تكرار سيناريو نهاية 2011 الذي شهد انسحاب القوات الأميركية من العراق بعد نحو ثماني سنوات على دخولها البلاد وإسقاطها نظام صدام حسين، يبدو قريباً مع نهاية العام الحالي، ما يزيد المخاوف من حدوث إرباك أمني وتمدد كبير للفصائل المسلحة وتنظيم “داعش” في مناطق عدة من البلاد تعيش وضعاً أمنياً هشاً.
وجاءت عودة القوات الأميركية إلى العراق في عام 2014 ضمن منظومة التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، بطلب عراقي تقدم به رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، لمساعدة القوات العراقية في مواجهة تنظيم “داعش”، الذي استطاع في حينها الوصول إلى مشارف بغداد بعد انهيار القوات العراقية وانسحابها من محافظات نينوى، وأغلب مدن محافظات صلاح الدين والأنبار وأطراف كركوك.
بقاء المستشارين
وأعلن نائب قائد العمليات المشتركة العراقية الفريق أول ركن عبد الأمير الشمري، بعد اجتماع مطول مع قيادات الجيش الأميركي والتحالف الدولي المتواجدين في العراق، الاتفاق على تحديد الإطار العام لشكل العلاقة، مؤكداً أن الوحدات المقاتلة من التحالف الدولي انسحبت وأعادت انتشارها خارج العراق.
وأضاف أن “قوات التحالف الدولي سلمت القوات العراقية معدات ثقيلة قبل الانسحاب، وأعدادها بدأت بالتناقص منذ يوليو (تموز) الماضي”، مشيراً إلى أن “الجانب العراقي أبلغ التحالف عدم الحاجة لقوات برية، وأن القوات العراقية تسيطر على الأرض وتنفذ يومياً عمليات ناجحة ضد عصابات داعش الإرهابية”.
ونشرت خلية الإعلام الأمني، الخميس 9 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تفاصيل اجتماع اللجنة الفنية العسكرية العراقية.
وذكرت الخلية في بيان لها، أن “مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، استضاف اجتماعاً بين اللجنة الفنية العسكرية العراقية برئاسة نائب قائد العمليات المشتركة الفريق أول ركن عبد الأمير الشمري، ونظيرتها في قوات التحالف برئاسة قائد قوات عمليات العزم الصلب في العراق اللواء جون برينان (الولايات المتحدة الأميركية)، وعدد آخر من القادة المسؤولين في التحالف الدولي والسفارة الأميركية وقائد بعثة الناتو في بغداد الفريق مايكل لولزغارد (الدنمارك)”.
وبحسب البيان عرض اللواء جون برينان، أن ينهي التحالف بالكامل عملية الانتقال إلى المهام غير القتالية قبل نهاية العام الحالي، بموجب ما تم الاتفاق عليه”.
تواجد الحلفاء بدعوة بغداد
وتابع البيان أن “الأطراف المجتمعة أعادت التأكيد على أن أفراد التحالف الدولي سيكونون موجودين بدعوة من الحكومة العراقية، لتقديم المشورة والمساعدة وتمكين القوات العراقية في تحقيق أهدافها لحماية الشعب العراقي والقضاء على داعش”، مبيناً أن وجودهم يكون حصراً وفق السيادة العراقية والقوانين والأعراف الدولية.
وأكدت الحكومة العراقية بحسب البيان، التزامها مجدداً حماية أفراد التحالف الدولي وبعثة حلف شمال الأطلسي في العراق، كما أعادت الأطراف المجتمعة التأكيد على خطتها لإعادة تقييم التقدم الحاصل في هذه العلاقة بشكل فصلي، وضمن إطار مجموعة التنسيق الأمني العراقية.
وكان رئيس أركان الجيش العراقي الفريق الركن عبد الأمير يار الله أكد في سبتمبر (أيلول) الماضي أن القوات الأمنية قادرة على الإمساك بزمام الأمور بعد انسحاب القوات الأميركية. وقال إن “القوات المسلحة العراقية جاهزة وقادرة على تأمين بلدنا”، مبيّناً أن القوات الأميركية أوقفت الدعم للعراق منذ شهر مايو (أيار) الماضي.
وأضاف أن “القوات العراقية ستتمكن من الاستمرار في تأمين البلد. وكل تشكيلات القوات المسلحة العراقية جاهزة ومستعدة”.
تراجع الفصائل عن تهديداتها
ومنذ إصدار البرلمان العراقي قراراً بأغلبية شيعية لإخراج القوات الأميركية من العراق مطلع شهر يناير (كانون الثاني) 2020، لم تنجح القوى الشيعية في إقناع ممثلي العرب السنة والكرد بتأييد هذا القرار، الذي جاء عقب مقتل كل من قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس في غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي.
وورد في الاتفاق العراقي الأميركي انتهاء الأعمال القتالية للقوات الأميركية في العراق نهاية العام الحالي، وإبقاء هذه القوات لأغراض التدريب ومساندة القوات العراقية، الذي تم الإعلان عنه خلال استقبال الرئيس الأميركي جو بايدن رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض في يوليو الماضي، في خطوة مهمة تهدف إلى سحب كل الذرائع التي كانت تسوقها الفصائل المسلحة لاستهداف المصالح الأميركية في البلاد.
وتراجع زعيم “كتائب سيد الشهداء” أبو ولاء الولائي عن تهديداته التي أطلقها متوعداً باستهداف القوات الأميركية بحجة عدم انسحابها، بالتزامن مع إعلان نتائج الاجتماع العراقي – الأميركي، مبرراً التراجع إلى إعطاء المجال لمسيحيي العراق والشعب العراقي للاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية.
وأطلق الولائي نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حملة للتطوع من قبل أنصار تلك الفصائل لمواجهة القوات الأميركية في العراق في حال عدم انسحابها نهاية العام الحالي. وأظهرت مقاطع فيديو مجموعة ترتدي الزي العسكري تدّعي تلقيها اتصالات للانخراط ضمن الحملة من جميع المدن العراقية.
اقرأ المزيد
هل ستؤثر الأحداث في العراق على الانسحاب الأميركي؟
هل يتفادى العراق مصير أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي نهاية العام؟
آسيا الوسطى ما بعد الانسحاب الأميركي
مخاوف من عودة “داعش”
وأبدى مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية معتز عبد الحميد مخاوفه من ازدياد نفوذ “داعش” مجدداً بعد انسحاب القوات الأميركية، وأن يُعاد سيناريو عام 2011 بعد انسحابها ورجوعها مجدداً عام 2014.
وقال عبد الحميد إنه من المتوقع إعادة سيناريو انسحاب القوات الأميركية عام 2011، وعودتها مجدداً عام 2014 بعد نشاط “داعش” واحتلاله عدداً من المدن العراقية لعدم وجود إسناد كبير من قبل قوات التحالف الدولي”، لافتاً إلى أن التحالف الدولي له تأثير في تحرير الموصل والأنبار وتكريت من خلال مشاركة الطائرات الأميركية المقاتلة وطائرات الاستطلاع.
النشاط الأخير
وأضاف عبد الحميد أن “داعش” ينشط في نينوى وعلى الحدود العراقية السورية، وهناك قيادات من التنظيم قد هربت إلى مناطق سورية وتفكر بالعودة مرة ثانية إلى العراق بعد إعادة تنظيم نفسها، مشيراً إلى أن أبسط دليل على ذاك هو النشاط الأخير من قبل عناصر “داعش” في بعض القرى الواقعة في المناطق بين سلطتي الحكومة الاتحادية والإقليم، كما حدث في قرية اللهيبان التي تعتبر ممارسة خطرة بشكل لا تستطيع القوات العراقية وقوات البيشمركة حماية المواطنيين.
التدخلات في الملف الأمني
وبين أن القوات الأميركية لديها قاعدة في أطراف أربيل وكذلك قاعدة في عين الأسد، إلا أنه بموجب الاتفاقية تبقى هذه القوات في مجال التدريب وتقديم الاستشارة، محذراً من التدخلات الخارجية التي تؤثر سلباً على مجال التعاون مع دول الجوار في حماية الحدود. فهناك بعض الأطراف تشكك بدول الجوار وترفض التعاون العسكري معها.
العراق بحاجة للطيران الأميركي
وأكد عبد الحميد حاجة العراق لقدرات واشنطن الجوية، لا سيما في مجال الاستطلاع لحماية أجوائه، مشدداً على ضرورة عقد اتفاقات مع الإدارة الأميركية في هذا الإطار.
وعن إمكانية أن تقوم الحكومة العراقية بنزع سلاح الميليشيات، لا سيما بعد إزالة مبررات وجودها بعد خروج القوات الأميركية من العراق، بين عبد الحميد أن الحكومة العراقية ليس لها قدرة للسيطرة على السلاح المنفلت، وهي ضعيفة في الوقت الحاضر ولا ترغب بفتح هذا الملف، لا سيما وأنها حكومة تسيير أعمال.
ونجحت القوات المسلحة العراقية في خفض معدلات هجمات تنظيم “داعش” خلال الأشهر القليلة الماضية في محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين عبر سلسة من العمليات العسكرية المدعومة من طيران التحالف الدولي، إلا أن هذه العمليات لم تمنع التنظيم من شن هجمات بين الحين والآخر تستهدف مناطق جولاء وخانقين وأطراف المقدادية في ديالى ومحيط الحويجة في كركوك، وأطراف قضاء طوز خرماتو والجزيرة وأطراف بلد والدجيل في محافظة صلاح الدين.
وتمثل سلسة جبال وتلال حمرين الممتدة بين ثلاث محافظات عراقية شمال البلاد وهي ديالى وصلاح الدين وكركوك، قاعدة أساسية ومهمة لانطلاق هجمات “داعش” على مناطق واسعة من هذه المحافظات وصولاً إلى أطراف العاصمة بغداد.
إرباك أمني
بدوره، حذر الكاتب الصحافي علي البيدر من أن انسحاب القوات الأميركية من العراق سيُحدث خللاً في موازين القوى الأمنية العراقية، ويسهم في تراجع مستواها الأمني في كثير من المناطق.
وقال إن “انسحابهم من العراق سيحدث إرباكاً في المشهد الأمني. فهناك تخوف كبير من قبل جهات كثيرة في العراق”، واصفاً الانسحاب الأميركي بالانتحار الأمني للدولة العراقية، لأنها تدرك تماماً أنها بحاجة ماسة وكبيرة لقوات واشنطن، لا سيما وأن مهمة محاربة “داعش” لم تنته بعد.
ورجح استمرار الإدارة الأميركية بدعم القوات العراقية حتى وإن انسحبت، لكون العراق يمثل مرتكزاً مهماً في منطقة الشرق الأوسط.
اندبندت عربي