الأغذية المعدلة وراثيا طريق الصين في مواجهة ضغوط منافسيها

الأغذية المعدلة وراثيا طريق الصين في مواجهة ضغوط منافسيها

بكين – تشعر الحكومة الصينية بخوف متزايد من أن يؤدي اعتمادها المتنامي على الاستيراد إلى أن تصبح عرضة للضغط من جانب الدول التي تصدر لها المواد الغذائية، وخاصة الولايات المتحدة، التي تتنافس معها على توسيع النفوذ في العديد من الملفات وترى فيها واشنطن أكبر خطر يواجهها على المدى القريب.

ويبلغ عدد سكان الصين عشرين في المئة من سكان العالم، وليس لديها سوى عشرة في المئة من الأراضي القابلة للزراعة، لذلك فإنها تعتمد منذ وقت طويل على الواردات لتوفير الغذاء لمواطنيها.

ولطالما كان الجوع مشكلة رئيسة في الصين القديمة على مرّ التاريخ، حتى أن تقارير حذرت من أن الصين قد تواجه أزمة غذائية حادة مع تذبذب سلاسل الإمدادات العالمية مع تفاقم أزمة كورونا، حتى أن السلطات الحاكمة دعت شعبها مؤخرا إلى تخزين المواد الغذائية تحسبا لأيّ إغلاق.

ويتساءل محللون وخبراء عن الاستراتيجيات القادمة للصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، وحول إمكانية أن تكون الأغذية المعدلة وراثيا هي الحل في نهاية المطاف.

آدم مينتر: الشعب الصيني سيجبر على قبول الأغذية المعدلة

ويقول الكاتب الأميركي آدم مينتر في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إنه على الرغم من أن الأغذية المعدلة وراثيا حظيت بالقبول على نطاق واسع في دول أخرى في السنوات الأخيرة، ما زال المستهلكون الصينيون يعارضونها بشدة، وقد أرجأت الحكومة أي موافقة على مثل هذه المحاصيل طوال عقود لتجنب ردود الفعل السلبية.

ولكن يبدو أن هذا الموقف على وشك التغيير. ففي مطلع الشهر الجاري، وضعت وزارة الزراعة الأساس لزراعة فول الصويا المعدل وراثيا، والحبوب مثل الأرز والذرة، على الأرض الصينية لأول مرة. والسؤال هنا هو ما إذا كان المواطنون سوف يثقون في الحكومة بدرجة كافية لقبولهم مثل هذه الثورة الغذائية.

ويقوم البشر منذ بدأوا زراعة الغذاء بتغيير الجينات انتقائيا. ويعنى هذا تاريخيا تهجين النباتات والحيوانات بسمات مرغوب فيها لإنتاج مواد غذائية ذات قيمة غذائية واقتصادية أكبر. وتعتبر الصين من أوائل الدول في هذا المجال، إذ ترجع السجلات المكتوبة عن علم المحاصيل الصينية، بما في ذلك التعليمات بشأن التهجين إلى ألفي عام.

ويضيف مينتر أنه بحلول سبعينات القرن الماضي تطورت التكنولوجيا الحيوية إلى حد أن علماء المحاصيل لم يعودوا في حاجة إلى المعاناة بالنسبة إلى تهجين النباتات، فهم ببساطة يمكنهم إدخال جين في خلية. ففي عام 1988 أصبحت الصين أول دولة تضفي الطابع التجاري على محصول معدل وراثيا عندما وافقت على نوع من التبغ المقاوم للفيروسات وأطلقت عليه اسم ”جين”.

وعندما اعترض المدخنون تم تغيير الاسم إلى” الصين”. ومع ذلك لم يحظ المنتج حتى بعد تغيير اسمه بالرواج في الأسواق، وتم استبعاد التبغ المعدل وراثيا من الزراعة التجارية تماما في عام 1995.

وفي أنحاء أخرى من العالم، خفت حدة المعارضة ضد الأغذية المعدلة وراثيا حيث قبل المستهلكون أعواما من المعلومات المتراكمة التي تظهر أنها آمنة للاستهلاك.

وفي عام 1994، منحت إدارة الأغذية والأدوية الأميركية ترخيصا لنوع من الطماطم معدل وراثيا لبيعه تجاريا. وكانت هذه أول موافقة من نوعها في العالم، وسرعان ما لحقت بالطماطم محاصيل أخرى.

وبحلول العام الماضي، كان 90 في المئة من محصولي الذرة وفول الصويا اللذين يتم زرعهما في الولايات المتحدة معدلا وراثيا.

واتخذت الصين طريقا مختلفا تماما. فمنذ ثمانينات القرن الماضي، انتشرت بانتظام فضائح السلامة الغذائية في أنحاء البلاد. وبعضها كانت ذات سمعة سيئة دوليا، بما في ذلك حادث وقع عام 2008 أصيب فيه 300 ألف طفل بالمرض نتيجة الحليب الملوث. حتى بالنسبة إلى أولئك الصينيين المنفتحين على فوائد الأغذية المعدلة وراثيا، أدت الفضائح إلى إثارة الشكوك حول كفاءة الحكومة فيما يتعلق بتنظيم السلامة الغذائية.

لطالما كان الجوع مشكلة رئيسة في الصين القديمة على مرّ التاريخ، حتى أن تقارير حذرت من أن الصين قد تواجه أزمة غذائية حادة مع تذبذب سلاسل الإمدادات العالمية مع تفاقم أزمة كورون

وفي عام 2018 كشفت دراسة خضعت لمراجعة متخصصين في نفس المجال أن 12 في المئة فقط من المستهلكين الصينيين لديهم رأي إيجابي بالنسبة إلى الأغذية المعدلة وراثيا؛ وربما ليس من المستغرب أنه اتضح أن الحكومة لم تكن مصدرا موثوقا به للمعلومات بالنسبة إلى هذا الموضوع.

وتوخيا للحذر من هذه المقاومة من جانب المواطنين، لم يوافق المسؤولون الصينيون سوى على الزراعة التجارية للقطن والبابايا المعدلين وراثيا. أما المحاصيل الأخرى فظلت في المختبر أو يتم تصديرها لزراعتها. وأحد نتائج ذلك هو أن الصين أصبحت فقط أكثر اعتمادا على الأغذية الخارجية المعدلة وراثيا، المسموح باستيرادها طالما أنه تتم معالجتها لتصبح منتجات مثل علف الحيوانات لدعم طلب الصين المتزايد على لحم الخنزير وغيره من البروتينات.

وأدى ذلك الاعتماد على الواردات إلى شعور القادة الصينيين بالقلق طوال عقد من الزمان على الأقل. وفي عام 2013 دعا الرئيس شى جين بينغ إلى ملء أوعية الأرز بالحبوب الصينية (أساسا). وفي مارس هذا العام اعتبرت خطة خمسية جديدة ”الأمن الغذائي” أولوية في سياسة الصين. والهدف هو تحقيق “الاعتماد على الذات”، وهو تعبير بدأت الصين في استخدامه بعدما أوقفت الولايات المتحدة صادرات أشباه الموصلات لشركة هواوي للتكنولوجيا.

ووصف المسؤولون الصينيون ووسائل الإعلام الصينية مؤخرا البذور المعدلة وراثيا بأنها “أشباه الموصلات الجديدة” وحذروا من أن الصين في خطر ما لم تكن قادرة على زراعة بذورها.

ويقول مينتر إنه حتى الآن تحركت الحكومة الصينية بشأن الأغذية المعدلة وراثيا ببطء أكثر من تحركها بشأن الرقائق. ولكن يبدو أنه من المحتم تماما أنه ستكون هناك دفعة جديدة مهمة في الطريق. وربما سوف يتعين على الشعب الصيني قبول القرار سواء كان يروق لهم أم لا.

العرب