القاهرة – بالتزامن مع ارتفاع الأصوات المطالبة في إسرائيل بإلغاء اتفاقية لنقل النفط مع أبو ظبي -تمثل تهديدا مباشرا للمصالح المصرية- جرى الإعلان عن تدشين خط تجاري يربط الإمارات بتركيا عبر إيران، قد يستهدف هو الآخر حركة الملاحة في قناة السويس.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، افتتحت طهران الطريق التجاري الجديد إلى تركيا، الذي يمكن لدولة الإمارات استخدامه لاختصار زمن الرحلة الحالية ومسارها الذي يبدأ من ميناء الشارقة الإماراتي إلى مضيق باب المندب مرورا بقناة السويس ثم ينتهي في مرسين التركية.
يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الإماراتية التركية تقاربا لافتا توجته زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى أنقرة قبل أيام وذلك للمرة الأولى منذ 10 سنوات، حيث تم توقيع عدة اتفاقيات تعاون، من بينها استثمارات إماراتية في تركيا بنحو 10 مليارات دولار.
وفي هذا التقرير ترصد الجزيرة نت أبرز الحقائق والأرقام بشأن قناة السويس مقارنة بالطريق الجديد، ونسأل خبراء حول تأثيره على القناة التي تعد من أهم شرايين الاقتصاد المصري ومصدرا مهما للعملات الأجنبية.
ولا يعد هذا المشروع الأول من نوعه الذي يمثل تهديدا لقناة السويس؛ إذ سبق أن اتفقت أبو ظبي مع تل أبيب على تدشين خط أنابيب يربط البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، لنقل النفط الخليجي إلى أوروبا، وهو مشروع تم تجميده مؤقتا إثر احتجاجات بيئية في إسرائيل.
وقبل أشهر، وقعت الإمارات وروسيا اتفاقا لتطوير خط شحن حاويات عبر القطب الشمالي، في مسار تروج له موسكو على أنه بديل لقناة السويس، وخط سوميد المصري الذي يربط البحرين أيضا.
ورغم أن مصر كانت قد أبدت اهتماما بمتابعة تلك المشاريع، فإنها لم تعقب على الخط التجاري الجديد، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات ومقاربات متناقضة بين قوى إقليمية تتشابك معظمها مع القاهرة في قضايا عديدة.
هل ينعكس الطريق التجاري الجديد سلبا على مصر؟
وفق خبير النقل البحري حمدي برغوت، فإن انعكاسات الطريق الجديد على مصر تتمثل في وجود تأثير سلبي لكن ليس بدرجة كبيرة، غير أنه سيؤثر على العلاقات المصرية المباشرة مع تركيا والإمارات، حسب رأيه.
وفي تصريحات للجزيرة نت، يرى برغوت عدم وجود تداعيات على مصر، نظرا لأن التجارة البينية العربية التركية، ليس أساسها الإمارات، وعزا ذلك إلى العوامل التالية:
التجارة التي ستمر عبر الطريق الجديد تمثل جزءا ضئيلا مقارنة بحجم التجارة العابرة بقناة السويس.
التجارة البينية بين تركيا ومصر تمر عبر البحر المتوسط مباشرة وليس قناة السويس.
التجارة الإيرانية إلى تركيا لا تمر عبر مصر، كما أن إيران ليست دولة صناعية كبرى.
الإمارات دولة تجارية وليست صناعية، وتعتمد في تجارتها على الدول المحيطة.
من المستبعد أن يؤثر الطريق الجديد على خط سوميد، الذي ينقل البترول من ميناء العين السخنة على البحر الأحمر إلى ميناء سيدي كرير على البحر المتوسط.
قوة قناة السويس
وبدوره، استبعد مستشار النقل البحري وخبير اقتصاديات النقل ودراسات الجدوى، أحمد الشامي، تأثر قناة السويس؛ لعدة أسباب أوضحها للجزيرة نت، وهي تتعلق بالأرقام والمؤشرات والمصالح المشتركة والنواحي اللوجستية ويمكن إجمالها في ما يلي:
يمر عبر القناة 1.3 مليار طن بضائع سنويا من التجارة الدولية، ولا يوجد ممر دولي تمر عبره هذه الكمية.
قناة السويس تستحوذ على نسبة معتبرة تصل إلى نحو 12% من حجم التجارة الدولية.
الطريق التجاري الجديد يشبه نظيره بين الهند وإيران وروسيا، والتجارة البينية بين الدول الأخيرة تقترب من 6 ملايين طن سنويا، وهي حمولة تمر بقناة السويس خلال 3 أيام فقط.
حال افتراض تدشينه، فإن عنوانه سيكون تجارة بينية؛ وهي تجارة محدودة الكمية.
لا مجال للمقارنة بين تجارة بينية وتجارة دولية كالتي تمر عبر قناة السويس.
ما أثير عن فترة المرور بالطريق الجديد ونظيره الحالي بقناة السويس لا يبدو دقيقا؛ فالرحلة البحرية من الإمارات إلى تركيا عبر قناة السويس لا تزيد على 12 يوما.
في حال المسار العكسي عبر الطريق الجديد، سيتم استخدام وسيلتي نقل، واحدة بحرية (ناقلات من الإمارات إلى إيران) والأخرى برية (شاحنات من إيران إلى تركيا).
أصغر ناقلة حاويات تسير في خط دولي موجودة حاليا بها 1200 حاوية. وبالمقارنة بين مرورها في المسارين، فإن عملية الشحن والتداول والتفريغ بقناة السويس ستتم مرة واحدة، بينما نقل نفس الحاوية بريا يحتاج إلى 1200 شاحنة لعملية الشحن والتفريغ.
ممر العبور البري سيكون بين دولتين بإجراءات أمنية مشددة.
بناء على سبق، تكون تكاليف الشحن والتفريغ والوقت للتجارة في الطريق الجديد أعلى كثيرا من عبور التجارة ذاتها في قناة السويس.
كيف تواجه مصر خطط تدشين ممرات بديلة؟
حسب خبير النقل البحري حمدي برغوت، فإن مصر يجب عليها ما يلي:
خلق بدائل لوجستية، مثل تدشين منطقة صناعية بمنطقة القناة الاقتصادية، وجذب صناعات وتأهيلها للمنافسة الدولية.
نجاح ذلك يرتبط بإشراك المنافسين الإقليميين الآخرين من الدول التي قد تتضرر من وجود مشروعات ضخمة بمنطقة القناة، بما قد يدفعها إلى محاربة المشاريع المصرية.
في حين يشير مستشار النقل البحري وخبير اقتصاديات النقل ودراسات الجدوى، أحمد الشامي، في هذا الصدد إلى النقاط الآتية:
قناة السويس تستهدف رفع التجارة العالمية العابرة فيها من 12% إلى 18% عام 2030، ثم إلى 35% عام 2050.
مشروع التفريعة الجديدة يمثل مظهرا لمحاولة رفع الطاقة الاستيعابية للقناة.
هناك خطط لتدشين ممر ملاحي شرقي (بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط على خليج العقبة) يمر عبر طابا والعريش بسيناء، ويكون موازيا لقناة السويس، وليس منافسا لها بطول 112 كيلومترا تقريبا.
لماذا الإصرار الإماراتي على البحث عن بديل لقناة السويس؟
جاء الإعلان عن تدشين الخط التجاري الجديد، بعد إعلان التوقف المؤقت لمشروع “إيلات عسقلان”، مما يثير تساؤلات حول أسباب الإصرار الإماراتي على خلق بدائل وممرات دولية وإقليمية لقناة السويس. حاول برغوت الإجابة عنها بالإشارة إلى التالي:
تصرف الإمارات نوع من وسائل الضغط على مصر، كي تشترك في كل اقتصاداتها ومصالحها.
الإمارات دولة ضعيفة وهشة اقتصاديا واستثماراتها ليست إستراتيجية مقارنة مع الاستثمارات الدولية.
مصر لديها مجال خصب للاستثمارات الدولية.
الإمارات تتعامل مع مصر عبر وسيلتين؛ الأولى بوصفها صديقا حميما، والثانية عبر لي ذراعها بخطط تهدد ممراتها وقوتها الإستراتيجية.
وفي المقابل، عزا الشامي ذلك إلى:
سعي كل الدول -أيا كانت- إلى زيادة قدراتها ومنافسة الآخرين.
مدى أهمية قناة السويس.
الاقتصاد هو المحرك الأساسي للسياسة بين الدول، بصرف النظر عن العلاقات الثنائية.
هناك مشاكل تاريخية بين الإمارات وإيران، وقد يكون الربط التجاري هدفا لخدمة مواءمات سياسية، لكنه سيبقى لخدمة التجارة البينية فحسب.
هناك تحالفات متناقضة بين الدول الثلاث، قد يتم البحث عن حوافز لتدعيمها.
هل يكون الطريق التجاري بديلا ناجحا لقناة السويس؟
المستشار البحري المستقل وخبير صناعة النفط والغاز إبراهيم فهمي استبعد -في تصريحات للجزيرة نت- أن يكون الطريق الجديد بديلا ناجحا لقناة السويس؛ لعدة أسباب أبرزها تتعلق بالنقل والبنى التحتية ونوعية السلع المراد نقلها:
أكثر من 80% من حركة التجارة العالمية تمر عبر الممرات البحرية، وفي مقدمتها قناة السويس، في حين أن إسهامات الممرات البرية لا تزيد على 20%.
محصلة الوقت والجهد والتأمين والمخاطر مجتمعة تصب في مصلحة الشحن البحري بامتياز.
يجب أن يتوفر للنقل البري بنية تحتية ممهدة، مثل خطوط السكك الحديدية السريعة، وشبكة طرق آمنة، ومحطات متعددة للشحن والمراقبة والتفتيش والمعاملات الجمركية، واستثمارات هائلة، وأن يكون بين الدول التي ترتبط بحدود برية علاقات مستقرة تاريخيا.
باستثناء النفط والغاز، فإن منطقة الخليج العربي لا تمثل وزنا كبيرا في التجارة العالمية؛ نظرا لمحدودية الإنتاج الزراعي والصناعي والمواد الخام. أما من ناحية الاستهلاك، فهي سوق صغير نسبيا لأسباب ترتبط بضعف الكتلة السكانية، خلافا لحالة الانكماش في الاقتصاد العالمي.
أما الدول ذات التعداد السكاني الكبير مثل العراق وإيران، فإنها تعاني من سياسات التقشف وأوضاع اقتصادية صعبة، ناتجة عن صراعات داخلية.
نظرا للتغيرات المناخية والتحديات المصاحبة لها، هناك توجه دولي لتقليل الاعتماد على النفط خلال السنوات المقبلة وفرض سياسات وإجراءات لتخفيض أسعار البترول العالمية، مما يجعل الاستثمار في بناء خطوط أنابيب برية طويلة تمتد لآلاف الكيلومترات مخاطرة اقتصادية كبيرة، غير قابلة للتحقيق في الوقت الحالي.
ناقلات النفط البحرية -في حد ذاتها- هي أدوات تخزين، لا يمكن نقل النفط بريا إلا في قطاعات محددة بين دول بتكلفة عالية، خاصة عند مد الخطوط تحت البحار.
من الصعوبة تأمين نقل النفط بريا عبر أنابيب في المناطق الساخنة، خلافا للتكاليف المادية الكبيرة والفترة الزمنية الطويلة لبناء الخطوط الطويلة التي تتطلب عدة سنوات، بما يحول المسار البري إلى نقطة ضعف أكثر منها قوة، خاصة في ظل تقلب أسواق النفط.
أما الغاز، فيتم شحن معظم تجارته العالمية بحريا، باستثناء خطوط أنابيب النقل الروسية الممتدة إلى أوروبا، التي تضغط بها على صعيد العلاقات الدولية وحسابات التوازن والنفوذ.
محاولة إيجاد بدائل للغاز الروسي عن طريق بناء خطوط بديلة قادمة من دول أخرى إلى أوروبا، ستواجه حتما بعرقلة روسية.
المصدر : الجزيرة