الفلسطينيون يريدون حلّ الدولة الواحدة، شيء لا يشاركهم فيه قادتهم

الفلسطينيون يريدون حلّ الدولة الواحدة، شيء لا يشاركهم فيه قادتهم

يميل الفلسطينيون عاما تلو الآخر نحو تبني حل الدولة الواحدة في مقابل رفض حل الدولتين، في حين تسير السلطة الفلسطينية عكس الرأي العام، وهي التي عجزت عن وقف تدمير عملية السلام من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ووقف التقارب الإسرائيلي مع دول عربية، فباتت تفقد موقعها القيادي للشعب معنويا، لكنها أصبحت خط الدفاع الأول عن إسرائيل ضد انتفاضات الشارع.

واشنطن – لم يعد حل الدولتين يحظى بشعبية كبرى في أوساط الفلسطينيين، وفق ما تؤكده استطلاعات للرأي، وذلك بالرغم من تشديد الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة جو بايدن على التزامها بحل الدولتين في النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وتتبلور اتجاهات الرأي العام الفلسطيني حول هذه المشاعر منذ سنوات، ووفقا للبيانات الصادرة مؤخرا عن مركز القدس للإعلام والاتصال، يتضاءل دعم إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل باطراد بينما يزداد دعم حل الدولة الواحدة وإنهاء احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية بين الفلسطينيين.

كما كشف تقرير سابق لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بالتعاون مع المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي أن أقل من 40 في المئة من الجمهور الفلسطيني يؤيدون حل الدولتين على حساب بدائل الدولة الواحدة.

ويقول جوزيف دانا المحلل المختص في شؤون الشرق الأوسط والأدنى إنه لا ينبغي أن تكون نتائج استطلاعات الرأي بشأن دعم حل الدولتين بين الفلسطينيين مفاجئة لمراقبي النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.

جوزيف دانا: استقرار السلطة مقياس لمعرفة موعد التغيير في فلسطين

ويكمن السؤال الآن في إلى متى ستحتفظ القيادة على جانبي الصراع بالوضع الراهن قبل عودة الفلسطينيين إلى الشوارع بقوة. إذ أن جوهرة التاج في الوضع الحالي هي السلطة الفلسطينية.

ويضيف دانا أنه ليس من الصعب معرفة سبب تراجع الدعم لحل الدولتين. فقد شاهد الفلسطينيون إسرائيل وهي ترسخ احتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية إلى درجة غير مسبوقة على مدى العقدين الماضيين مع تراجع المجتمع الدولي بدرجات متفاوتة.

ولم يعد ما تبقى من عملية السلام يلقى تنديد جميع الأطراف سوى عبر الخطب، بعد أن لبّى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب العديد من المطالب الإسرائيلية، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى الفلسطينيين هو أن العديد من الدول العربية أقامت علاقات أو اتفاقيات سلام قوية مع إسرائيل في غياب حل عادل للصراع. حيث كان تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي وكذلك الاعتراف الأميركي بمطالب إسرائيل بالقدس هو الجزرة الكبيرة لإسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام حقيقي مع الفلسطينيين. لكن كليهما حدث دون أي تغيير في الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وشجع هذا الدعم الدولي الجديد إسرائيل على ترسيخ الاحتلال.

وتبدو الصورة قاتمة بنفس القدر عندما يتعلق الأمر بالشؤون الفلسطينية الداخلية. حيث إن القيادة الفلسطينية معزولة عن غضب الشارع. وهو ما ترك العديد من الفلسطينيين يتساءلون كيف يمكن لقيادييهم أن يرشدوهم للمضي قدما بعد أن فشلوا في وقف تدمير ترامب لعملية السلام أو التقارب الإسرائيلي مع الدول العربية.

وفي نفس الوقت، لا يبدو أي مؤشر على تضييق الفجوة بين قيادة حماس في غزة وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية. ويقترب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، البالغ من العمر 86 عاما، من عامه العشرين من ولايته التي تبلغ أربع سنوات، بعد أن ألغى مؤخرا الانتخابات التشريعية.

وقال أكثر من 70 في المئة من المستطلعين في استطلاع الرأي لمركز القدس للإعلام والاتصال إن على عباس أن يعلن بسرعة موعدا جديدا للانتخابات. وعلى الرغم من الطبيعة الشديدة لتحديات الفلسطينيين، فإن هذه المشكلات ليست جديدة في الأساس.

وفي حين أن التغييرات المهمة في الوضع الراهن لا تبدو وشيكة، فإن إسرائيل قلقة للغاية بشأن الاستقرار طويل الأمد للسلطة الفلسطينية إلى درجة أنها تضغط على الحلفاء الأوروبيين والعرب لزيادة تبرعاتهم لعباس. وقد تبدو دعوات إسرائيل للحصول على دعم مالي للسلطة الفلسطينية غير منطقية على السطح، لكنها تكشف منطق الاحتلال الداخلي.

ويقول جوزيف دانا إن السلطة الفلسطينية أصبحت الأداة الأكثر فاعلية لإسرائيل لاستمرار قمع الشعب الفلسطيني. وتعدّ قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، التي درّبتها وجهزتها إسرائيل والولايات المتحدة والأردن، خط الدفاع الأول للمصالح الإسرائيلية في الضفة الغربية. وتتصدّى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية أولا لأي احتجاج فلسطيني ضد الاحتلال.

ويشير إلى أنه من خلال التبرعات من الدول الأوروبية والعربية، يمكن للسلطة الفلسطينية أن تخصص أموالا كافية لإبقاء موظفي الخدمة المدنية الفلسطينيين مطيعين وغير راغبين في المخاطرة بكل شيء مع انتفاضة جديدة.

وستحافظ إسرائيل على هذه الاستراتيجية من خلال المزيد من الدعم للسلطة الفلسطينية.

وفي السنوات الأخيرة، تضاءلت التبرعات للسلطة الفلسطينية من 1.3 مليار دولار في 2011 إلى بضع مئات من الملايين. وقد دفع هذا البعض في الحكومة الإسرائيلية، مثل وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج، إلى الضغط مباشرة على الدول الأوروبية لزيادة التبرعات قائلا إنه من مصلحة إسرائيل أن تكون السلطة الفلسطينية “قوية ومستقرة”.

ولا يحتاج المرء إلى درجة علمية متقدمة في سياسات الشرق الأوسط ليرى كيف أن ديناميكيات الفلسطينيين الذين ضاقوا ذرعا والذين لا يستطيعون الابتعاد عن الذراع الطويلة للاحتلال الإسرائيلي تشكّل صندوق بارود.

وتعلمت إسرائيل جيدا كيفية تشديد سيطرتها على السكان المضطربين من أمثلة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وروديسيا. وأظهر نموذجها الفريد للسيطرة استمرارية أطول بكثير من الأنظمة المماثلة الأخرى.

ومع ذلك، يشير جوزيف دانا إلى أن التاريخ يعلمنا أن أنظمة الأقليات هذه القائمة على السلوك غير المتكافئ والتمييزي لا تدوم إلى الأبد. وقد يبدو الاحتلال صارما، لكنه سيتغير ويتحول في المستقبل. لكن استقرار السلطة الفلسطينية هو أفضل مقياس لمعرفة متى سيترسخ التغيير في فلسطين. وسيدخل الصراع فصلا جديدا ومجهولا عندما تنهار السلطة الفلسطينية.

سنديكيشن بيورو

 

العرب