أعلنت مفوضية الانتخابات، نتائج الانتخابات التشريعية العراقية بعد مرور نحو 50 يوما على إجراءها، بعد خلافات عميقة وصراع بين الأحزاب الفائزة والخاسرة، وليبدأ سباق التحالفات والمساومات والابتزاز من أجل تشكيل الحكومة المقبلة.
وعقب إعلان النتائج النهائية للانتخابات والأحزاب الفائزة، وظهور تباين كبير في نظرة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الفائز الأول في عدد مقاعد البرلمان، وبين القوى الشيعية الأخرى التي أخفقت في تحقيق العدد الكافي من المقاعد لتشكيل الحكومة، فقد جرت محاولات لتقريب وجهات النظر بين الطرفين لضمان توحد القوى الشيعية واستمرار هيمنتها على قيادة الحكومة والدولة.
وفي هذا السياق، جرى عقد اجتماع بين الصدر وقادة الأحزاب والفصائل المعترضة على نتائج الانتخابات، إلا ان نتائج الاجتماع عكست خلافات عميقة، عندما غرد الصدر «لا شرقية ولا غربية حكومة أغلبية وطنية» ليؤكد رفضه دعوة الطرف الآخر لتشكيل حكومة توافقية يتم فيها توزع الوزارات على الأحزاب الفائزة والخاسرة. فيما كان بيان المعترضين على نتائج الانتخابات «قوى الإطار التنسيقي» سطحيا وتحدث عن بعض القضايا منها وحدة الصف الشيعي ومحاربة الفساد وخروج القوات الأجنبية، والإبقاء على الحشد الشعبي وتقويته، وإبعاد الأحزاب عن المشاريع الخدمية، وتحسين الاقتصاد، ورفض التطبيع مع إسرائيل.
وأفادت تسريبات الاجتماع أن المجتمعين قرروا ان يكون رئيس الوزراء القادم توافقيا (بين الشيعة) أما اختيار الوزراء فيكون وفق الاستحقاق الانتخابي، مع استمرار اللقاءات بين الطرفين لحل الخلافات التي تبدو عميقة وخاصة ما يتعلق بالفصائل خارج الدولة والسلاح المنفلت والمكاتب الاقتصادية للأحزاب.
فيما أفادت الهيئة السياسية للتيار الصدري، ان الصدر شدد في الاجتماع على «ان السلم الأهلي خط أحمر» وهو رد على تهديدات بعض الفصائل بإشعال حرب أهلية إذا لم تحصل على دور لها في الحكومة.
وكانت مفوضية الانتخابات، أعلنت نتائج الانتخابات التشريعية بعد إكمال الهيئة القضائية البت في جميع الطعون والاعتراضات، التي أحدثت تغييرا في خمسة مقاعد فقط.
وجاءت الكتلة الصدرية التي يقودها مقتدى الصدر، في المقدمة بحصولها على 73 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 329 مقعدا، تلتها كتلة تقدم التي يقودها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بـ 47 مقعدا، فيما حصلت كتلة القانون بزعامة نوري المالكي على 33 مقعدا، وكتلة الفتح (الفصائل) على 17 مقعدا.
أما الكرد فحصلوا على نحو 60 مقعدا (31 لحزب بارزاني و17 لحزب طالباني و9 للجيل الجديد) وحصلت حركة عزم السنية على 17 مقعدا.
والمميز في هذه الانتخابات حصول المستقلين على 43 مقعدا، وحصول كتلتين تمثل انتفاضة تشرين «امتداد واشراقة كانون» على 15 مقعدا. وإذا توحدت الحركات المعارضة (انتفاضة تشرين والجيل الجديد والمستقلين) فيمكن ان يشكلوا معارضة قوية في البرلمان قادرة على إحراج أي حكومة مقبلة وتعديل مسار عملها لصالح الشعب، وهذه النتيجة جاءت بعد انتفاضة تشرين التي دعت للإصلاح عام 2019.
وبعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات، ستقوم المفوضية بإحالتها إلى المحكمة الاتحادية للمصادقة عليها، ليتم بعدها عقد جلسة افتتاح مجلس النواب الجديد بعد 15 يوما من المصادقة على النتائج. وخلال جلسة البرلمان سيتم اختيار رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية الذي سيقوم بتكليف شخصية بمنصب رئيس الوزراء.
وسبق إعلان النتائج النهائية للانتخابات في العراق، وما بعدها، تحرك واسع من الأحزاب والفصائل الخاسرة، للضغط على المفوضية والحكومة، من أجل زيادة مقاعدهم خارج الاستحقاق الانتخابي، من خلال دفع أتباعها للتظاهر قرب المنطقة الخضراء والتهديد بالحرب الأهلية، إلا ان إعلان مفوضية الانتخابات النتائج النهائية، أفشل مساعي الفصائل. ورغم إصرار الفصائل على استمرار التظاهر أمام المنطقة الخضراء وإعلان رفض نتائج الانتخابات، إلا انها تدرك ان تهديدها باللجوء للسلاح لتأزيم الأوضاع الأمنية يبدو ضعيفا، لأنه سيكون خيار الانتحار، حيث ستكون الفصائل بمواجهة الدولة العراقية والتيار الصدري، إضافة إلى المجتمع الدولي.
وبالنسبة لشكل الحكومة المقبلة، يبدو الخلاف عميقا بين الصدر وبقية القوى الشيعية، حيث شدد الصدر، إنه «متمسك بخيار تشكيل حكومة أغلبية وطنية، وليس حكومة ائتلافية» مضيفا «خيارنا الوحيد هو إما حكومة أغلبية وطنية، وإما معارضة وطنية» مبديا استعداده للذهاب إلى المعارضة. وفي المقابل تصر القوى الشيعية الأخرى، على تشكيل حكومة توافقية لتقاسم الوزارات والثروات. كما توجد خلافات حول وجود بعض الفصائل خارج إطار الدولة وحصر السلاح بيد الحكومة.
وعموما يراهن تحالف قوى الإطار الشيعي بعد إعلان النتائج النهائية، على إعادة التيار الصدري إلى التجمع الشيعي، من أجل تشكيل حكومة أغلبية شيعية مع إعطاء بعض الوزارت لأحزاب سنية وكردية، كما حصل مع كل حكومات ما بعد 2003. وفي هذا الإطار، وكما في كل الانتخابات العراقية السابقة، يتوقع المراقبون ان يكون الدور الإيراني غير بعيد، في توحيد مواقف القوى الشيعية وخاصة في قضية تشكيل الحكومة القادمة وتحديد رئيسها.
ويتفق المراقبون على ان الانتخابات الأخيرة، أبرزت العديد من المؤشرات أولها انها أسفرت عن صعود قوى مستقلة وأخرى تمثل انتفاضة تشرين، مع توقع ان تشهد قبة البرلمان لأول مرة معارضة، وهو ما يعد هزيمة لأحزاب السلطة، ويبعث بعض الأمل بامكانية وجود قوة سياسية في البرلمان تتحدث عن مصالح وهموم المواطنين. كما أكدت النتائج ان العراقيين رفضوا أغلب الفصائل والأحزاب الولائية، التي وقفت ضد مصالحهم وأوصلت البلد إلى حالة التدهور الحالية.
القدس العربي