أربعة أجيال في إيران: اختلاف الاتجاهات والقيم والسلوك

أربعة أجيال في إيران: اختلاف الاتجاهات والقيم والسلوك

تُعد “الفجوة بين الأجيال”(1) أحد مصاديق الانتقال من مجتمع تقليدي إلى الحداثة. وتخبرنا الوثائق التاريخية أن الاختلاف بين الأجيال(2) ليس بظاهرة حديثة؛ بل إنه كان مواكبًا للإنسان في كل العصور. نذكر في هذا الصدد عبارة وُجدت على كتيبة اكتُشفت في مدينة “أور”(3) التاريخية: “إذا سمحنا للشباب بأن يستمروا بأعمالهم، سوف تفنى حضارتنا”(4). تدل هذه العبارة على حرص الكبار في السن على تثاقف الجيل الأصغر من خلال القيم والمعتقدات المحيطة بهم؛ كما أنها تدل على تمرد الشباب على المعايير الاجتماعية والسلوك السائدة. ومن جهة أخرى، يختلف علماء الاجتماع حول ما إذا كان الاختلاف بين الأجيال يؤدي إلى التنمية أم إنه يؤدي إلى فجوة بين الأجيال تتبعها أزمة في الهوية والقيم لدى الشباب.

علميًّا، يُستخدم مصطلح “الفجوة بين الأجيال” للتعبير عن الاختلاف بين جيلين أو عدة أجيال. وورد في قاموس أكسفورد الإنجليزي (2000) التعريف التالي لهذا المصطلح: “إن الفجوة بين الأجيال هي اختلاف في الرؤية أو السلوك بين الشباب والذين هم أكبر منهم سنًّا، ويؤدي هذا الاختلاف إلى غياب التفاهم المتبادل بين الطرفين”. واعتبر قاموس ويبستر الأميركي (2004) الفجوة بين الأجيال اختلافًا واسعًا بين الأجيال على صعيد الخصال والرؤى(5).

فيما يخص المجتمع الإيراني اليوم، نشهد الاختلاف بين الجيل الجديد والأجيال السابقة على جميع المستويات. لقد شهدت إيران تغييرات هيكلية وقيمية واسعة النطاق منذ أربعين سنة حتى اليوم. أنتجت هذه العوامل الاجتماعية مفارقات تمثلت فيما يمكن تسميته بالـ”فجوة بين الأجيال”، وهي الفجوة التي أدت إلى أزمة في الهوية لدى الشباب الإيراني؛ فأصبح جيل الشباب الذي يمتلك أدوات الحداثة والمطلع على مجريات العالم الخارجي مختلفًا من حيث الرؤى والقيم عن الأجيال السابقة، لاسيما الجيل الذي نهض نهاية السبعينات من القرن الماضي وحمل عنوان “الثورة الإسلامية”، أي الجيل الأول للثورة.

تتناول هذه الورقة قضية الفجوة بين الأجيال في إيران وتحديدًا الجيلين الأخيرين مع الجيلين السابقين، وكذلك أزمة الهوية الناتجة عن وجود الفجوة -في حال تسميتها بأزمة- وأثر العولمة لدى الشباب الإيراني وتأثيرها في ذلك، كما تتناول ملامح الاختلاف بين الأجيال والعوامل الاجتماعية المؤثِّرة في هذه الظاهرة. إضافة إلى ذلك، تبحث التوجهات السياسية للجيل الجديد مقارنة بالجيل الأول للثورة، وأخيرًا التوقعات المستقبلية لظاهرة الفجوة بين الأجيال.

تصنيف الأجيال في إيران
يُمكن تقسيم المجتمع الإيراني الحالي إلى أربعة أجيال:

1- الجيل الأول: يعود تاريخ تنشئته الاجتماعية إلى سبعينات القرن العشرين وخاض “الثورة الإسلامية” والحرب الإيرانية-العراقية، وفئته العمرية 60 سنة فأكثر (جيل الثورة والحرب).

2- الجيل الثاني: يعود تاريخ تنشئته الاجتماعية إلى بعد الثورة والحرب، أي فترة حكم الرئيس الإيراني الأسبق، رفسنجاني، وهو من أسهم في حركة “الإصلاحات”، وفئته العمرية 45-59 سنة.

3- الجيل الثالث: الذي يعود تاريخ تنشئته الاجتماعية إلى دورة “الإصلاحات” وحكم الرئيس الإيراني الأسبق، أحمدي نجاد. وفئته العمرية 35-44 سنة، ويُصنَّف هذا الجيل مختلفًا من حيث الأولويات والاهتمامات وغير إيديولوجي، ويهتم بما يحدث في العالم خارج إيران، ويميل إلى الحياة غير السياسية، ويبدو أقل ميلًا إلى التدين بشكله التقليدي ويهتم بالرموز الفنية والثقافية، والهوية الإيرانية الخاصة به، ويميل إلى التفكير الواقعي والعملي في الحياة، واستعداد للتوازن والتعلم من الدول الأخرى ومن ذلك التجارب الديمقراطية.

4- الجيل الرابع: الذي نشأ في أجواء الحداثة ولا يعرف عن الثورة والحرب إلا في إطار التاريخ. وفئته ​العمرية 18-34. هذا الجيل لا يعرف شيئًا عن عهد الشاه الإيراني، محمد رضا شاه. كما أنه لا يدرك ما مرَّ به آباؤه وأجداده في الثورة والحرب، وهذه أيضًا مسألة تاريخية بالنسبة له، وتختلف قائمة الأولويات لديه عن الأجيال السابقة، وتبدو عليه تأثيرات العولمة والحداثة أكثر من أي جيل آخر.

الفجوة بين الأجيال في المجتمع الإيراني
عندما تختلف اتجاهات القيم والسلوك لدى الأجيال، تتشكَّل المناهج المتعاكسة(6). نشهد في المجتمع الإيراني اليوم اتجاهات معاكسة من حيث القيم والمعتقدات والسلوك. وبعد مرور أكثر من أربعين سنة من “الثورة الإسلامية” في إيران يلاحظ الخبراء ميل الشباب الإيراني إلى التحرر من القيود الأيديولوجية، مثل قيود الدين والتاريخ وحتى اللغة والقومية، إضافة إلى الثقافة التقليدية الحاكمة التي فرضت حضورها على الأجيال السابقة. واليوم يعاني نظام الأسرة في إيران مما يشبه القطيعة بين الأجيال(7) لاسيما بين الآباء والأبناء. وتعد هذه الظاهرة والاختلاف بين الأجيال مرحلة انتقالية من المجتمعات التقليدية إلى الحداثة.

ومع ثورة وسائل التواصل والاتصال بشبكة الإنترنت، بات من الصعب تجاهل التغيير والتأثير الذي أوجدته الأنماط الاتصالية الحديثة، وتُظهر واحدة من أحدث الإحصائيات التي نشرتها هيئة تنظيم الاتصالات، وتتعلق بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في إيران أنه مع نهاية الربع الأول من العام الإيراني 1399 ش(صيف 2020)، فإن 78 مليونًا و86 ألفًا و663 شخصًا في إيران يستخدمون الإنترنت. ومن بين هؤلاء، هناك 68 مليونًا و992 ألفا و115 مشتركًا في خدمة الإنترنت عبر الهاتف المحمول و9 ملايين و94 ألفًا و548 مشتركًا في خدمة الإنترنت الثابت.

ووفقًا للإحصاءات الصادرة عن مركز استطلاع آراء الطلاب الإيرانيين (ISPA) ، فإن أكثر من 80٪ من الشباب في إيران الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا يستخدمون الإنترنت. إن الشيء المثير للاهتمام هو أن متوسط ​​استهلاك الإنترنت بين الشباب في بلدان أخرى من العالم يبلغ 67٪. وهي مسألة لها محاسن ومساوئ بالنسبة لهذا الجيل.

وفي المجتمعات التي تخضع للتغيرات، مثل إيران، تتغير الأوضاع الاجتماعية بشكل كبير لدرجة قد لا يصبح معها الجيل السابق مثالًا يحتذي به الجيل الجديد. بعبارة أخرى، فإن كلًّا من الوالدين والأبناء أصبحوا يعيشون في عوالم مختلفة. وفي هذه الحالة، فإن انتقال الثقافة (التثاقف) من جيل إلى آخر لا يحدث بشكل كامل وكاف، والثقافة الأولى لم تستطع الاستمرار كما كانت عليه ولم تستطع تلبية احتياجات الجيل الجديد. فيضطر الجيل الجديد -بشكل لا شعوري- للجوء للتعلم من أبناء جيله من المجتمعات الأخرى، ويقتدي بهم. هذا ما نشهده بالمجتمع الإيراني والذي خلق فجوة بين الأجيال.

العولمة لدى الشباب وتبعاتها
يمكننا اختصار تعريف العولمة بالمؤشرات التالية:

1ـ انتهاء عصر الجغرافيا والقضاء على الحدود السياسية.

2ـ انتشار العوامل الإنسانية وغير الإنسانية المؤثِّرة على المستوى العالمي واجتياحها للحدود السياسية للبلدان.

3ـ التقارب الزماني والمكاني.

4ـ تشكيل مجتمع مدني عالمي أو ديمقراطية عالمية (ديفيد هلد).

5ـ ظهور العالم الافتراضي.

6ـ انفجار ثورة المعلومات والتواصل (مانويل كاستلز ومارشال مك لوهان).

7ـ انتشار المعرفة السياسية والاجتماعية التي خلَّفت انتشار الديمقراطية وقلَّلت من صلاحية الأنظمة المستبدة.

8ـ بداية عصر علم التحكم الذاتي(8).

هيمنت العولمة على المجتمع الإيراني وخضع الشباب للتثاقف تحت ظلها. يحدث التثاقف من خلال انتقال القيم، والمعتقدات والمعايير الاجتماعية إلى جيل الشباب(9). ولا يمكن تقييد هذا الانتقال وعملية التثاقف بالمجتمع المحيط، فوسائل التواصل جعلت الشباب محاطين بالعالم بأكمله. من تبعات ظاهرة العولمة الاندماج الاقتصادي والثقافي للعالم، وجعل الفجوة بين الأغنياء والفقراء أكثر عمقًا على المستوى العالمي. وتزيد العولمة من عمق الاختلاف بين الطبقات الاجتماعية والظلم وغياب العدالة، وهذه التبعات مشهودة في أرجاء المجتمع الإيراني وتعد من أسباب الفجوة.

أزمة الهوية
يعتقد بعض علماء الاجتماع في إيران، مثل: همتي ومنصور نجاد وقادري وآخرون، أن هناك ثلاثة عوامل لها التأثير الأكبر على الجيل الجديد في إيران والدور الأهم في تشكيل هويته، وهي: التغييرات الديمغرافية، والتغييرات عند الطبقة المثقفة، والعولمة(10). ولقد تزامنت هذه العوامل الثلاث عند الشباب الإيراني وتسببت بأزمة في الهوية.

من الملاحَظ أن الشباب والجيل الجديد في المجتمع الإيراني لديهم نوستالجيا خيالية بالنسبة للمجتمعات الأخرى والمجتمعات التي لا وجود لها سوى في عقولهم وينتمون إليها. بعبارة أخرى، الجيل الجديد يرى نفسه مهزومًا ومظلومًا مقارنة مع أبناء جيله في المجتمعات الأخرى، وهذا الأمر يتسبب بإيجاد مجتمع يعترض على هزائمه النفسية(11).

من الأسباب التي تمنح الفجوة بين الأجيال اهتمامًا بالغًا، ارتباط هذه الظاهرة بأزمة الهوية. يقول تاجيك: إن في المجتمع الذي يقضي مرحلة التغيير والتحول والتطور تتهيأ الأرضية لإيجاد تيارات فكرية غير أصيلة وغير ملائمة للمعايير الاجتماعية. هشاشة الخطابات وأزمة الهوية من النتائج المباشرة لهذه الظروف(12). هذا الواقع جعل الشباب الإيراني يهيم باحثًا عن خطابات متنوعة. لا شك أن هشاشة الخطابات وأزمة الهوية المشهودة من أهم أسباب الفجوة بين الأجيال في عصرنا هذا(13). وبسبب الابتعاد بين الأجيال الذي تتسبب به الفجوة، تكبر أزمة الهوية.

ملامح الاختلاف بين الأجيال في إيران
يمكن تحديد الفجوة بين الأجيال في هذه الحالات:

1ـ قلَّة الحديث والحوار والتواصل اللفظي بين الجيل المعني وبقية الأجيال.

2ـ خلل في عملية التأثير والتأثر بين الأجيال.

3ـ قلة العواطف المتبادلة والتعاطف فيما بينهم.

4ـ وعدم الالتزام والتعهد تجاه الثقافة الذاتية والتقاليد.

5ـ غياب الصبر والتحمل عند الأجيال.

6ـ غياب جيل الشباب عن المشاركات الاجتماعية.

7ـ غياب تعريف واحد للفن لدى الجيلين.

8ـ اعتماد القيم الأجنبية.

9ـ تغيير المصطلحات اليومية.

10ـ تغيير الزي وتسريحات الشعر ونوع الكلام.

11ـ تغيير المفاهيم لدى الجيل الجديد.

12ـ تغيير النماذج والمراجع التي يُقتدى بها.

13ـ عدم إطاعة الأبناء للوالدين.

يحمل الاختلاف الذي يشهده المجتمع الإيراني هذه الملامح، وهذا لأن الفجوة قوبلت بالقمع.

وفي هذه الحالة، يكون هناك اختلاف ما بين الجيل الجديد والأجيال السابقة من حيث العلم والمعرفة، وأسلوب الحياة، والمراجع التي يُقتدى بها لاتخاذ القرارات الكبرى، وأحيانًا يتحول هذا الاختلاف إلى صراع فيما بينهم. وهذا يصدق على الاختلاف بين الأجيال الذي يشهده المجتمع الإيراني.

يقول الأستاذ الجامعي، محمود مشفق: إن ملامح الفجوة بين الأجيال تختلف حسب شدة الظاهرة، وبعض نتائجها عبارة عن: الخلافات العائلية، والامتناع عن الدراسة، والهروب من المنزل، وإدمان المخدرات وما شابه(14).

العوامل الاجتماعية المؤثرة
من العوامل المؤثرة على إيجاد فجوة بين الشباب والأجيال السابقة في إيران يمكن الإشارة إلى الإذاعة والتلفزيون ومنهج التعليم والتربية والجامعات؛ ولكن إذا أدَّت هذه المكونات عملها بشكل جيد ولعبت دورها البنَّاء، يمكن للمؤانسة أن تعيد صناعة وبناء المعايير الاجتماعية وعادات وثقافة السابقين والأسبقين(15).

من العوامل الاجتماعية الأخرى، يمكن القول: إن الجيل السابق يحاول أن يصنع جيلًا مشابهًا له وينفي وجود الاختلاف بين الأجيال، وهذا الأمر يحث جيل الشباب على التمرد وبإمكانه أن يهيئ الأرضية لإيجاد فجوة بين الأجيال. كما أن صفات وخصال وأخلاق الجيل الجديد تمنح هذه الفجوة عمقًا ومساحة أكبر(16).

عند مطالعة مجتمعات العالم الثالث ومن ضمنها إيران -بالرغم من الاختلاف حول هذا التصنيف- يتبين أن التغييرات الثقافية والقيمية الناتجة عن عملية تحويل البلدان إلى بلدان صناعية وحديثة، لها الدور الأهم والأكبر في إيجاد الفجوة بين الأجيال. وكلما حدث هذا التغيير بشكل أسرع وأوسع وأعمق، كانت الفجوة بين الآباء والأبناء أكبر وكانت التعارضات ما بين الأجيال المختلفة أكثر.

ومن العوامل الاجتماعية الأخرى المسبِّبة للفجوة بين الأجيال يشير علماء الاجتماع، مثل تراوب ودادر، إلى وجود مجتمع تتمايز فيه الفئات بناء على العمر. في هذه الحال وبمرور الزمن، ستتكون معايير خاصة لكل فئة عمرية ترى نفسها الأفضل من خلالها. يرنو الشباب إلى الاستقلال الاجتماعي وهذا الأمر يقابَل بالقمع في الثقافة السائدة في المجتمع الإيراني، فيصبح هذا القمع عاملًا اجتماعيًّا لابتعاد الشباب عن الأجيال السابقة.

عندما هيمنت وسائل التواصل الاجتماعي وانتشرت المعلومات بسرعة فائقة، تعرَّف الشباب على عالم متطور ومتنوع وحديث، وعلى القيم والرؤى والنظريات الحديثة، فكبرت طموحاتهم وصاروا يواجهون أزمة في قضايا الاستقلال من الجانب الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.

من العوامل الاجتماعية الأخرى التي تركت تأثيرها في هذا المجال بالمجتمع الإيراني يجدر الإشارة إلى الصناعة والثورة والهجرة التي تتمثل في نظرية مارغوت ميد الذي يقول: إن هجرة سكان القرى إلى المدينة تجعل الشباب في حالة من الغربة فيضطرون إلى الابتعاد عن والديهم والتقرب من سكان المدينة لكي يصنعوا حياتهم المدنية. وهذه الحالة تتسبب بإيجاد فجوة بين جيلهم والجيل السابق. وفي السياق ذاته، يقول شيخي: إن التجدد وتنمية المدن واللجوء للسكن فيها من العوامل المهمة في تغيير الثقافات وإيجاد مسافة بين الأجيال(17). ولا شك أن هذه العوامل التي ذكرها شيخي حدثت في إيران ما بعد الثورة بسرعة فائقة وبشكل كبير، وسرعان ما تحولت مظاهر إيران من التقليدية إلى شبه الحديثة.

التوجهات السياسية للجيل الجديد مقارنة بالجيل الأول للثورة
يعتقد بعض الخبراء أن الشباب الإيراني اليوم أقل اهتمامًا، مقارنة مع الجيل الأول للثورة، بهويته الوطنية على الأصعدة التاريخية والسياسية والجغرافية والثقافية والاجتماعية. هناك فئة قليلة من الشباب تتمثل فيها مكونات البعد السياسي من الهوية الوطنية والتي هي عبارة عن:

1ـ المعرفة السياسية أو الاطلاع على كيفية عمل وفعاليات النظام السياسي.

2ـ المشاركة [السياسية] والرقابة.

3ـ توق إلى الشعب.

4ـ الرغبة بالقيام بالفعاليات السياسية.

5ـ الثقة في النظام السياسي والاطمئنان له.

6ـ قبول صلاحية السلطة السياسية وبراعتها.

7ـ الوفاء تجاه المنظمات السياسية(18).

بناء على هذا الأمر نرى الفئة الأكبر من الجيل الجديد أقل اهتمامًا بالسياسة مقارنة بالجيل الأول للثورة.

وهناك رؤية أخرى تركز على الدور الذي تؤديه الفئة الأخرى، أي الفئة المشاركة بالقضايا السياسية، وتوجهاتها السياسية. تشير المؤشرات إلى وجود انقسام ما بين إصلاحي وأصولي وهناك قسم آخر يحاول إثبات معارضته للنظام السياسي الحاكم في البلاد.

وإذا أردنا أن نقارن هذا الوضع السياسي للجيل الجديد بالجيل الأول للثورة فسنلاحظ الاختلاف في الإجماع الذي كان يهيمن على التوجهات السياسية لدى الجيل الأول في بداية ثمانينات القرن الماضي.

إضافة إلى أن التوجهات الجديدة لدى الشباب متأثرة بعصر التواصل والمعلومات والحداثة والعولمة.

التوقعات المستقبلية لهذه الظاهرة
ثمة آراء حول تسمية طبيعة المجتمع الإيراني اليوم؛ فهناك من يعتقد أن ما يشهده المجتمع الإيراني هو فجوة بين الأجيال وليس انفصالًا (انقطاعًا). والتوقعات المستقبلية لاستمرار هذه الظاهرة، أن تتغير الظاهرة من الفجوة إلى الانفصال؛ لأن المجتمع والسلطات والثقافة الغالبة والآباء يقابلون هذه الفجوة بالقمع والنفي. وبحسب علم النفس، فإن للانفصال ما بين الأبناء والآباء نتائج نفسية غير مطلوبة، منها التوتر النفسي وعدم الاستقرار وعدم الثقة بالنفس واليأس من الحياة، إضافة إلى الهجرة من البلد. وهناك من يجوم بأن هذه الفجوة ستؤدي بلا محالة إلى تغييرات جذرية في السياسة والمجتمع والثقافة في المستقبل القريب.

ومن جهة أخرى، تقدم محبوبة سليمان بور عمران وآخرون طرقًا يمكن تفادي هذا “الانقطاع” من خلالها:

1ـ تناسب الطرق التبليغية مع احتياجات كل دورة.

2ـ التعرف على صفات وسجايا الشباب.

3ـ تعليم طريقة “التفكير الصحيح” للشباب، وتجنب فرض أفكار الكبار ومعتقداتهم وقيمهم.

4ـ تغيير في النظام التربوي وأساليبه.

5ـ احترام جيل الشباب وتقديم المحبة لهم.

6ـ تغيير طريقة تعليم الدين والمذهب.

7ـ احترام فردية الشباب.

8ـ جذب الجيل الجديد للمشاركة الاجتماعية(19).

خلاصة
في المجتمعات التي شهدت مرحلة انتقالية -اقتصادية أو سياسية أو صناعية- أو شهدت مقدارًا من النمو الاجتماعي أو شهدت تغيرًا ثقافيًّا عميقًا مثل الثورة، لابد من وجود ظاهرة الفجوة بين الأجيال. كما أن العولمة لها الدور الرئيس في هذه الظاهرة. وإيران شهدت ثورة أدت إلى تغيرات هيكلية على الصعيد الثقافي والسياسي والقيمي وحتى الاقتصادي إضافة إلى اجتياح ظاهرة العولمة لها.

هناك اختلافات كبيرة بين الشباب والأجيال السابقة من حيث التعلق العاطفي بالوطن والمجتمع، ولديهم نظرة سلبية وعدم ثقة تجاه السلطة السياسية والوضع الموجود، وكذلك غياب الثقة الاجتماعية والتأكيد على القيم الحديثة وإهمال القيم التقليدية.

إضافة إلى ما قيل، نستنتج أن الشباب الإيراني يواجه بعض الطرد من المجتمع التقليدي بسبب سلوكه المغاير للثقافة التقليدية، وأنه لا يتحمل القيم الذكورية، إنما يميل إلى القيم المعنوية، واهتمامه الديني أقل بكثير من الأجيال السابقة -أجيال بعد الثورة- كما أنه لا يرى نفسه مواطنًا محليًّا بل لديه رؤية عالمية لا تعترف بالحدود الأيديولوجية، بينما لم يتمكن من التلبس بالثقافة العالمية والمواطنة العالمية كما يجب.

إذن، الجيل الجديد في إيران يعاني من أزمة الهوية بسبب التيه الذي يعيشه ما بين النظام السياسي الذي لا يواكب الحداثة والمبني على الأسس الدينية وتحده الأطر الدينية والعولمة التي جعلت الجيل الجديد يعيش صراعًا مع الثقافة السائدة والأجيال السابقة.

مركز الجزيرة للدراسات