يستذكر العراقيون هذه الأيام مرور 4 سنوات على انتهاء المعارك الرئيسية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وإعلان رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 2017 هزيمة تنظيم الدولة واستعادة كل المناطق العراقية، وآخرها مدينة الموصل، من قبضة التنظيم بعد 3 سنوات من القتال العنيف.
وبعد سنوات من إعلان النصر، أعادت خلايا التنظيم في الآونة الأخيرة تجميع فلولها، وبدأت تنفيذ هجمات مباغتة تستهدف النقاط العسكرية والأمنية، وتغتال قادة محليين، وتهاجم شبكات لنقل الكهرباء ومنشآت نفطية.
ويرى الخبير العسكري والإستراتيجي الدكتور أمير الساعدي أن الحرب على تنظيم الدولة في العراق هي قاعدة انطلاق للقضاء على نشاط أو تغول أذرع هذا التنظيم في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
ويضيف للجزيرة نت أنه عندما تم إسقاط رمزية “الخلافة” في مدينة الموصل (شمالي العراق)، سقطت معها كل نقاط قوة التنظيم في مناطق انتشاره، سواء كانت في أفريقيا أو في آسيا أو في الشرق الأوسط، وبهذا استطاع العراق أن يعطي درسا عن إمكانيات وقدرات تعاضد القوى المحلية والإقليمية والدولية لإيقاف هذه الهجمة البربرية.
وشدد على أن الانتصار لم يكن عسكريا فقط، بل هو انتصار لرغبة وقوة الشعب في إرادة حقيقية رافضة لهذا التطرف، وعندما أعلن قتال التنظيم هبّ الجميع من مختلف الطوائف تحت مسمى واحد هو الدفاع عن الوطن، والحفاظ على سلام الشعب.
وأشار الساعدي إلى أن النصر تكللت به كثير من الأوجه والمستويات المجتمعية والسياسية والوطنية العراقية.
ويدعو الخبير الإستراتيجي إلى الاستفادة من هذا الدرس الكبير واستثمار النصر بملاحقة جذور ومسببات هذا التطرف وهذا الإرهاب في الساحة، ورغم القضاء على نحو 95% من هذا التنظيم، فإن جذوره وأسبابه لا تزال نشطة بشكل أو بآخر.
الدروبي يرى أن إعلان النصر على تنظيم الدولة كان مجرد حركة إعلامية – الجزيرة نتالدروبي يرى أن إعلان النصر على تنظيم الدولة كان مجرد دعاية إعلامية (الجزيرة نت)
نشأة التطرف
ويرى الكاتب والباحث السياسي الدكتور أنمار نزار الدروبي أن التنظير للإرهاب والعنف الدموي هو الأساس الذي نشأت عليه التنظيمات المتطرفة في العراق، والتي تعمل بقوة لإعادة صياغة المجتمع العراقي وفقا للنموذج الإسلامي المتصور في أذهانها.
ويبين للجزيرة نت أن ذلك يعود لسببين مهمين، أولهما فشل النماذج الليبرالية واليسارية وغيرها في تقديم مشروع حضاري نهضوي يضعها على طريق التقدم والنمو، وثانيهما هو سياسة الإقصاء والتهميش والاعتقالات والتغييب لطائفة معينة، بالإضافة إلى قرار حل المؤسسات الأمنية والعسكرية بعد الاحتلال.
ويرى الدروبي أن “نشأة التنظيمات المتطرفة في العراق جاءت عن طريق تسييس الدين وأدلجته، وعندما يكون الهدف بعيدا عن الدين، يفقد روحه الإنسانية وتحل في ثناياه روح التوحش”، ومن هنا انطلقت الجماعات الأصولية في العراق ليصبح الإرهاب مشروعا لها وليس وسيلة، خاصة وأن هذه الجماعات كانت ولا تزال تدعمها مخابرات دولية عالمية، موضحا أن دعمهم هذا جاء وفق حسابات التوازن السياسي.
ويعتقد أن “الأيديولوجيات التي تعبر عنها الجماعات المتطرفة في العراق كالقاعدة وتنظيم الدولة، والجماعات الدينية السياسية، وكذلك حركات وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي المتطرفة، أدت إلى عولمة ظاهرة الإرهاب وأصبحت عابرة للحدود”.
واعتبر الدروبي أن تنظيم الدولة أسهم كثيرا في عولمة التطرف، إذ استطاع أن يستقطب آلاف المتطرفين من أنحاء العالم إلى الشرق الأوسط، في مؤشر واضح على عولمة ظاهرة التطرف، وتطور أدواتها وتحوّل أهدافها.
وحذر الكاتب والباحث السياسي من أن أيديولوجية التنظيم وأفكاره ستبقى مصدر إلهام للجماعات المتطرفة، ما لم يتم القضاء على الأسباب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي أدت إلى ظهورها.
استهداف قوات الحشد لمسلحي التنظيم بالصواريخ في محافظة صلاح الدين – رويترزاستهداف موقع لتنظيم الدولة بالصواريخ في محافظة صلاح الدين (رويترز-أرشيف)
مصير التنظيم
وينفي الدروبي تحقيق الانتصار النهائي على تنظيم الدولة في العراق، ويقول إن “الإعلان عن النصر كان مجرد دعاية إعلامية، بدليل أن التنظيم ما زال يقوم بعملياته في بعض محافظات العراق مثل ديالى (شرق) وكركوك وأربيل (شمالا)”.
ويضيف أن هذا يدل على أن خيوط المؤامرة واضحة، وكل ما جرى وما زال يجري من إرهاب في العراق يؤكد على ذلك، “فمنذ 7 أعوام سمعنا الكثير من التصريحات والتحليلات لكثير من السياسيين والمسؤولين العراقيين، وهم يتحدثون عن القضاء على تنظيم الدولة، لكن ما يحصل هو العكس، فبين الحين والآخر ينفذ التنظيم عمليات دموية”.
ويؤكد الدروبي أن التنظيم لن ينتهي بتحرير الموصل لعدة أسباب، أبرزها سياسة التهميش والإقصاء التي تمارسها الدولة ضد أبناء الموصل، وكذلك وجود المليشيات وفرض سيطرتها على المحافظة، حيث تمارس هذه الفصائل سياسة التخويف والرعب ضد أهالي المحافظة، وكذلك اعتقال شباب ورجال المحافظة بتهمة قانون سيئ الصيت (4 إرهاب).
ويتابع بالقول: كذلك الفساد المالي والإداري المستشري في المحافظة، وعدم السماح لأهالي محافظة نينوى النازحين بالعودة إلى بيوتهم، حيث ترفض فصائل الحشد الشعبي ذلك بذريعة أنهم إرهابيون”.
وعن مصير مسلحي التنظيم يشير إلى أن معظم المسلحين فروا إلى مناطق لم تسيطر عليها الدولة مثل منطقة الجزيرة في محافظة الأنبار، وبعضهم تمركز على الحدود العراقية السورية، والقسم الآخر يوجد حاليا في المنطقة المحاذية لسلسلة جبال حمرين الممتدة من محافظة ديالى شرقا إلى محافظة صلاح الدين شمالا، والبعض منهم يختبئ وينفذ عملياته في محافظة كركوك المحاذية لإقليم كردستان.
ويشدد الدروبي على أن القضاء على الإرهاب لا يكون فقط عبر العمليات العسكرية والمواجهات الأمنية، بل يجب أن يتضمن معالجة الجوانب الفكرية والثقافية وإصلاحها.
عزو يعتقد أن التنظيم استغل ضعف التنسيق بين القوات الاتحادية وقوات إقليم كردستان للقيام بهجماته – الجزيرة نتعزو يرى أن التنظيم استغل ضعف التنسيق بين القوات الاتحادية والبشمركة للقيام بهجماته (الجزيرة نت)
خروقات جديدة
بدوره يقول أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمود عزو إن سبب الخروقات الأمنية في العراق يعود إلى التراخي الأمني من قبل القوات المسؤولة عن حفظ الأمن، وكذلك الثغرة الكبيرة في عملية جمع المعلومات الأمنية، وأيضا ضعف التنسيق الأمني بين الأجهزة المسؤولة عن جمع المعلومات.
وفي حديثه للجزيرة نت، بيّن عزو أن التنظيم استغل ضعف التنسيق بين القوات الاتحادية وقوات البشمركة التابعة لإقليم كردستان للقيام بهجماته، وزيادة تحركاته التي ترتبط عادة بحجم المشاكل السياسية الموجودة في العراق، في مرحلة ما بعد الانتخابات.
ويضيف أن التنظيم يحاول أن يستثمر هذه الصراعات السياسية بشكل واضح من أجل أن يرسل رسائل بوجوده، وأنه قادر على فك الصراعات السياسية التي يريدها، وهو قادر على أن يُستثمر حتى من أطراف سياسية، رغم عدم وجود دليل على ذلك.
وعلى مستوى المدن، يستبعد عزو أن يبادر التنظيم بأي هجوم على طريقة الذئاب المنفردة التي كان يتبعها سابقا، لكنه يعتمد الكمائن في المناطق الرخوة أمنيا في الصحراء المحصورة بين محافظتي الأنبار (غربا) ونينوى (شمال)، وكذلك في منطقة جبال حمرين وأيضا في جبل مخمور وغيرها من مناطق الرخوة.
صور ارشيفية من معارك بين عناصر الأمن العراقي ومسلحي التنظيم في مدينة الرمادي – رويترزصور أرشيفية من معارك بين قوات عراقية ومسلحي التنظيم في مدينة الرمادي (رويترز)
وفيما يخص كركوك، يقول المتحدث باسم حشد الحويجة أحمد خورشيد إنه بعد استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق كان هدف القوات العراقية دخول كركوك أكثر من تحرير الحويجة من تنظيم الدولة، لذلك هي تركت القرى والوديان، واكتفت بتطهير الطريق الرئيسي، ولم تلاحق الفلول في كثير من القرى والقصبات.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد خورشيد أن أسلوب القوات العراقية في مطاردة مسلحي التنظيم سمح لهم بإعادة تنظيم صفوفهم وشن عمليات بطريقة حرب العصابات.
وحذر خورشيد من أن تنظيم الدولة أصبح ألعوبة بيد السياسيين، ويتم استغلاله من أجل زعزعة الاستقرار في عملية معقدة ضمن سياسات المنطقة.
المصدر : الجزيرة