شمال سوريا- يحاول أشرف الحلبي تحقيق التناسب بين راتبه الشهري وأسعار كسوة الشتاء من المعاطف لأطفاله الثلاثة، لكنه يفشل في تحقيق هذه المعادلة المستحيلة، بعد اكتشاف الهوة الكبيرة بين مرتبه الشهري وأسعار السوق.
والحلبي (اسم مستعار) موظف حكومي في مديرية التربية بمدينة حلب منذ 15 عاما ويتقاضى اليوم 90 ألف ليرة سورية (ما يقارب 30 دولارا أميركيا)، حيث اكتشف أن راتبه بالكاد يكفي لشراء معطفين من الجودة المتوسطة، وسيضطر إلى الاستدانة لتأمين مصاريف عائلته في حال شرائه المعاطف.
يقول الحلبي (48 عاما) في حديث للجزيرة نت إنه يعتزم اللجوء إلى سوق البالة لشراء معاطف أطفاله الشتوية، بعد قيامه بجولة في أسواق المدينة، مشيرا إلى أن اقتناء الملابس الجديدة أصبح من أشكال الرفاهية في مناطق سيطرة النظام السوري.
ويؤكد الموظف الحكومي أن أغلب الأهالي في المدينة باتوا يشترون كسوة الشتاء من أسواق البالة، على عكس ملابس الصيف، مضيفا أن أسعارها تناسب دخله إلى حد ما، رغم عناء البحث عن المقاسات المناسبة لأطفاله.
تشهد أسواق الملابس الجاهزة في مناطق سيطرة النظام السوري ركودا كبيرا على وقع الأزمات الاقتصادية وغلاء الأسعار الكبير، ويعاني السكان من ضعف القدرة الشرائية بعد فقدان الليرة السورية قيمتها أمام الدولار الأميركي.
وتبدو أسواق الملابس بمدينة حلب -التي توصف بأنها عاصمة الاقتصاد السوري- شبه خالية من الزبائن، حيث إن معظمهم يذهبون للسؤال عن الأسعار والتجول في السوق.
ولا ينكر الإعلام الحكومي التابع للنظام السوري أزمة غلاء الملابس الجاهزة، إذ قالت صحيفة “الثورة” إن أسعار الملابس الشتوية هذا العام مرتفعة جدا مقارنة بالعام الفائت، حيث بلغ سعر “الجاكيت” الشتوي 50 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل راتب موظف في شهر كامل.
وأضافت أن ارتفاع أسعار الملابس أصبح “شبه جنوني” هذا العام، فمحلات بيع الألبسة شبه فارغة بسبب ارتفاع الأسعار، وضعف القدرة الشرائية عند المواطنين، مشيرة إلى أن أغلبهم لا يستطيعون اقتناء الملابس، باستثناء بعض الشرائح وأصحاب الدخل المرتفع، لتتحول المحلات “للفرجة” فقط، من دون الاقتراب منها للشراء.
ويعزو المسؤولون في حكومة النظام السوري غلاء أسعار الملابس إلى ارتفاع سعر الصرف أمام الليرة السورية، وتضاعف أسعار الوقود اللازم لتشغيل الورش والمصانع.
رئيس قطاع النسيج في غرفة صناعة دمشق مهند دعدوش قال -في تصريحات إعلامية- إن أسعار الملابس هذا الشتاء سترتفع 3 أضعافـ عازيا ذلك إلى ارتفاع سعر المحروقات وانخفاض قيمة الليرة المستمر.
وحسب دعدوش، فإن “قطاع النسيج يعد الأكثر تضررا من أي ارتفاع لسعر الصرف أو أي زيادة على أسعار المحروقات، لأن 70% من تكاليف إنتاج المصابغ النسيجية يعتمد على المازوت والفيول”.
الفقر المدقع
بينما يعجز من تبقى في مناطق سيطرة النظام السوري على شراء المعاطف الشتوية، فإن أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر أكثر من 90% من إجمالي عدد سكان البلاد، وفق وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث.
ويرى المحلل الاقتصادي السوري يونس الكريم أن الحالة المعيشية للسكان في مناطق سيطرة النظام تزداد تدهورا يوما بعد آخر، وأصبحت تنتقل من خط الفقر إلى الفقر المدقع، مما يستدعي مساعدات عاجلة للمدنيين.
وقال الكريم في حديث للجزيرة نت إن الوضع الاقتصادي الراهن في مناطق سيطرة النظام يشبه تماما ما كان يحدث عام 1986 بسوريا، عندما كان المدنيون يجبرون على الوقوف في الطوابير لشراء أبسط السلع والاحتياجات اليومية.
وعن الحلول المقترحة لتدارك الانهيار، رأى المحلل الاقتصادي أن أبرزها: الحل السياسي، وإعادة الإعمار، وإلغاء المرسوم التشريعي رقم 3، الذي صدر عام 2020 وقيّد التعامل بالدولار الأميركي، إضافة إلى السماح بالاستيراد لتصنيع الألبسة وعدم احتكارها بيد أشخاص معينين.
المصدر : الجزيرة