يشكل تسجيل أعلى معدل تضخم أميركي منذ 3 عقود تحديا كبيرا للرئيس جو بايدن في سعيه إلى الدفع بركيزة أخرى من أجندته الاقتصادية.
ولم تعرف الولايات المتحدة هذه النسب المرتفعة من التضخم خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إذ ارتفعت نسبة التضخم خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي بنسبة 6.2% مقارنة مع معدلات الشهر نفسه العام الماضي، أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وبحسب بيان لمكتب بيانات العمل، فإن أسعار الغذاء والطاقة شهدت قفزة هي الأكبر كذلك، إذ بلغت نسبة التضخم بالنسبة للمواد الأخرى التي تشمل السيارات والعقارات والخدمات والنقل وغيرها 4.6%.
أسباب حقيقية
لا يوجد سبب واحد وراء ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة، لكن أغلب الخبراء الاقتصاديين يرون أن ضخامة الإنفاق الحكومي الذي يتخطى أكثر من 4 تريليونات دولار حتى الآن منذ بدء جائحة كوفيد-19 هو السبب المباشر في التضخم وزيادة الأسعار.
ويرجع بعض الخبراء أسباب ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع أسعار البنزين والغاز الطبيعي محليا وسط ارتفاع الطلب العالمي، في وقت قررت فيه إدارة بايدن خفض الإنتاج الأميركي، وهو ما يؤثر على أسعار بقية السلع والخدمات.
ويتهم الجمهوريون بايدن بإضعاف صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، في وقت يتوسل فيه اليوم إلى منتجي النفط في “أوبك بلس” (+Opec) لإنتاج وتوفير المزيد من النفط.
وأوقفت إدارة بايدن جميع عمليات الحفر في الأراضي المملوكة للحكومة الفدرالية، وتدرس إذا ما كانت ستوقف خط أنابيب نقل النفط من كندا إلى ولايات الوسط الأميركية.
ثم هناك بنك الاحتياطي الفدرالي، الذي لا يزال يدير سياسة نقدية طارئة بعد 19 شهرا من التعافي الاقتصادي. وشجع جيروم باول رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي على حزم الإنفاق الحكومي الضخمة، وتوقع أن يرتفع معدل التضخم إلى 2% فقط، لكنه وصل لأكثر من 3 أضعاف في وقت يبقي البنك فيه على نسب فائدة ثابتة عند الصفر منذ أكثر من عام ونصف العام.
مع إلقاء المعلقين بالمسؤولية عن تلك الارتفاعات على سياسيات الرئيس جو بايدن الاقتصادية والمالية، سارع بايدن بالرد بالقول إن مواجهة ارتفاع نسبة التضخم في الولايات المتحدة هي أولويته القصوى.
وأصدر بايدن تعليمات إلى المجلس الوطني الاقتصادي للعمل على خفض الأسعار بما فيها أسعار الطاقة، كما أصدر تعليماته إلى لجنة التجارة الفدرالية للتصدي لأي تلاعب في الأسعار.
وأشار بايدن إلى أن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية يرتبط بالتأخير الذي تعاني منه سلسلة التوريد العالمية والذي تسبب في نقص كبير للمواد الاستهلاكية في الأسواق.
ويرى بايدن أن مشروع قانون البنية التحتية الذي أقره الكونغرس مؤخرا سيساعد على تخفيف اختناقات النقل، وأن خطة الإنفاق الاجتماعي المطروحة من شأنها أن تخفض التكاليف المعيشية على أغلب العائلات الأميركية.
تأثيرات وتوقعات
يقول الجمهوريون إن خطط بايدن لزيادة الإنفاق التي تصل لأكثر من 3 تريليونات دولار ستؤدي إلى مزيد من الزيادات في الأسعار، في حين يقول الديمقراطيون إنه سيساعد الأسر على خفض التكاليف المعيشية.
وقد زاد العديد من أرباب العمل أجورهم من أجل اجتذاب المزيد من العمال. ولكن سرعان ما تآكلت الرواتب المتزايدة بسبب ارتفاع تكلفة الغاز والبقالة.
وتتوقع وزارة الطاقة أن فواتير التدفئة ستكون أعلى بنسبة تصل إلى 54% هذا الشتاء مقارنة بالشتاء الماضي نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة وانخفاض درجات الحرارة إلى حد ما.
وأشار ت صحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) إلى ارتفاع قياسي في أعداد الأميركيين الذين تركوا وظائفهم، إذ وصلت إلى 4.4 ملايين شخص خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي. ويرجع ذلك إلى صعوبة العثور على رعاية لأطفالهم، وتحسين الأجور في أماكن أخرى، إضافة إلى تداعيات السخاء الحكومي في تقديم مساعدات مالية للأميركيين عقب إغلاقات كوفيد-19.
التضخم وخطط بايدن
وقد أدى نشر أنباء ارتفاع نسب التضخم الأربعاء الماضي إلى انتقادات جديدة من الجمهوريين لخطة الإنفاق الاجتماعي والمناخي التي تبلغ قيمتها تريليوني دولار ويعتزم الديمقراطيون في مجلس النواب التصويت عليها الأسبوع القادم، ومن ثم إرسالها إلى مجلس الشيوخ.
وتبقى معضلة الديمقراطيين ممثلة في موقف السيناتور من ولاية فرجينيا الغربية جو مانشين الذي انتقد مشروع قانون الإنفاق الاجتماعي والمناخ؛ إذ يخشى من تأثير تمرير هذه الحزمة الضخمة على ارتفاع الأسعار على المواطنين. وغرد مانشين منتقدا سياسة بايدن وما دفعت إليه من زيادة الأسعار.
الرابحون والخاسرون
يتطلع الجمهوريون إلى اغتنام أنباء ارتفاع نسب التضخم قبل انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، مع خطط لاستهداف المرشحين الديمقراطيين عن طريق ربط التضخم بأجندة الرئيس بايدن. ويرى كثير من المراقبين أن الناخبين سيحاسبون الديمقراطيين على التسبب في أزمة التضخم وارتفاع الأسعار بسبب الإنفاق المفرط وعدم قدرتهم على إدارة أزمة اضطراب سلسلة الإمدادات قبل مواسم “بلاك فرايداي” (الجمعة السوداء) وأعياد الميلاد والعام الجديد.
وغرد السيناتور الجمهوري كيفين كريمر من ولاية داكوتا الشمالية يقول إن “هذا التضخم حقيقي، وليس عابرا مؤقتا. إن ارتفاع الأسعار كبير ونتج عن السياسات الاقتصادية السيئة لإدارة بايدن”.
ومثلت نتائج انتخابات ولاية فرجينيا -حيث حقق الجمهوريون فوزا كبيرا غير متوقع- نذير خطر للحزب الديمقراطي وسياسات الرئيس جو بايدن قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام المقبل.
وتدفع الزيادة في الأسعار التي تعكس تناقص القوة الشرائية للأميركيين إلى انخفاض نسبة تأييد الرئيس بايدن. وأظهر استطلاع حديث للرأي أجرته جامعة “مونموث” أن 65% من الأميركيين يؤيدون مشروع قانون البنية التحتية و62% يؤيدون خطة إنفاق الديمقراطيين.
إلا أن الاستطلاع نفسه أظهر أن 42% فقط من الأميركيين يوافقون على أداء بايدن الوظيفي، في حين لا يوافق 50% من الأميركيين على سياساته الاقتصادية.
من جانبهم، يأمل الديمقراطيون انخفاض نسب التضخم خلال الأشهر القادمة، خاصة مع بدء انحسار انتشار فيروس كورونا داخل الولايات المتحدة.
المصدر : الجزيرة