينيين، لكي يسلموا بالأمر الواقع الحالي، ويقبلوا بصيغة سلطة فلسطينية تحت الاحتلال.
جاءت الانتفاضة الفلسطينية الحالية للرد على دعاة سياسة الأمر الواقع، ما يفسر أن صائب عريقات غيّر رأيه، واقتنع بأن الحياة ليست مفاوضات فقط، وفي وسع الفلسطينيين أن يقلبوا الطاولة على نتنياهو، ويردوا على مستوطنيه الذين ركنوا إلى سياسة القوة والعنف في التعامل مع الشعب الأعزل، وفي حساباتهم أن هذا الشعب سيعدم إيجاد الوسائل لخلط الأوراق، وطرح معادلات جديدة، تدفع نتنياهو ورئيس السلطة محمود عباس إلى مراجعة الحسابات.
خضعت السلطة الفلسطينية مع نتنياهو لشتى أنواع الامتحانات، وفازت في أقساها وأكثرها صعوبة، وهو امتحان الصبر. وصبر معها الشعب الفلسطيني كما لم يصبر أي شعب محتل، وبقيت السلطة، على الرغم من التعنت الإسرائيلي، تنتظر معجزة تجبر نتنياهو على تغيير منهجه، لكن ذلك لم يحصل، وباتت غالبية الشعب الفلسطيني على قناعة بأن طريق السلطة لن يوصل إلى مكان. ولهذا، جاءت الانتفاضة الحالية، وكانت شرارتها من القدس التي ظن الإسرائيليون أنها النقطة الأضعف في المعادلة الراهنة، بعدما أغرقوها بالمستوطنين وبات يعيش فيها ثلث مستوطني الضفة الغربية. وبدأت الانتفاضة من حول المسجد الأقصى الذي أراد المستوطنون أن يضعوا يدهم عليه بالتدريج، ضمن مخطط مدروس، يبدأ بالتقاسم الزمني للمسجد، وفي المرحلة الثانية السيطرة عليه كلياً، ضمن سياسة التوسع التدريجي التي ساروا عليها منذ عام 1948.
بعد أربعة أيام من الانتفاضة الحالية، اضطر نتنياهو إلى أن يمنع وزراء حكومته ونواب الكنيست من دخول المسجد الأقصى، وما كان له أن يقدم على هذا القرار، لو لم يلمس خطورة الموقف الجديد، الذي صنعه إصرار الشباب الفلسطينيين على المقاومة بوسائل بدائية جداً، لكنها ذات مفعول نفسي كبير جدا. ومن بين كل الرسائل التي حملتها الانتفاضة الفلسطينية أن جيل “أوسلو” هو الذي يقاوم اليوم في الشارع، وهو على استعداد لتقديم كل التضحيات، من أجل إنهاء الاحتلال. وقد التقط هذه الرسالة طرفا “أوسلو”، نتنياهو وأبو مازن. وكما تبين، فإن رئيس وزراء إسرائيل يحاول، بالطرق المعتادة، أن يقضي على هذه الانتفاضة، وهو لن يترك وسيلة من غير أن يجربها، بما فيها تقديم بعض الوعود للسلطة الفلسطينية التي تتحمل مسؤولية تاريخية في عدم التفريط أو تسليم السلاح الذي وضعه في يدها الشعب الفلسطيني، من أجل استعادة المبادرة لطرح بديل وطني فلسطيني لاتفاق أوسلو، وليس العودة إلى طاولة المفاوضات مع نتنياهو. وبغض النظر عن رد فعل السلطة، فإن الجيل الفلسطيني الجديد يشق طريقه، ويفرض أجندة مختلفة بديلة لانتظار غودو.

 بشير البكر

صحيفة العربي الجديد