الاحتفاء انقلب إلى تلاوم داخلي.. الإسرائيليون أدركوا متأخرين أن انسحاب ترامب من النووي الإيراني كان خطأ

الاحتفاء انقلب إلى تلاوم داخلي.. الإسرائيليون أدركوا متأخرين أن انسحاب ترامب من النووي الإيراني كان خطأ

القدس المحتلة- في مايو/أيار 2018، عندما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتئذ، بنيامين نتنياهو، إلى إعلان “النصر”، حين عرض في مؤتمر صحفي سرقة الموساد للأرشيف النووي الإيراني.

لكن الاحتفال الإسرائيلي بالنصر المزعوم من قبل نتنياهو بدا الآن مفقودا ووهميا، عقب تصريحات رئيس الموساد السابق يوسي كوهين، خلال أعمال مؤتمر الأمن القومي لصحيفة “هآرتس”، الذي انطلق تزامنا مع الجولة السابعة من مفاوضات فيينا.

وقال كوهين “من المعروف أن إيران رفعت معدل تخصيب اليورانيوم بشكل كبير منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، ويجب وقف ذلك، ويجب أن يكون تدمير المنشآت النووية جزءا من العودة للاتفاق النووي”.

وشكك رئيس الموساد السابق بإمكانية أن تفضي مفاوضات فيينا إلى “اتفاق جيد” لإسرائيل، مؤكدا أن “الاتفاق الذي سيشمل تفكيك المنشآت النووية في “نطنز” و”بوردو” هو وحده الذي “ستعدّه تل أبيب اتفاقية جيدة”.

وشدد كوهين على أنه ينبغي لإسرائيل -من وجهة نظره- الاحتفاظ بقدرة عسكرية مستقلة من أجل إحباط البرنامج النووي الإيراني، قائلا “لا أعتقد أن ذلك مستحيل، فإذا أرادت إسرائيل التخلص من النووي الإيراني تستطيع ذلك، وسيتعين علينا القيام بذلك”.

جولة سابعة من محادثات الاتفاق النووي الإيراني بدأت اليوم الاثنين في فييناإسرائيل تقول إن تفكيك منشآت المشروع النووي الإيراني هو فقط الاتفاق الذي قد تقبل به (غيتي)
غطّوا في سبات عميق
في هذه الأثناء، تحدثت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عن علم القيادة الإسرائيلية منذ عام 2019 أن إيران تتقدم بسرعة نحو إنتاج قنبلة نووية “لكنها لم تفعل شيئا لمنع ذلك”.

وكتب محرر الشؤون العسكرية والأمنية في الصحيفة، يوسي يهوشع، أن شعبة الاستخبارات وهيئة رئاسة الأركان ووزير الدفاع ورئيس الحكومة نتنياهو، والطاقم الوزاري الأمني المصغر، كانوا جميعا على علم بتسريع إيران جهودها للوصول إلى سلاح نووي في عام 2019، لكنهم لم يفعلوا شيئا.

ورأى يهوشع أن سلسلة من الأخطاء المقلقة في دائرة صناعة القرار الإسرائيلية، آنذاك، باتت تستدعي الفحص والتحقيق. وتساءل عما إذا “غطت القيادة الإسرائيلية في سبات عميق ولم تنهض على وقع تلك التطورات الخطيرة”.

وبينما أمر رئيس هيئة الأركان العسكرية أفيف كوخافي في الأسابيع الأخيرة الجيش بالتأهب والتحضير لهجوم عسكري ضد إيران، يقول يهوشع “لماذا لم يكن هذا الخيار متوفرا من قبل عندما علموا أن إيران سرّعت مشروعها النووي، وتتقدم بخطى سريعة نحو القنبلة النووية” وبالحرف، حمل الكاتب المسؤولية لما وصفه بـ”التقصير” من جانب حكومة بنيامين نتنياهو، حينئذ.

في حملة اللوم والمراجعة أيضا، يقول وزير الأمن الإسرائيلي السابق موشيه يعالون، الذي عارض بشدة الاتفاق مع إيران عام 2015، إن “الاتفاق النووي وقتئذ كان سيئا، لكن قرار ترامب الانسحاب منه كان أسوأ”.

وحسب يعالون، فإن خطوة ترامب التي احتفل بها نتنياهو، في ما يتعلق بقضية النووي الإيراني، كانت خطأ العقد؛ فمنذ لحظة انسحابه من الاتفاق، كانت هناك حاجة إلى خيارات بديلة كأن تتجهز إسرائيل لعملية عسكرية ضد إيران “التي عليها أن تختار بين حيازة قنبلة نووية أو بقاء النظام”.

وانضم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، غادي آيزنكوت، إلى الأصوات الناقدة لانسحاب ترامب بشكل أحادي من الاتفاق النووي مع إيران، قائلا إن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي كان قرارا سلبيا على إسرائيل، “فقد حرر إيران من الرقابة ومن بنود الاتفاق، ودفع بمشروعها النووي إلى مرحلة أكثر تقدما”.

وأوضح آيزنكوت في مؤتمر سياسي-أمني، في جامعة رايخمان الإسرائيلية، أن سياسة ترامب للضغط على إيران لم تؤدّ إلى انهيار النظام، ولن تدفع طهران إلى التخلي عن المشروع النووي، بل إن انسحاب ترامب عزز من التهديد النووي الإيراني والقدرة الصاروخية لطهران.

مسؤولون إسرائيليون يلومون نتنياهو لاحتفاله بانسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي وذلك سمح لها بتطوير مشروعها (الجزيرة)
المسؤولية على نتنياهو
بدا وزير الأمن الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، أكثر حدّة حين وجه انتقادات شديدة لنتنياهو، وتعمّده الصدام مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، عام 2015، حين تم التوقيع على الاتفاق النووي، وحمّله مسؤولية وتداعيات انسحاب ترامب من الاتفاق.

وتحت عنوان “حول الخطوات التي يجب على إسرائيل اتخاذها ضد إيران”، كتب باراك مقالا في صحيفة “يديعوت أحرونوت” اتهم فيه نتنياهو بحضّ ترامب على الانسحاب من الاتفاق في عام 2018، قائلا إن “الانسحاب الأحادي خطوة تنطوي على هوس، فقد سمح لإيران ومكّنها من التقدم نحو دولة عتبة نووية”.

وتتضح خطورة الإخفاق الذي حدث، حسب باراك، “عندما ندرك أن التحضير لخيار عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني يتطلب بضع سنوات ومساعدة أميركية ضخمة”.

بيد أن نتيجة ذلك، وفقا لباراك، “هو المأزق الذي تعيشه إسرائيل الآن، ففي غضون أشهر معدودة يمكن أن تصبح إيران دولة نووية ولا يمكن وقفها ومنعها من الوصول إلى أسلحة نووية في أي وقت تختاره”.

ويعتقد أن إيران تسعى من خلال تملكها السلاح النووي إلى الحفاظ على بقاء النظام وحرية العمل في الخليج، وتعزيز مكانتها الإقليمية والعالمية، وتحصين ذاتها من أي تدخل أو هجوم يستهدفها، وتحقيق توازن إستراتيجي قبالة إسرائيل في الشرق الأوسط.

لكن باراك أيضا استبعد إمكانية أن تغير أميركا أولوياتها المتمثلة في النزاع مع الصين، وتقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط، أو أن تنجح تل أبيب الآن في إقناع واشنطن بشنّ هجوم ضد النووي الإيراني، قائلا “ليس واضحا أبدا إذا كانت بحوزة أميركا أو إسرائيل حاليا خطة عسكرية قابلة لتنفيذ هذا الهدف”.

ورغم ذلك، يعتقد باراك أن تل أبيب بحاجة ملحة إلى تنسيق وثيق مع أميركا لمواجهة إيران، مشيرا إلى أن “إيران نووية” بمنزلة تغيير يسيء جدا إلى الوضع الإستراتيجي لإسرائيل.

ويعتقد شيلح أيضا أن العمليات المنسوبة لإسرائيل، التي شملت المنشآت النووية الإيرانية، “لم تكن ذات جدوى”، فإسرائيل توجد اليوم في موقف لا صلة له بالمفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووي، وحيث لا تخفي الإدارة الأميركية أن إسرائيل في نظرها تكاد تكون مصدر إزعاج، وقدرتها على التأثير تكاد تكون معدومة.

وتساءل الباحث: ماذا بإمكان إسرائيل أن تفعل في هذه المرحلة؟ ويعتقد أنها “مطالبة بوقف الغطرسة والتهديدات العسكرية التي لا يأخذها أحد على محمل الجد”، إلى جانب تشكيل جبهة إقليمية واسعة، مع الدول التي تشعر بالقلق من احتمال أن تصبح “إيران نووية”.

وفي ظل غياب رؤية بديلة، يعتقد شيلح أن إسرائيل مطالبة بمواصلة الحملة السرّية، بمساعدة من دول صديقة على التفكير في توسيع النقاش ضد طهران، وخلق التحديات لإيران على جبهات أخرى، وتهديد مصالحها، والعمل بهدوء على خيارات عسكرية كملاذ أخير لإحباط الخطر النووي.

المصدر : الجزيرة