بدأت أوروبا تنكمش على نفسها، ولم يصمد دفاعها المستميت عن حقوق الإنسان في وجه ما تعتقده مخاوف جدية تهدد هويتها الثقافية والدينية. وتستحضر هذه المخاوف، التي عبرت عنها شخصيات سياسية بارزة، صورا عديدة تعكس فشل الجالية المسلمة في أوروبا بالاندماج خاصة أن هذه الجالية تحولت إلى أرضية خصبة لأنشطة الجمعيات المتشددة.
وأعرب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان عن شكّه في إمكانية اندماج مئات الآلاف من اللاجئين المسلمين في أوروبا على المدى الطويل.
وقال أوربان اليميني المحافظ في تصريحات لمجلة “فوكوس” الألمانية إن الإسلام لا ينتمي مطلقا إلى أوروبا، مضيفا أن الثقافة والدين الإسلامي لا يندمجان مع الثقافة والدين المسيحي، وأن ما يحدث هو نشوء تعددية ثقافية بمجتمعات منفصلة.
وأكد أوربان أن أسلوب الحياة في أوروبا قائم على الحرية في الفكر والدين والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، قائلا “يتعين علينا الدفاع عن هذه القيم الثقافية”.
وكان وزير الخارجية المجري، بيتر سيارتو ردد قبل ذلك الفكرة نفسها قائلا “إذا تركنا المسلمين يدخلون القارة لمنافستنا فسيفوقوننا عددا، إنها مسألة حسابية ولا تعجبنا”، مضيفا “أتحدث عن الثقافة ومبادئ الحياة اليومية كالعادات الجنسية وحرية التعبير والمساواة بين الرجل والمرأة وكل هذه القيم التي أطلق عليها اسم المسيحية”.
وحدد سيارتو منتصف الليلة الماضية للبدء في إغلاق حدود بلاده مع كرواتيا أمام المهاجرين، وذلك بعد شهر من إجراء مماثل اتخذته على حدودها مع صربيا، غداة إنجاز سياج جديد لمنع دخول المهاجرين.
وأوضح سياتو “نظرا لعدم اتخاذ أي قرار في قمة الاتحاد الأوروبي الخميس حول نشر قوات أوروبية على الحدود الخارجية للاتحاد (…)، قررت المجر تنفيذ قرارها إغلاق حدودها”.
ولكن عمليا، ستفعل المجر “مناطق عبور” كما على حدودها مع صربيا، حيث يمكن للمهاجرين تقديم طلب لجوء بدون دخول البلاد رسميا، مع إمكان ترحيلهم في دقائق.
وأعلنت سلوفينيا وهي من البلدان المرشحة لمواجهة تدفق المهاجرين الراغبين في الوصول إلى شمال أوروبا، “الاستعداد بشكل فعال لمواجهة هذا الخيار”، على لسان رئيس وزرائها ميرو سيرار.
وبعد اعلان بودابست، دعت الحكومة السلوفينية إلى انعقاد مجلس الأمن الوطني بشكل طارئ اليوم.
وتأتي هذه الإجراءات غداة قمة للاتحاد الأوروبي في بروكسل لم تتمكن، وفق بودابست، من التوصل إلى حل فوري لوقف تدفق المهاجرين.
ولئن أثارت موجة اللاجئين الجديدة إلى أوروبا مخاوف في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تتعلق بالأعباء التي ستقع على عاتق دول القارة بسبب الأعداد الكبيرة للمهاجرين الجدد، إلا أن دول أوروبا الشرقية المنضوية تحت الاتحاد الأوروبي حديثا ارتفعت مخاوفها إلى ما هو أكبر وأعمق، أي الخوف على الهوية الثقافية والدينية للقارة.
ورغم أن اللاجئين لا يفضلون المجر أو التشيك أو سلوفاكيا للاستقرار بها، فإن دول أوروبا الشرقية أبدت تخوفا أكبر على هويتها المسيحية، وهذا مفهوم في ظل ضعف تمثلها لقيم الاتحاد الأوروبي المدافعة عن حقوق الإنسان والتنوع الثقافي، وخروجها حديثا من تأثير أنظمة الفكر الواحد الذي لم يكن يعطي أي قيمة لهويتها الدينية.
لكن هذه المخاوف التي بدأت تلقى تجاوبا لدى أحزاب يمينية في غرب أوروبا، تجد مشروعية في علاقتها بالصورة التي خلفها المتشددون المسلمون وشوهت صورة الجالية، فضلا عن صدى مجازر داعش في الشرق الأوسط، التي تزيد من منسوب الخوف لدى الغربيين من صورة الإسلام المتشدد.
وأظهرت أزمة اللاجئين وجود فوارق في استيعاب ثقافة الاتحاد الأوروبي بين الدول الشرقية الجديدة على الاتحاد وبين الدول الغربية المؤسسة له، رغم أنها عاشت أزمة لاجئين كانوا يتحينون الفرص للتسلل غربا، فضلا عن تلقيها الدعم والتسهيلات للاندماج وإعطاء الأولوية لاستيعاب عمالتها في الاقتصاد الأوروبي.
وعارضت المجر والتشيك ورومانيا وسلوفاكيا اتفاق إعادة توزيع 120 ألف لاجئ على دول الاتحاد الأوروبي.
صحيفة العرب اللندنية