الصدر …يقطف الورود بين الأشواك ليقدمها للشعب العراقي

الصدر …يقطف الورود بين الأشواك ليقدمها للشعب العراقي

أتى الاجتماع الموسع الذي عُقد بتاريخ الثاني من كانون الأول الحالي بين زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، ومسؤولي الإطار التنسيقي في منزل رئيس تحالف الفتح هادي العامري، في خضم التطورات السياسية التي يشهدها العراق بعد إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، عن النتائج النهائية للانتخابات التي جرت في العاشر من تشرين الأول الماضي، ورافقها العديد من الأحداث والنزاعات التي أحدثتها الأحزاب والكتل السياسية المشاركة في السباق الانتخابي والتي لم تحظى بالفوز الكبير.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية والسياسية تابع نتائج الاجتماع الموسع والآفاق والمقترحات التي خرج بها المجتمعون والاطلاع على البيانات والتصريحات الرسمية، والتي يرى فيها المركز أن السيد مقتدى الصدر، قد تمكن بكل دراية وعلم من تحديد رؤية سياسية واضحة وآفاق مستقبلية راجحة ترتكز على أسس رصينة من العمل السياسي الناضج، وتساهم في وضع اللبنات الرئيسة لقيادة الدولة العراقية، وإعادة هيبتها، بتطبيق القوانين والأنظمة، وتراعي مصلحة ومستقبل أبناء الشعب العراقي، بالاعتماد على شرعية ومفهوم إقامة دولة المواطنة التي تحددها العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الإنسان واحترام الرأي وحرية الفكر وصيانة وحدة البلاد والدفاع عن هويته الوطنية واستقلاله السياسي والاقتصادي، وتمكينه من قراره الوطني في توجيه دفة الحكم، بعيدا عن أشكال التبعية الإقليمية والدولية وصون حقوق وكرامة العراقيين .
كان السيد مقتدى الصدر واضحا في عرض منهجه ورؤيته الحكيمة لكيفية قيادة العراق واستعادة مكانته عربيا وإسلاميا بالاحتكام إلى الإرادة الشعبية وتعزيز دور المواطنين وحماية مؤسسات الدولة من أية تأثيرات جانبية من بعض الأحزاب والتشكيلات السياسية وقيادتها، ورسم معالم تشكيل الحكومة القادمة التي تعبر عن آمال وطموحات الشعب وتكون (حكومة أغلبية وطنية) أهدافها خدمة المواطنين، ومكافحة الفساد، والاقتصاص من الفاسدين وإحالتهم للمحاكم القضائية، وحماية القانون، واحترام سيادة البلاد، وأن الإشارة للمشاركة في تشكيل الحكومة واجب وطني عقائدي، ومن أراد أن يكون جزءا حيويا من هذا التشكيل فمرحبا به، وإلا فإن طريق المعارضة موجود عبر مجلس النواب العراقي.


ثم منح السيد الصدر صورة حيوية من العمل السياسي الزاهد باستعداده للتخلي عن تشكيل الحكومة المقبلة، وإعطاء مدة شهر او أكثر لمن يرغب في المساهمة بتشكيلها، وإن تمكن من ذلك فإن التيار الصدري ورغم أغلبيته في نتائج الانتخابات إلا أنه مستعد لأن يكون أنموذجا للمعارضة الوطنية التي تحقق للشعب طموحاته في العيش الكريم، وهذا موقف وطني ودرس سياسي يوجه للقيادات السياسية العراقية، لأن الأساس هو خدمة الشعب واحترام رأي المرجعيات الدينية داخل العراق والتي حرصت على وحدة البلاد وسلامته عندما كان خطر الإرهاب قريبا من بغداد، ووجهت كل من لديه القدرة على القتال أن يشارك إخوانه في المؤسسات العسكرية في الدفاع عن العراق وحماية المقدسات في إطار الحشد الشعبي، ولم تشير إلى تشكيل فصائل وميليشيات مسلحة، وعلى الجميع احترام توجيه المرجعية الدينية والالتزام بها، ودعم قوة الدولة في تعزيز دورها لحماية العراق ضمن إطار دولة المواطنة، وان تكون جميع الفصائل في هيكلية التشكيلات العسكرية وتحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة في البلاد، وتساهم في عملية البناء والأعمار.
تمكن السيد الصدر وبذهنيةٍ عاليةٍ وحرصٍ شديد من وضع منهج عملي لكيفية إعادة ترتيب البيت السياسي العراقي، ودعم وإسناد وحدة البلاد، واحترام إرادة الدولة الوطنية عبر العديد من الإجراءات التي أشار بها للحاضرين، وتضمنت سعي الجميع لمحاربة الفساد والمفسدين، وإيقاف عمليات الهدر والسرقة للمال العام، وضرورة محاسبة المقربين كما فعل سماحته بحجز عدد من الفاسدين أو الذين حامت حولهم شبهات من الفساد والمحسوبين على التيار الصدري في منطقة الحنانة، وتنظيم آلية التعامل مع قوات الحشد الشعبي، وأن تكون جميع الفصائل الأخرى ضمن هيكليتها، وتعزيز دورها في المؤسسة العسكرية، وتوجيه أعمالها لحماية أمن وسلامة الشعب، والاهتمام باستعادة الدولة لهيبتها وقدرتها على مواجهة الأزمات والمشاكل التي يعاني منها المواطن، وإيجاد الحلول الجذرية الناجعة وبما يجعل للدولة دورا حيويا ويعيد الثقة بمؤسساتها الخدمية.
وبفكرٍ وقَّاد، وإرادة ميدانية، أعطى السيد الصدر تعريفا دقيقا لمفهوم المقاومة، وحث المجتمعين على الالتزام به والاتفاق عليه بإخراج المحتل الأميركي من العراق، ولمجلس الوزراء تحديد طبيعة العلاقة مع الإدارة الأميركية وفق المصالح الحيوية للشعب واحتياجات المؤسسة العسكرية من تدريب وأسلحة وتجهيزات وتبادل الخبرات والمعلومات، ويتم التصويت عليها وتكون واجبة التنفيذ.
حثُ القيادات السياسية على عدم التراجع والنظر للأمام والبدء ببناء الدولة وفق المعايير الوطنية، بعيدا عن المحسوبية والرشوة والفساد الإداري والمالي، وسوف لا تحتوي الحكومة القادمة إلا على الأقوياء الموجودين في القوى السياسية العراقية كافة، وحدد علاقات التيار الصدري بأنه لا يمكن له أن يتفق مطلقا مع من كانت لديه خلافات جوهرية معه، احتراما لإرادة جماهير التيار وقواه الطليعية، وهي رسالة واضحة لائتلاف دولة القانون، وأشار إلى أن من يفكر بإعادة الانتخابات فهو واهمٌ ولا هدف له، لأن هذا الطريق سوف لا يكون أداة لاحترام الانتخابات مستقبلا، وأن من يسعى إلى تأخير تشكيل الحكومة القادمة فالتيار الصدري له الأغلبية وينتظر ويعتبر الحكومة الحالية هي (حكومته) .
بهذه الرؤى الميدانية، والأهداف السياسية، والطموحات الوطنية، والمواقف الميدانية، يكون السيد مقتدى الصدر قد عانق طموحات الشعب، ورفع راية الإصلاح وإعادة هيبة الدولة، واحتضن أيادي الجماهير، وكأنه يقطف الورود بين الأشواك ليقدمها للشعب العراقي.

وحدة الدراسات العراقية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية