نهاية طيبة – كل شيء طيب. تحرر الزوجان فكنين من السجن التركي، وعادا إلى بيتهما في ختام ثمانية أيام صادمة مرت عليهما وعلى أبناء عائلتهما. لحسن الحظ، انتهت القضية قبل أن تتمكن وسائل الإعلام الإسرائيلية من جعل -سعياً للتغطية الإعلامية- “عاصفة في فنجان” تسونامي قد يترك الزوجين في السجن لزمن طويل، بل وربما يدفع علاقات إسرائيل وتركيا إلى الانهيار.
والآن انتقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية من الاكتئاب إلى النشوى، واستبدلت التقديرات بشأن الأزمة العميقة بعلاقات البلدين بتوقعات وردية، منقطعة هي أيضاً عن الواقع، بتحسن مرتقب للعلاقات بينهما.
الحقيقة البسيطة هي أن لهذه العلاقات سقفاً زجاجياً لا يمكن، بل ومن غير المجدي محاولة تحطيمه أيضاً. تحته منظومة علاقات معقولة ومحتملة، جيدة حتى أكثر مما لإسرائيل مع دول أخرى في المنطقة. إذ متى زار سياح إسرائيليون القاهرة أو عمان بجموعهم في المرة الأخيرة؟ منظومة العلاقات هذه ينبغي حفظها وتطويرها، ولكن لا ينبغي التوقع من أننا سنتمكن من تحقيق أكثر بكثير من ذلك.
الحقيقة أن إسرائيل وتركيا أصبحتا حليفتين قريبتين في التسعينيات من القرن الماضي، وأجرتا تعاوناً حميماً، ولا سيما في مجالات الجيش والأمن. وإلى جانب ذلك، ازدهرت العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، وأصبحت تركيا مقصداً مفضلاً للسياح الإسرائيليين. غير أنه منذ صعد أردوغان إلى الحكم في أنقرة في بداية سنوات الألفين، علقت علاقات الدولتين في أزمة متواصلة وأصبحت رهينة الارتفاعات والهبوطات التي شهدتها علاقات إسرائيل والفلسطينيين، حيث إن كل حدث في الضفة والقدس أو في قطاع غزة، يدفع أردوغان للتهجم على إسرائيل، وأحياناً على حدود اللاسامية بل ويمس بمستوى تمثيلها الدبلوماسي في أنقرة وإسطنبول.
وفي الوقت نفسه، كان أردوغان حذراً من أن يتجاوز الحدود وامتنع عن المس بالعلاقات الاقتصادية بين الدولتين، التي واصلت الازدهار والتطور. وهذا بالمناسبة هو نمط متكرر في علاقات أردوغان مع دول أخرى في العالم أيضاً، وعلى رأسها الدول الأوروبية والولايات المتحدة، التي يهاجمها بحدة، ولكنه بالتوازي يحرص على ألا يمس بالعلاقات الاقتصادية معها.
وثمة ثمن لمثل هذه السياسة؛ فالاقتصاد التركي في انهيار، ومنظومة العلاقات مع الولايات المتحدة في أزمة متواصلة، وبقيت تركيا بلا أصدقاء في المنطقة. من هنا، تأتي محاولة أردوغان في إصلاح الضرر. فهو يعمل لتحسين العلاقات مع مصر الجنرال السيسي، بل ومستعد لهذا الغرض لطرد رجال الإخوان المسلمين الذين منحهم مأوى في تركيا. كما أنه مستعد لاستقبال -بتشريفات ملكية- ولي عهد الإمارات الذي أعاد قبل سنة فقط سفيره من أبو ظبي احتجاجاً على اتفاقات “إبراهيم”.
غير أن أردوغان كان ويبقى سياسياً غير متوقع، وينبغي الافتراض بأنه حين تنشب الأزمة التالية في علاقات إسرائيل والفلسطينيين، “سيقفز الأردوغان”، مرة أخرى.
لا يعني الأمر أنه ينبغي التخلي عن تركيا. فوجود الحوار بما في ذلك في مسائل الأمن الإقليمي، أفضل دوماً من القطيعة، وهناك الكثير جداً ما يمكن عمله في مجال تطوير العلاقات الاقتصادية بين الدولتين. وهناك حاجة لنكون واعين لحدود الأمر، وبالتأكيد لا معنى للتخلي مقابل الحوار مع أنقرة عن منظومات علاقات وتحالفات في مجالات الاقتصاد، والطاقة، والأمن، التي أقامتها إسرائيل مع قبرص واليونان ومصر. فلتتفضل أنقرة وتنضم كشريك مرغوب فيه في كل هذا.
بقلم: أيال زيسر
القدس العربي