مع انعقاد الجولة السابعة من مفاوضات النووي الإيراني، بدأت تتكشّف مواقف طهران وأهدافها الحقيقية من تلك الجولات المتتالية، حيث بدأت الأطراف الأخرى، سواء الأوروبيون أو الولايات المتحدة، تعلن أن سلوك إيران التفاوضي وراء تعثّر المفاوضات. لكن ما يتجنب الأميركيون والأوروبيون الاعتراف به، أن الاتفاق النووي نفسه لم يكن يمثل حائط صدٍّ حقيقي، ولا يوفر حماية مضمونة من تطوير البرنامج النووي الإيراني عسكرياً. وبالتالي، لا تحقّق العودة إلى الاتفاق وحدها هدف منع إيران من التحول إلى قوة نووية. بالضبط، كما كان الانسحاب الأميركي من الاتفاق بهدف عقاب طهران، فكان إعفاؤها من التزاماته والانطلاق في أنشطتها النووية بلا ضابط سوى قيود ذاتية وحسابات المساومة والابتزاز. فبعد أشهر قليلة من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي قبل ثلاث سنوات، اتضح أنه لم يكن يملك تصوّراً واضحاً عن الخطوة التالية. ربما لظنه أن العقوبات كافية لتغيير سياسات إيران وتعطيل برنامجها النووي، وهو ما لم يحدث.
أما إدارة بايدن الديمقراطية، فكانت تتوهم أن إيران متلهفة للتفاوض، وتتطلع إلى استئناف الاتفاق لرفع العقوبات الأميركية، غير أن طهران فاجأت بايدن بتأجيلٍ بعد تأجيل، وكانت شديدة الحرص على إبداء عدم الاهتمام، وأنّها غير معنيةٍ بإحياء الاتفاق. وتأكّد هذا الانطباع مع الجولات الأولى للتفاوض، حيث صدّرت إيران خطاباً تفاوضياً رسمياً مفاده أنّ واشنطن هي التي انسحبت من الاتفاق، وهي التي عليها العودة إليه، وأن طهران غير مطالبةٍ بتلبية، ولا حتى بمناقشة أي مطالب أو شروط، مقابل تراجع واشنطن عن “خطأ” الانسحاب من الاتفاق النووي.
فعلياً، ليس لدى إيران أي مشكلةٍ في العودة إلى الاتفاق، لكنها تريد تضخيم الثمن المقابل للعودة. لذلك تؤخر تلك الخطوة إلى أبعد وقت مُتاح، لتحقق خلاله أكبر تقدّم ممكن في الأنشطة النووية.
مع كلّ خطوةٍ تحققها إيران، تزداد مكاسبها، ويرتفع سقف مطالبها التفاوضية. لذا، هي تتفنن في أساليب التسويف والمماطلة، وتبتكر في دواعي تأجيل إبرام اتفاق أو إدخال تعديلاتٍ على الاتفاق السابق، فهي تارة تقول إنّ الاتفاق الأصلي لا يحتاج تعديلاً، ويكفي استئناف تطبيقه كما هو. ثم تعود وتقول إنّها تنتظر الخطوة الأولى من واشنطن بالبدء في رفع العقوبات. وتارة ثالثة تطرح أنّها تستحق تعويضاتٍ عن الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي تكبّدتها خلال الأعوام الثلاثة التي مضت منذ انسحاب ترامب من الاتفاق.
وفي المقابل، لا تجد واشنطن وسيلةً ناجعةً لدفع طهران إلى التراجع عن المستوى الذي وصلت إليه في الجوانب الفنية لبرنامجها النووي. وفي كلّ جولةٍ جديدةٍ، يجد المفاوضون الأميركيون أنفسهم أمام موقف تفاوضي جديد تستحدثه طهران لنفسها مع التقدّم الذي تحققه في أنشطتها النووية.
والمحصلة في كل مرّة، ارتفاع مستمر في سقف المطالب الإيرانية من جولةٍ إلى أخرى، مقابل تقلص تدريجي لما يمكن واشنطن انتزاعه من إيران، سواء في اتجاه الشفافية والوضوح أمام خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو بتقديم أي ضماناتٍ بعدم الوصول إلى العتبة النووية العسكرية.
الهدف النهائي الإيراني أن يكون الموقف بالنسبة إليها في حالة الاتفاق، هو نفسه من دون اتفاق. بتضييق المسافة الفاصلة بين وجود اتفاق أو من دونه، سواء في اتجاه رفع قدراتها النووية وتطويرها، أو بتثبيت حزمة مكاسب وحوافز اقتصادية أميركية وأوروبية. وبعد كسر إيران حاجز الـ 20% والاقتراب من نسبة 60% في إثراء اليورانيوم، صارت طهران دولة نووية “وشيكة” أي قيد الوصول إلى العتبة النووية. أما عن المفاوضات الجارية في فيينا، فأقصى ما يمكن توقعه منها، مباركة إيران واعتمادها قوة نووية جديدة.
العربي الجديد