عدن- أكد بيان صادر عن المقاومة المشتركة في الساحل الغربي لليمن إعادة انتشار تلك القوات في مناطق التماس مع الحوثيين ومناطق متفرقة من الحديدة، وعزا ذلك إلى أنه جاء تنفيذا لاتفاق السويد الموقع بين الحكومة اليمنية والحوثيين في أواخر العام 2018، في وقت تتحدث فيه مصادر “العرب” عن أن الانسحاب هدفه التفرغ للمساعدة في حماية مناطق استراتيجية أخرى مثل شبوة ومأرب.
وأثارت هذه الانسحابات المفاجئة جدلا في الساحل اليمني، وخصوصا مع إعلان الحكومة اليمنية أنها لم تكن على علم بهذا الانسحاب أو طرفا فيه، وسرعة وضع الحوثيين لأيديهم على المناطق التي تم الانسحاب منها دون موقف أو تفسير من أيّ جهة بما في ذلك الأمم المتحدة راعية اتفاق السويد.
وكشفت مصادر خاصة لـ”لعرب” عن ارتباط تلك الانسحابات بتحولات قادمة في تكتيك الحرب في اليمن على أسس أكثر واقعية، وإسناد جبهات استراتيجية أخرى معرضة لخطر الاجتياح الحوثي وفي مقدمتها محافظة شبوة التي سيطر الحوثيون على ثلاث مديريات منها دون مقاومة تذكر مع بروز مؤشرات على اعتزام الحوثيين إكمال السيطرة عليها وتحويلها إلى بوابة لإعادة اجتياح المحافظات الجنوبية المحررة.
الحكومة اليمنية نفت معرفتها بخطط الانسحاب التي تمت في الحديدة، ووصف الفريق الحكومي ما يجري في الساحل الغربي بأنه يتم دون أيّ تنسيق مسبق معه
ولفتت المصادر إلى أن الانسحابات التي تمت في الحديدة ستساهم في تخفيف الضغط عن قوات المقاومة المشتركة وستعيد رسم خط المواجهات بما يعزز من قدرات تلك القوات الدفاعية ويجعلها أكثر فاعلية في الدفاع وكذلك تنفيذ هجمات جديدة بعد أن تخلصت من حالة الاشتباك التي كانت تشكل كماشة لتقييد حركة تلك القوات واستنزافها في مناطق عديمة الجدوى من الناحيتين العسكرية والاستراتيجية.
وأكدت المصادر أن القوة الضاربة في الساحل الغربي لليمن وخصوصا قوات العمالقة الجنوبية بعد تحررها من حالة توازن الرعب التكتيكي، ستصبح أكثر فاعلية، ويمكن أن تشارك في إسناد جبهات أخرى في شبوة ومأرب بعد التحول الذي طرأ في خطوط التماس مع الحوثيين في الحديدة وتغيير قواعد الاشتباك بعيدا عن المناطق المكتظة بالمدنيين.
وفي أول توضيح حول حيثيات وأسباب الانسحاب الذي مكن الحوثيين من إعادة السيطرة على مدينة الحديدة ومدن الدريهمي والتحيتا ومناطق أخرى جنوب محافظة الحديدة، قال بيان صادر عن القوات المشتركة في الساحل الغربي إن هذه الانسحابات تمت تنفيذا “لقرار إخلاء المناطق المحكومة باتفاق (السويد)، لكون تلك المناطق محكومة باتفاق دولي يبقيها مناطق منزوعة السلاح وآمنة للمدنيين الذين وُقِّع اتفاق (السويد)؛ بحجة حمايتهم وتأمينهم”.
واعتبر البيان أن ما وصفه بقرار إعادة الانتشار “جزء من المعركة الوطنية”، مشيرا إلى أن هذا القرار المثير للجدل جاء “في ضوء خطة إعادة الانتشار المحددة في اتفاق (ستوكهولم)؛ الذي تتمسك الحكومة الشرعية بتنفيذه، بالرغم من انتهاكات ميليشيات الحوثي الاتفاق من اليوم التالي لتوقيعه”.
وألقى البيان باللوم على الحكومة اليمنية التي قال إنها ظلت متشبثة باتفاق السويد “ولم تعطِ القوات المشتركة الضوء الأخضر لتحرير مدينة الحديدة، وحرمانها من تحقيق هدف استراتيجي لليمن والأمن القومي العربي، كان من شأنه أن يسرّع من إنهاء الميليشيات الحوثية”.
محمود الطاهر: لا يمكن أن نتهم القوات المشتركة بالخيانة
وألمح البيان إلى أن قرار الانسحاب جاء في شق منه لدعم الجبهات الأخرى، بعد قرار إعادة الانتشار في الحديدة.
وأضاف “لقد رأت القوات المشتركة خطأ بقائها محاصرة في متارس دفاعية ممنوع عليها الحرب، بقرار دولي، فيما الجبهات المختلفة تتطلب دعمًا بكلِّ الأشكال؛ ومنها: فتح جبهات أخرى توقف الحوثيين عند حدهم، وتؤكِّد للمواطن اليمني والعربي؛ الذي يعيش معنا معاركنا القومية، أن اليمنيين لن يدخروا جهدًا في إعادة ترتيب صفوفهم ومعاركهم للقتال (صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص)؛ في كلِّ جبهة واتجاه. وعليه، فقد بدأت تنفيذ خطتها التي تحدد خطوطًا دفاعية، تؤمِّن معركة الساحل وتبقي (تهامة) على أهبة الاستعداد لأيّ تطورات قد تطرأ في جبهات القتال ضد الحوثي”.
وكانت مصادر خاصة بـ”العرب” أكدت الجمعة مغادرة بعض الوحدات العسكرية التابعة للمقاومة المشتركة مناطق على خطوط التماس مع الحوثيين في سياق تفاهمات أشرفت عليها الأمم المتحدة وبِعْثتها المتواجدة في الحديدة، والتي تأتي في إطار مساع أممية ودولية لمنع انهيار الهدنة في الحديدة التي تمت بموجب اتفاق السويد الموقّع بين الحكومة اليمنية والحوثيين أواخر عام 2018.
وفي أول تعليق على الانسحاب الأحادي الذي نفذته قوات المقاومة المشتركة في الحديدة، نفت بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها)، علمها المسبق بتلك التحركات العسكرية، مشيرة إلى أنها تقوم “بالتنسيق ما بين الأطراف للتوصل إلى الحقائق وتدعو لضمان أمن المواطنين وسلامتهم في مناطق تغير خطوط التماس. والتقارير التي تشير إلى وقوع ضحايا من المدنيين جراء الضربة الجوية في التحيتا تثير القلق”.
وجاءت الانسحابات من الساحل الغربي بالتزامن مع أنباء حول انسحابات وإعادة انتشار نفذتها قوات التحالف العربي في محافظات عدن وشبوة والمهرة.
من جهتها، نفت الحكومة اليمنية معرفتها بخطط الانسحاب التي تمت في الحديدة، ووصف الفريق الحكومي بلجنة تنسيق إعادة الانتشار ما يجري في الساحل الغربي بأنه يتم دون معرفة الفريق الحكومي ودون أيّ تنسيق مسبق معه.
وأوضح الفريق في بيان صحافي نشرته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية “إن إجراءات إعادة الانتشار يفترض أن تتم كما هو المعتاد بالتنسيق والتفاهم مع بعثة الأمم المتحدة (أونمها) في الحديدة عبر الفريق الحكومي والتي لم تكن في الصورة كما أشار الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة”.
وفي تصريح لـ”العرب” حول خلفيات عملية إعادة الانتشار المفاجئة التي قامت بها قوات المقاومة المشتركة، أشار الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر إلى أن “الأمور لا تبدو واضحة فيما يحصل في الحديدة، ولكن من خلال البيان يبدو أن هناك حنقًا شديدًا من قبل القوات المشتركة وبالتحديد ألوية العمالقة مما حصل في مأرب وشبوة، وكذلك رفض الحكومة اليمنية من تحريك جبهة الساحل الغربي”.
الانسحابات التي تمت في الحديدة ستساهم في تخفيف الضغط عن قوات المقاومة المشتركة وستعيد رسم خط المواجهات بما يعزز من قدرات تلك القوات الدفاعية
وحول الاتهامات التي توجّه للعميد طارق صالح وتحمّله المسؤولية في سيطرة الحوثيين على مناطق جديدة في الحديدة، أضاف الطاهر “خلال الأشهر الماضية رأينا تحركًا من قبل المقاومة الوطنية نحو جبهات مشتعلة وأعاد تموضع قوات في المخا حتى الوازعية، بمعنى أنه لم يعد متواجدًا في الحديدة أصلًا، ولا علاقة له بهذا الانسحاب وأعتقد أيضًا أن البيان لم يكن صريحًا للأسف الشديد، ولم يتحدث عن موقع القوات المشتركة من تقدم الحوثي، وهو ما يشير إلى أن هناك موقفا نهائيا من ألوية العمالقة وهو الابتعاد عن مناطق الخاملة إلى الأبد، ولا توجد إمكانية للعودة إلا في حال منحت لهم الحكومة الضوء الأخضر”.
وتابع “لا يمكن أن نلوم أحدا من أطراف القوات المشتركة، ونتهم بأن هناك خيانة، لأن الحوثي ينتظر مثل هذا، بهدف ضرب معنويات الشعب وإضعاف جبهة الساحل، ولكن ما نقدر على قوله إن هناك إعادة ترتيب للمعركة بشكل كامل، القوات المشتركة قادرة على الوصول إلى محافظة صنعاء، لكن إن سمح لها، ومنحت الضوء الأخضر لتحرير الحديدة، وهذا وقته، لاسيما وأن اتفاق ستوكهولم سقط بل انتهى مع دخول الحوثي إلى التحيتا”.
العرب