يسعى رجل الدين العراقي مقتدى الصدر لترجمة انتصاره الانتخابي على أرض الواقع من خلال تولي قيادة دفة العملية السياسية دون شريك من البيت الشيعي. ويقول متابعون إن جميع المؤشرات توحي بأن الصدر لا يزال يعاند الرغبة الإيرانية في حكومة توافقية ويصر على خيار حكومة أغلبية.
بغداد – قال خطيب جمعة التيار الصدري حسين الأسدي إن الكتلة الصدرية تسعى لتأسيس حكومة “أغلبية وطنية” تتمتع باستقلالية وترفض منطق التبعية، في موقف يعكس فشل التحركات الإيرانية حتى الآن في الجمع بين الإطار التنسيقي الذي يضم الفصائل الموالية لها، والتيار الصدري المتصدر لنتائج الانتخابات التشريعية.
واعتبر الأسدي خلال خطبة صلاة الجمعة في مدينة الصدر أن “الدولة بالمفهوم الحديث هي كيان سياسي مع حكومة مركزية تحافظ على الاستخدام الشرعي للقوة، وتحقق التنمية والارتقاء بالشعب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي”.
وأضاف “وحتى تكون الدولة قادرة على أداء وظائفها الأساسية لا بد أن تتوفر على عدة مرتكزات: المرتكز الأول هو السيادة ومعناها أن الدولة لا تخضع لسلطة أعلى منها من الداخل أو الخارج، والمرتكز الثاني أن يقوم النظام السياسي في الدولة بوظيفته وهي التوزيع العادل للحقوق والامتيازات والموارد على المجتمع”.
وأوضح الأسدي “إذا كانت سيادة الدولة تحت تأثير دول أخرى وتدخلات في الشؤون الداخلية، فإن هذا سيؤدي إلى ارتباكها في أداء دورها الوطني وسيجعل الدولة في مهب رياح الفوضى والاضطراب، وهكذا ستؤدي السيادة المنقوصة إلى خلل كبير في وظيفة النظام السياسي، من ذلك مثلا تكون معايير توزيع الحقوق والموارد على أساس الطائفة أو العرق، مما يعني نشوء نظام المحاصصة، وهو نظام ظالم يقوم على السرقة والفساد”.
وعكست خطبة الأسدي وتكراره لمفردة “السيادة” في أكثر من مرة موقفا رافضا للتدخلات الإيرانية فيما بعد الانتخابات وسعي طهران لفرض أجندتها بتشكيل حكومة محاصصة تضمن للميليشيات الموالية لها استمرارية في السلطة السياسية.
وتصدّر التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر الماضي بواقع 73 مقعدا برلمانيا، فيما حصدت حركة تقدم السنية 38 مقعدا، ونال المستقلون 38 مقعدا، وحقق ائتلاف دولة القانون نتائج مهمة بحصوله على 35 مقعدا، وتحصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 33 مقعدا.
في المقابل مني تحالف الفتح، المظلة السياسية للميليشيات الموالية لإيران، بهزيمة قاسية بحصوله على 15 مقعدا بعد أن كان في المرتبة الثانية في الانتخابات السابقة التي جرت في العام 2018.
ويراهن تحالف الفتح على الجهود الدبلوماسية لداعمته إيران لتدارك وطأة الهزيمة والبقاء ضمن المشهد، بيد أن الأمور لا تسير وفق ما يريد، في ظل إصرار التيار الصدري على أن يكون اللاعب الرئيسي الناظم للعملية السياسية.
ويرى مراقبون أن التيار الصدري يبدو اليوم في موقف أكثر قوة على الصعيد الداخلي، خصوصا بعد تأكيد المفوضية العليا للانتخابات تطابق عملية الفرز اليدوي مع الفرز الإلكتروني في ملف الطعون، وتصريحات المجلس الأعلى للقضاء مؤخرا بعدم تسجيل أدلة قانونية على تزوير حصل في الاستحقاق، مثلما تزعم الفصائل.
ويشير المراقبون إلى أن الصدر يعتبر أن الوقت حان لأن يكون “مايسترو” العملية السياسية بلا منازع، ويراهن في ذلك على إقناع بعض القوى الكردية والسنية بدعمه، على غرار كتلة تقدم السنية والحزب الديمقراطي الكردستاني اللذيْن سبق أن أجريا لقاءات تمهيدية معه.
ويبدي الثنائي تأنيا في السير مع الصدر، حيث لا يريدان أن يكونا في مواجهة ردود فعل إيران والفصائل الموالية لها، وسبق أن حذرت طهران كليهما من مغبة المشاركة في عزل الفصائل الموالية لها.
ويقول المراقبون إن الثنائي سيجد نفسه، بعد إعلان المفوضية العليا للانتخابات عن النتائج النهائية التي يتوقع أن تكون متقاربة إلى حد بعيد مع النتائج الأولية، مضطرا إلى حسم موقفه لجهة التحالف مع الصدر، وهذا سيعني سحب البساط كليا من إيران وفصائلها، لافتين إلى أن الأمر يبقى مرتبطا أيضا بمدى صلابة الصدر في مواجهة الضغوط الإيرانية.
وأوضح حسين الأسدي أن “سيادة البلد الناقصة ونظام المحاصصة كلاهما لا ينسجمان مع طبيعة الدولة، ولا يتناغمان مع العيش الكريم والكرامة والاستقرار للشعب، وإنما يتناغمان مع الفساد والفوضى والخراب والانتكاسة الحضارية”، مشيراً إلى أن “الذي يتلاءم وينسجم مع مطلب الشعب العراقي في العيش الكريم هو السيادة التامة وعدم التبعية للشرق والغرب، وقيام نظام سياسي منتخب على أساس المعايير الوطنية لا المحاصصة الطائفية والعرقية”.
ولفت إلى أنه بعد انتهاء الانتخابات وظهور النتائج بفوز الكتلة الصدرية أصبح سعيها لـ”تأسيس حكومة أغلبية وطنية، تتمتع باستقلالها وعدم تبعيتها وتأخذ على عاتقها إعادة توزيع الحقوق والموارد على الشعب العراقي توزیعاً عادلاً يستهدف نهوضاً في العمران والصناعة والزراعة وكفاحاً ضد الفقر والجهل والبطالة”.
وأضاف “العراق اليوم على أعتاب فرصة ذهبية لتحقيق استقراره وتنميته، نتمنى أن لا تضيع بسبب الأجندات والاتجاهات التي ترى في السياسة افتراساً للثروات واغتناماً للحقوق والموارد، ونتمنى أن يتناسى الشعب مشاكله البيئية وأن يقف مناصراً وداعماً لهذا المشروع الوطني”.
واحتشد الجمعة الآلاف من أتباع الفصائل الخاسرة في الانتخابات، ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها “سنعيد الحق لأهله”، و”متظاهرون لاسترداد أصواتنا التي سرقها المزورون”.
وشوهدت أعلام الحشد الشعبي ورايات للعشائر العراقية وهتافات رافضةِ لنتائج الانتخابات.
ودخلت موجة اعتصامات أنصار الأحزاب والكتل الخاسرة في الانتخابات البرلمانية عند بوابة المنطقة الخضراء أسبوعها الرابع، ونصب المتظاهرون العشرات من خيام الاعتصامات التي أدت إلى قطع عدد من الشوارع وتضييق السير في أخرى.
ويخشى من أن تقدم الفصائل الموالية على جر الشارع نحو مربع العنف بغاية خلط الأوراق، وهذا الأمر قد يقود العراق إلى منزلقات خطيرة تعصف بما تبقى من الدولة.
ومن المنتظر أن تنهي الهيئة القضائية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق عملية الرد على نتائج الطعون والشكوى بحضور مراقبين دوليين ومحليين، والتي شملت مراكز انتخابية في 15 محافظة عراقية.
العرب