أدى وصول المنتخبين الجزائري والمغربي لكرة القدم إلى لقاء حاسم بينهما في مسابقة «كأس العرب» إلى توتّر لا يستند فحسب إلى روح التنافس الرياضية، بل يمكن ربطه أيضا بأشكال الخلاف المتصاعدة بين البلدين على قضايا سياسية عديدة.
حاولت الجاليات المغاربية في قطر، حيث تقام المباريات، امتصاص التوتّر عبر فعاليات موسيقية ضمّت أشكالا من تراث البلدين، وقد حاول مشجعون جزائريون ومغاربة، كما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية» تجاهل النزاع السياسي القائم بين البلدين والتركيز على «متابعة اللعب الجميل» وترديد جمل مثل أن «السياسة لا تتفق مع الرياضة».
لكن وقائع التوتر الذي رافق المباراة، والتداعيات التي تلتها، تدلّ على أن السياسة تخترق الرياضة، وأن الأمر يفيض عن النزاع الجزائري – المغربي المعلوم الذي شهد الجزائريون والمغاربة فصولا غير مسبوقة فيه في الأشهر الأخيرة فانضاف قطع الحدود إلى قطع العلاقات الدبلوماسية ووقف أنبوب الغاز الجزائري نحو اسبانيا عبر المغرب وإصدار قيادة «البوليساريو» تصريحات تفيد بعودة «الكفاح المسلح» في الصحراء الغربية، واستهداف شاحنة جزائرية، وصولا إلى وضع يهدد بانفجار حرب.
كان الأبرز في توسّع الأمر عن النزاع بين البلدين استخدام مارين لوبان، زعيمة اليمين العنصري الفرنسي، ما حصل من احتفالات جزائرية بالفوز في فرنسا لتهديد الجزائريين بـ»العقاب خلال أربعة أشهر» (أي موعد الانتخابات الفرنسية) وكذلك ما حصل من رفع المشجعين الجزائريين للأعلام الفلسطينية، واحتفال فلسطينيين بفوز منتخب الجزائر، وهو ما يعكس التطوّرات الأخيرة والخطوات التي اتخذتها السلطات الجزائرية لدعم السلطة الفلسطينية وحركة «حماس». على الصعيد الشعبي كان واضحا حصول بلبلة بين جمهوري المغرب والجزائر، فمن جهة ظهرت إعلانات عن ضرورة الانفكاك عن الخلافات السياسية والتركيز على العلاقة بين الشعبين اللذين تربطهما علاقات تاريخية وثيقة، فناشد موقع «360 رياضة» المغربي الجمهورين «لممارسة كرة القدم لا الحرب» كما نشر العديدون رسائل صداقة.
ليس من غير دلالة، في هذا السياق، أن يقول أشخاص، مثل كريم طابو، أحد رموز الحراك في الجزائر: «آمل من صميم قلبي أن يكون لقاء الرياضة فرصة للنظر إلى بعضنا البعض بقلب منفتح على الأخوة والمودة» فهذه الرسالة تتجاوز التأكيد على العلاقة التاريخية العميقة بين الشعبين، وعن الضرر الشامل الذي يمكن أن يترتب على العداء، أيّا كانت أسبابه. الرسالة التي لا يقولها الإعلان بشكل صريح هو أن هناك أطرافا سياسية تستثمر في قضايا النزاع والخصومة والعداء بين الشعوب، وأن أحد الأهداف المطلوبة في أي حراك شعبي في الجزائر أو المغرب هو الاستثمار المعاكس في التقريب بين البلدين وليس تسعير أجواء الحرب بينهما.
القدس العربي