“معاهدة كويرينالي” تستهدف تدارك وضع الاتحاد الأوروبي الرخو

“معاهدة كويرينالي” تستهدف تدارك وضع الاتحاد الأوروبي الرخو

روما – وقّع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي صباح الجمعة في مقر الرئاسة الإيطالية كويرينالي بالعاصمة روما، على معاهدة وصفت بـ”الاستراتيجية” لتعزيز التعاون بين البلدين، بحضور الرئيس الإيطالي سيرجو ماتاريلا.

وتهدف المعاهدة المعروفة بـ”معاهدة كويرينالي” إلى هيكلة العلاقات الثنائية بين روما وباريس على غرار “معاهدة الإليزيه” بين فرنسا وألمانيا التي تعود إلى ستينات القرن الماضي، والتي استكملت بمعاهدة آخن العام 2019.

ودفعت جملة من العوامل المتداخلة إلى توقيع هذه المعاهدة التي تم الكشف عنها الأسبوع الماضي، من بينها رغبة الرئيس إيمانويل ماكرون في ملء الفراغ الذي خلفه انسحاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من المشهد السياسي على الساحة الأوروبية، وذلك من خلال التحالف مع ثالث قوة أوروبية بعد ألمانيا وفرنسا.

ويقول مراقبون إن معاهدة “كويرينالي” تأتي في سياق شعور عام لدى باريس وروما بتراجع للكتلة الأوروبية، الأمر الذي فسح المجال لبعض القوى على غرار روسيا وتركيا للتمادي ومزاحمة الوجود الأوروبي في مناطق نفوذه التقليدية، وعلى تخومه الجنوبية.

وقال الرئيس الفرنسي الذي كان يتحدث إلى جانب رئيس الوزراء الإيطالي إن المعاهدة الجديدة “ستساعدنا في مواجهة أزمة ليبيا وستسهم في تعزيز الدفاع الأوروبي المشترك”. وانتقد ماكرون خلال توقيع الاتفاقية تصرفات بريطانيا، التي شهدت العلاقة معها توترات منذ انسحاب لندن من بركيست.

واعتبر رئيس الوزراء الإيطالي أن المعاهدة تمثل خطوة كبيرة في العلاقات بين البلدين، وستدشن فترة من التعاون الوثيق في مجموعة من المجالات.

ووصف الرئيس الإيطالي في وقت سابق المعاهدة بأنها “توحّد دولتين مؤسستين للاتحاد الأوروبي تشتركان في الالتزام ببناء المشروع الأوروبي الكبير”، مؤكدا لدى استقباله ماكرون أن “علاقة أقوى بين إيطاليا وفرنسا تسهم في بناء اتحاد أوروبي أقوى، وهو أمر ضروري اليوم في مواجهة التحديات التي لا يمكن أن تواجهها إلا أوروبا أكثر تكاملا، كما أبرزت أزمة الوباء”.

وشهدت العلاقات الفرنسية – الإيطالية في الفترة الأخيرة انفراجة بعد أزمة دبلوماسية بين البلدين بلغت ذروتها في مطلع العام 2019، حين التقى زعيم حركة خمس نجوم لويجي دي مايو بعض ممثلي حركة “السترات الصفر” المناهضة لسياسة ماكرون الاجتماعية في فرنسا. وقبل ذلك، كان وزير الداخلية ماتيو سالفيني قد دعا ماكرون إلى الاستقالة.

وعلى إثر ذلك، استدعت فرنسا سفيرها في روما كريستيان ماسيه مؤقتا، ما تسبب في أسوأ أزمة بين الدولتين الجارتين منذ العام 1945.

وشكّلت الساحة الليبية أحد الأسباب الرئيسية في توتر العلاقات الفرنسية – الإيطالية في ظل صراع شرس على النفوذ، لاسيما بعد سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، وهذا الصراع كلف الطرفين أثمانا باهظة، حيث فسح المجال لقوى أخرى للتقدم وتصدّر المشهد، على غرار تركيا.
ويقول متابعون إن المعاهدة من شأنها أن تفسح المجال لتعاون وثيق بين القوتين الأوروبيتين في ليبيا، وستعمل على الدفع باتجاه إنجاح المسار الذي خطه مؤتمر باريس من أجل المضي قدما في عملية الانتخابات وخروج المرتزقة، مشيرين إلى أن هذا التعاون من شأنه أن ينعكس إيجابا على استتباب الوضع في هذا البلد.

وكان وزيرا الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو والفرنسي جان إيف لودريان، أكدا على هامش توقيع المعاهدة “التنسيق الوثيق” بين روما وباريس بشأن ليبيا ومنطقة الساحل الأفريقي.

وشدد دي مايو “بشكل خاص على أهمية ضمان انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة وشاملة في ليبيا في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم، وعلى أولوية انسحاب جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد”.

وتنصّ المعاهدة على محاور للتعاون المعزّز على صعيد الدبلوماسية والدفاع والرقمنة والتحولات البيئية والثقافة والتعليم، والتعاون الاقتصادي والصناعي والفضاء.

وتذكّر هذه المعاهدة بأخرى كان تم توقيعها بين الرئيس الفرنسي شارل ديغول والمستشار الألماني كونراد أدناور في الثاني والعشرين من يناير 1963، بعد عداء طويل بين البلدين.

العرب