الاتفاقات التركية – الروسية نذير شؤم على أكراد سوريا

الاتفاقات التركية – الروسية نذير شؤم على أكراد سوريا

تفيد تقارير متواترة بأن تركيا تحضّر لشنّ عملية عسكرية للاستيلاء على أراض كردية في سوريا بعد اتفاق جرى خلال لقاء جمع الرئيس الروسي بنظيره التركي، حيث يبدو أن موسكو ستغضّ الطرف عن تجاوزات أنقرة ما لم ينسحب الأكراد من مناطق محددة في شمال سوريا لصالح حليفها نظام الأسد.

دمشق – يرتكز مصير الأكراد السوريين على الصفقات الربحية بين روسيا وتركيا، ويُعرف كلا البلدين بالإضافة إلى الولايات المتحدة برصد مصالحهما السياسية في سوريا على حساب الأكراد. وسواء اتفق الجانبان أم اختلفا فإن الأكراد هم دوما الخاسر الأكبر في اللعبة.

ويمثل الأكراد نحو سبعة في المئة من عدد سكان سوريا، حيث تتراوح التقديرات غير الرسمية لأعدادهم ما بين مليون ومليوني نسمة، وبعض المصادر المقربة من الأكراد ترفع تلك التقديرات إلى نحو ثلاثة ملايين نسمة من أصل أكثر من 18 مليونا هم عدد سكان سوريا.

فكيف ستؤثر الترتيبات الأخيرة التي جرت من وراء الكواليس على أكبر أقلية عرقية في سوريا؟

وبصفتهم لاعبا صغيرا على ساحة الأحداث الكبيرة في سوريا، يحاول الأكراد الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من واشنطن وموسكو، وهم على علم بأن الولايات المتحدة قوة عالمية كبرى، وأن لروسيا نفوذًا قويًا للغاية على دمشق، ولكن المشكلة تكمن في أن الولايات المتحدة أظهرت مرارًا وتكرارًا أنها غير مستعدة للسماح بتدهور علاقاتها مع تركيا، وهي حليفتها في الناتو، بسبب الأكراد.

لهذا السبب يقول المحلل السياسي نيكولا ميكوفيتش إنه يتعين على الأكراد اللجوء إلى روسيا وبشار الأسد للحصول على حماية حقيقية.

عملية جديدة مرتقبة

نيكولا ميكوفيتش: الأكراد هم الحلقة الأضعف في المغامرة الروسية – التركية

منذ لقاء الرئيس فلاديمير بوتين بنظيره التركي رجب طيب أردوغان في منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود في سبتمبر الماضي وتركيا تحضّر لعمل عسكري في شمال سوريا، وتشير التقارير إلى أن أنقرة تخطط لتنفيذ عملية جديدة ضد الأكراد السوريين والاستيلاء على مدينة تل رفعت وكذلك مدينة عين العرب (كوباني) وهي بلدة تعرف باسم ستالينغراد الكردية. وتخضع عين العرب لسيطرة وحدات حماية الشعب التي يهيمن عليها الأكراد منذ عام 2012، وقد دخلت القوات السورية والروسية المدينة الحدودية في عام 2019 بعد توغل تركي سابق.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية تفاوض المسؤولون الأتراك والروس حول اتفاق للتعامل مع مخاوف أنقرة بشأن “وحدات حماية الشعب الكردية”، وهي منظمة تعتبرها تركيا جماعة إرهابية بسبب صلاتها بحزب العمال الكردستاني المحظور. وأفادت الأنباء أن أنقرة تفكر في ترك بعض الأجزاء الصغيرة من إدلب، وهي الأراضي السورية المتبقية التي يسيطر عليها المتمردون، للقوات الروسية مقابل دعمها لعملية في شمال سوريا.

وفي الوقت نفسه تجري قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والجيش الروسي محادثات لسحب الوحدات الكردية من المناطق المتاخمة للحدود التركية لتجنب مواجهة عسكرية مع تركيا. وبحسب التقارير يحاول الروس إقناع قوات سوريا الديمقراطية بسحب مقاتليها من شمال سوريا لمنع عملية عسكرية تركية أخرى من شأنها أن تكون لها عواقب وخيمة على الأكراد. والأمل هو أن تنتقل قوات سوريا الديمقراطية إلى الجنوب من الطريق الدولي إم – 4 الذي يبعد 32 كيلومترًا عن الحدود التركية.

ويقول المحلل السياسي الصربي في مقال لموقع سنديكيشن بيورو المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إنه من منظور عسكري بحت يبدو أن الأتراك مستعدون لشن هجوم ضد وحدات حماية الشعب الكردية، وإلى جانب مدينتي تل رفعت وعين العرب، من المحتمل أن تشمل المناطق المستهدفة الأخرى منبج غرب الفرات، وعين عيسى وتل تمر شرق النهر. وقد تم وضع الوحدات العسكرية للوكلاء الأتراك في إدلب على مستوى عال من الجاهزية القتالية.

ويتوقف بدء توغل آخر في سوريا على إجراء صفقة سياسية بين تركيا وروسيا، ومن غير المرجح أن يكون لدى صانعي السياسة في أنقرة أي مخاوف من أن الأكراد قد يكونون قادرين على مقاومة الجيش التركي. وفي الواقع، نظرًا إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في تركيا، فإن انتصارا عسكريا صغيرا في سوريا ضد الأكراد سيكون أكثر من مفيد لأردوغان. ولكن ليس من المحتمل أن تبدأ تركيا هجومًا حتى تعقد اتفاقا نهائيا مع روسيا، وتحصل على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة.

تبادل للأراضي

التقى أردوغان والرئيس الأميركي جو بايدن في روما في قمة مجموعة العشرين آواخر أكتوبر الماضي، وأكد الزعيم التركي عدم ارتياحه لدعم الولايات المتحدة لمقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا.

وفي الجانب الآخر يتهم بعض الأكراد السوريين الولايات المتحدة وروسيا بالتقاعس أمام هجوم تركي محتمل، والموقف الروسي واضح، فإذا لم ينسحب الأكراد من أماكن معينة في شمال سوريا ويسمحوا للقوات الروسية والجيش السوري بفرض سيطرة كاملة على المنطقة، فإن الكرملين سوف يغض الطرف عن الإجراءات التركية.

ويرجح ميكوفيتش أن تعقد روسيا أولاً اتفاقا مع أنقرة يتضمن “تبادلا للأراضي” يشمل الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد مقابل جزء من إدلب.

من المتوقع أن يكون الطريق السريع إم – 4 في نهاية المطاف تحت السيطرة التركية – الروسية المشتركة

وبحسب ما أوردته بعض المصادر الروسية وبعض المصادر الموالية للأسد، فإن الجيش السوري يستعد لشن هجوم على أجزاء من إدلب الواقعة تحت سيطرة القوات المدعومة من تركيا، ويبدو أن هذا الهجوم يمكن أن يتم حتى لو لم تتوصل موسكو وأنقرة إلى حل وسط بشأن الأراضي التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية.

وهناك أيضًا تقارير تفيد بأن روسيا زادت عدد الطائرات العاملة في شمال سوريا، وهو ما يمكن تفسيره على أنه رسالة لشركائها الأتراك مفادها لا تبدأوا حملة عسكرية حتى نصل إلى الاتفاق النهائي الذي يتضمن مصير الطريق السريع إم – 4، وبالنسبة إلى كل من موسكو وأنقرة، فإن هذا الطريق السريع له أهمية استراتيجية، ولهذا السبب من المتوقع أن يكون في نهاية المطاف تحت السيطرة التركية – الروسية المشتركة. وفي هذه المرحلة لا يزال إم – 4 مغلقًا ولم يتم إنشاء ممرات أمنية بعرض ستة كيلومترات في شمال وجنوب الطريق.

ومن المحتمل أن تناقش روسيا وتركيا هذه المسألة قريباً على الأرجح في ديسمبر المقبل في عاصمة كازاخستان نور سلطان. وفي غضون ذلك سنرى إذا كانت أنقرة ستحصل على الموافقة للقيام بعمل عسكري محدود في المنطقة.

وحسب المحلل الصربي هناك شيء واحد مؤكد بغض النظر عن الوضع في سوريا، وهو أن موسكو وأنقرة ستستمران في عقد الصفقات والاتفاقيات كالمعتاد، وستسود شراكتهما الخاضعة للظروف على الخلافات المتعلقة بموقف الأكراد السوريين، وهم الحلقة الأضعف في المغامرة الروسية – التركية – السورية.

العرب