صار من المعلن رسمياً، منذ أيام، وجود خط عسكري ساخن بين سورية وإسرائيل. هذا الخط يديره الروس، من الناحية المبدئية، من أجل تنسيق الأعمال القتالية، بعد أن تولت موسكو، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الحالي، إدارة الحرب للدفاع عن النظام السوري. ويتذرع الروس بضرورة تنظيم الطلعات العسكرية في الأجواء، لكيلا تحدث أخطاء تقود إلى احتكاكات بين الأطراف، لكن الأمر في الحالة الإسرائيلية يتجاوز ذلك بكثير، وإلا لماذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أول من استمع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى وجهة نظره، حين دعاه إلى موسكو الشهر الماضي. وعلى الرغم من أن الروس يثيرون عاصفة كبيرة حول مسألة التنسيق العملياتي في سورية، فإن الطرف الوحيد الذي يولون رأيه أهمية خاصة هو إسرائيل.
يتصرّف الروس مع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بسورية بمعايير مختلفة، وهذا ما دللت عليه اللقاءات التي أجروها، في الآونة الأخيرة، مع مسؤولين عرب وأجانب. وليست المعايير جميعها متناسبة بالضرورة، فبعضها متضارب، لكنهم، في جميع الأحوال، يحاولون توليف وضع جديد، يمكّنهم من إدارة الملف السوري، بما يناسب مصالحهم بالدرجة الأولى، فهم، على سبيل المثال، وضعوا الملف السوري في نصاب مكافحة الإرهاب في المباحثات مع مسؤولي الإمارات والأردن. أما مع السعودية، فلم يمانعوا في الحديث عن العملية الانتقالية، ودور الرئيس بشار الأسد في تقرير مستقبل سورية.
يبدي الروس، حتى الآن، اهتماما خاصا بالموقف الإسرائيلي، حتى إن خبراء ومحللين إسرائيليين عديدين باتوا يرون تحولاً استراتيجياً يحصل في الشرق الاوسط: الولايات المتحدة انسحبت من المنطقة، وروسيا تحل محلها. ولذا، من غير المستبعد أن تتحالف إسرائيل وروسيا، وهذا سبب التفاهم الذي جرى بين الطرفين، فيما يتعلق بالتنسيق العسكري الجوي في السماء السورية، وهو تنسيق سيقود حكماً إلى تفاهمات سياسية تتعلق بمستقبل سورية. وينبع هذا التقدير من رؤية روسيا لدورها في هذا البلد، فهي جاءت لتملأ الفراغ الذي تركه انهيار النظام، وفشل المدافعين عنه مباشرة، أي إيران. ويدرك الروس انه ليس في وسعهم لعب هذا الدور من دون التفاهم مع إسرائيل على كل خطواتهم العسكرية والسياسية. ولذا، بات مصير الأسد، في المنظور الروسي، يتقرر بين شخصين، بوتين ونتنياهو. وبات من الثابت، بعد أسبوعين من التدخل الروسي في سورية، أن بقاء الأسد من عدمه ليس شاغل روسيا التي تتصرف من وحي مصالحها وحساباتها، كدولة عظمى، ثم هي على قناعة بأن إسرائيل وحدها قادرة على لخبطة حساباتها في سورية.
وغني عن القول أن التعاطي الروسي مع الملف السوري سيعتمد، في المقام الأول، على “همروجة” محاربة الإرهاب، وهذا ما سيسهل تحالف الروس مع الأطراف التي تتبنى نظرة اعتبار الأطراف الإسلامية في سورية إرهابية. وإلى جانب نتنياهو، سيجد الروس إلى طرفهم في المقام الأول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.
وإزاء تداخل الأدوار وتشابك المصالح، يجدر رصد الوضع الإيراني، فطهران سلمت بالتدخل الروسي في سورية، لكنها لم تستسلم في صورة تامة، وهي تقاتل حتى الآن في الميدان، لأنها تريد تثبيت حصتها من التركة السورية، وقد تبين، أخيراً، أن هذه الحصة ترتكز على تأمين مساحة سورية لصيقة بلبنان، من أجل استمرار نفوذها، وحماية حليفها حزب الله. وهناك قناعة لدى طهران أن وزنها في المعادلة يتيح لها ذلك، لكنها بحاجة إلى طرفٍ يرسم حدود التفاهم بينها وبين إسرائيل. ولذلك، عملت بحنكةٍ لاستدراج الدب الروسي إلى الكرم السوري، على أمل الحصول على حصتها من العنب، مات الناطور أم بقي حياً.
بشير البكر
صحيفة العربي الجديد