الرياض- أعاد إعلان السعودية منح جنسيتها لأجانب، تحت مسوّغ استقطاب الكفاءات والموهوبين، الجدل بشأن الخطوات السعودية، والخليجية عموما، لأجل تسوية أوضاع السكان عديمي الجنسية (البدون بالتسمية الشائعة)، وهي مشكلة مزمنة مسّت من صورة دول المنطقة وسجلّها في مجال حقوق الإنسان.
وقالت أوساط سياسية خليجية إن الخطوة السعودية بمنح الجنسية لكفاءات علمية ولشخصيات ناشطة في المجال الديني سيشجع ولا شك الدعوات التي تطالب بتسوية أوضاع مواطنين سعوديين من درجة ثانية استقروا في المملكة قبل عقود وما يزال ينظر إليهم رسميا على أنهم يمثلون خطرا على التوازنات الداخلية بسبب أصولهم القبلية أو الطائفية.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن إبقاء الملف مفتوحا يظهر أن السعودية، وبعض الدول الخليجية المترددة في تسوية هذا الملف، ما تزال تقيّم مواطنيها بعقلية القبيلة وأصولها وليس بعقلية المواطنة التي تساوي بين من ينتمون إلى البلاد بقطع النظر عن تفاصيل الهوية القبلية أو الدينية.
ولفتت إلى أن الإصلاحات الاجتماعية التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يمكن أن توفر فرصة ثمينة لإغلاق ملف السكان عديمي الجنسية بما يتماشى مع صورة السعودية الجديدة الساعية لتطوير قوانينها بما يتماشى مع معايير حقوق الإنسان من ذلك القوانين الخاصة بالمرأة والقضاء.
ووفقا لوسائل إعلام محلية تضم المجموعة التي تم تجنيسها للتوّ رجال دين دعّموا بعض مبادرات العاهل السعوي الملك سلمان بن عبدالعزيز بشأن التسامح الديني وخبراء ماليين وأطباء وأكاديميين متخصصين في الهندسة والكيمياء والاتصالات.
وفيما تتجنب المملكة تحريك ملف البدون، فإن دولا مثل الإمارات وقطر تعمل بشكل متزايد على تجنيس السكان عديمي الجنسية مما يخلق سابقة على مستوى المنطقة ستحرج السعودية والكويت اللتين يوجد بهما رأي عام محلي غير متحمس لفتح ملف الجنسية.
وقال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال خطاب ألقاه في السادس والعشرين من أكتوبر الماضي إن بلاده ستعدل قريبا قوانين الجنسية لتشمل السكان عديمي الجنسية مثل أفراد قبيلة آل مرة. جاء ذلك بعد انتقادات من الداخل والخارج لأجل استبعادهم من التصويت في الانتخابات التشريعية الأخيرة والامتناع عن منحهم جوازات سفر قطرية.
ويعدّ البدون في الخليج العربي في الغالب من نسل البدو الصحراويين الذين فشلوا في التسجيل كمواطنين عندما بدأت بلدان المنطقة في الحصول على استقلالها، ولأنهم ينتمون إلى قبائل عابرة للحدود.
ويقدر عدد البدون الذين يعيشون في جميع أنحاء الخليج العربي بما بين 170 و350 ألف شخص، ويقيم معظمهم في الكويت والسعودية. لكن لا يمكن الحصول على أرقام دقيقة بسبب غياب إحصائيات رسمية واضحة لأعدادهم.
ورفضت دول الخليج العربي على مدى عقود منح هؤلاء السكان الجنسية من أجل الحفاظ على التوازنات القبلية أو الطائفية داخل حدودها. ولطالما شككت الحكومات المضيفة في الولاءات الوطنية للبدون الذين يعيشون داخل حدودها.
ويعتقد متابعون للشأن الخليجي أن فتح ملف التجنيس بشكل علني في السعودية وبقية دول الخليج في سياق استقطاب الكفاءات يمكن أن يوفر مناخا للنقاش السياسي والمجتمعي حول توسيع هذا التوجه ليطال ملف البدون، وأن فرصة ثمينة للجهات الرسمية لتستمع إلى مطالب هؤلاء وخاصة لتقف على حجم المعاناة التي تلاقيها الأجيال الجديدة منهم بسبب قضية الهوية.
ويضيف هؤلاء المتابعون أن مشكلة البدون لم تعد قضية اجتماعية محلية يمكن حجبها عن الأضواء، فقد باتت ورقة ضغط حقيقية على الدول الخليجية في علاقتها بملف حقوق الإنسان واختبار مصداقية الإصلاحات التي تتبناها هذه الدول وخاصة السعودية.
وتعمل دول الخليج العربي على تخفيف متطلبات التأشيرة والجنسية لجذب الكفاءات العلمية والأثرياء كجزء من استراتيجيات التحديث الاقتصادي.
ا
وتعمل الإمارات وقطر والسعودية على تعديل متطلبات التأشيرة والجنسية لتمكين المقيمين من البقاء لفترة أطول، إن لم يكن بشكل دائم. وتقوّض هذه التغييرات الأسبقية السياسية التي حرمت البدون من الجنسية سابقا. حيث أصبحت المواطنة والإقامة الآن في متناول غير المسلمين وغير العرب.
ويمكن أن يساعد هذا التغيير السياسي والاجتماعي في تمكين البدون عديمي الجنسية من نيل القبول بصفتهم مواطنين في دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة وأنّ لديهم جذورا ثقافية ودينية مماثلة للمواطنين الأصليين.
وتقدّم الإمارات والسعودية وقطر الآن ما يسمّى بـ”التأشيرات الذهبية” الدائمة للمقيمين الذين يظهرون قيمتها الاقتصادية للبلاد، إما من خلال الاستثمارات أو شراء العقارات أو، في حالة المملكة العربية السعودية، دفع رسوم كبيرة.
وفي فبراير 2021 أصبحت الإمارات العربية المتحدة أول دولة خليجية تسمح لغير العرب وغير المسلمين بالحصول على الجنسية بفضل مواهب خاصة أو استثمارات عالية. وقد يتمكن البدون في المنطقة أيضا من التقدم بطلب للحصول على الجنسية من خلال هذا المسار، خاصة إذا كانوا مؤهلين بفعل التعليم أو الثروة.
ووافق العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز هذا الأسبوع على مرسوم بفتح المواطنة للأفراد ذوي المواهب “الاستثنائية” في الدين والطب والعلوم والثقافة والرياضة والتكنولوجيا. ولم يذكر المرسوم الاختبارات الدينية أو اللغوية، مما يشير إلى أن غير المسلمين وغير العرب الذين يمتلكون هذه المواهب قد يكونون مؤهلين الآن للحصول على الجنسية السعودية.
ويشير تقرير لمركز ستراتفور للدراسات والأبحاث الجيوسياسية الاستراتيجية أن الكويت والسعودية تتحركان بشكل أبطأ لتحرير منح الجنسية، مما يجعل تمكن البدون من الحصول على الجنسية بالسرعة نفسها التي يتمتع بها سكان قطر أو الإمارات أمرا غير مرجح.
ويضيف التقرير أنه على الرغم من الدوافع المشجعة لبرنامج التأشيرة الذهبية ومرسوم الجنسية الجديد للأشخاص ذوي المواهب الاستثنائية، فإن للسعودية عنصر جذب إلى الوراء يعيق تجنيس البدون، حيث أنها تقيس خطواتها وفقا لموقف الرأي العام المحافظ تجاه التغييرات الاجتماعية والثقافية السريعة.
ولا يستبعد التقرير أن يعترض المواطنون السعوديون العاديون من البدون، الذين يتم إبعادهم عن نظام الرعاية الاجتماعية من المهد إلى اللحد، على تجنيس مواطنين جدد سيتعين عليهم التنافس معهم على الوظائف والخدمات الحكومية.
العرب