معطيات عدة تشير إلى اقتراب إيران من تحقيق هدفها في الحصول على ما يكفي من المواد اللازمة لإنتاج السلاح النووي، في مقابل خطط غربية لمنعها من ذلك.
وبدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر صلابة في موقفها من رفع العقوبات عن إيران وفق شروط طهران، في ذات الوقت الذي لا تزال فيه الولايات المتحدة تدفع باتجاه استبعاد الخيار العسكري من قبلها أو من قبل إسرائيل، مع بقاء مثل هذا الخيار على طاولة صاحب القرار الأمريكي.
ولا تزال إسرائيل تشن عشرات الهجمات على مواقع إيرانية أو على صلة بإيران في سوريا واستهداف منشآتها النووية بعمليات تخريب، سواء بالتفجيرات أو اغتيال العلماء أو الاستهداف المباشر.
ومنذ تولي بايدن إدارة البيت الأبيض بداية عام 2021، بذلت إيران جهودا واضحة ومعلنة في مجال تخصيب اليورانيوم وبلوغها مستوى قريب من إنتاج السلاح النووي وفق ما أشارت إليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
تلك الوكالة أعلنت في وقت سابق أنه منذ قرار إيران في فبراير/ شباط الماضي وقف التزاماتها المتصلة بملفها النووي تعثرت جهود الوكالة في مراقبة الأنشطة الإيرانية، ما أتاح لطهران فرصة أكبر في المضي بتخصيب اليورانيوم.
وكانت إدارة دونالد ترامب التي انسحبت من صفقة الملف النووي في أيار/ مايو 2018 وأعادت فرض العقوبات على إيران، قد اشترطت العودة للمفاوضات إذا التزمت إيران بالتفاوض على ملفها النووي وبرنامجها لتطوير الصواريخ البالستية ووقف دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية.
لكن إيران رفضت ذلك، في حين ألغت إدارة بايدن شروط إدارة ترامب وعادت للتفاوض دون موافقة طهران التي لا تزال تشترط رفعا أمريكيا كاملا للعقوبات قبل الدخول في مفاوضات مباشرة.
وكررت إدارة بايدن مرارا رغبتها في العودة إلى اتفاق 2015، بينما واصلت إيران انتهاك شروط الاتفاق علانية منذ مايو/أيار 2018.
وبعد تعثر المفاوضات بين إيران ومجموعة العمل المشتركة في الجولة السابعة من المفاوضات نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ووصولها إلى طريق مسدود، استأنفت الولايات المتحدة مباحثاتها غير المباشرة مع إيران في فيينا في 9 ديسمبر/ كانون الأول الجاري وأحرزت بعض التقدم، وفق وسائل إعلام أمريكية.
وصرّح رئيس الوفد الإيراني علي باقري كني أن نظراء إيران في جولة مفاوضات 9 ديسمبر/ كانون الأول لديهم نيّة الدخول في حوار “مثمر” من أجل إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.
وتعتقد الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية أن فريق التفاوض الإيراني الجديد، وهو الفريق الذي يقوده باقري كني منذ الجولة السابعة خلفا لسلفه عباس عراقجي، لم يتقدم بمقترحات بناءة على الرغم من إحراز بعض التقدم في الجولات الست الماضية.
وتتركز استراتيجية “كني” الجديدة على تحقيق إزالة كاملة للعقوبات المفروضة على إيران وتسهيل حصولها على ما يلزم من الخبرات والتقنيات النووية للأغراض السلمية.
ويرى متابعون أن الموقف الإيراني “المتشدد” يأتي في ظل إدراك القيادة الإيرانية غياب الخيارات العسكرية في أولويات تعامل الولايات المتحدة مع ملفها النووي، إلى جانب موقف الولايات المتحدة غير الداعم لتلويح إسرائيل بالخيار العسكري في مقابل موقف روسي وصيني داعم للسياسات الإيرانية في ملفها النووي.
ويمكن لإيران في حال أفضت المفاوضات الى اتفاق، رفع العقوبات الأمريكية والأممية، والوصول إلى مئات المليارات المجمدة في البنوك الأجنبية لإنعاش اقتصادها أولا، ومواصلة دعم التنظيمات والجماعات التي تخوض حروبها بالوكالة في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
وكان الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني قد صرح في أبريل/ نيسان الماضي، أن بلاده تستطيع تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 90 في المائة.
وتشكك الولايات المتحدة بإمكانية التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران بعد وصول الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي إلى السلطة.
وصعدت إيران من خطابها الإعلامي ضد إسرائيل في تصريحات لوزير داخليتها أحمد وحيدي الذي هدد إسرائيل بأن أي خطوة ضد بلاده ستكون “آخر خطوة لها”، وأن إيران والقوى الحليفة لها بانتظار “اللحظة التي تخطئ فيها إسرائيل”.
وتتخوف إسرائيل من موقف الولايات المتحدة من تهديدات إيران على أمنها القومي ووجودها كدولة بعد تصريحات متتالية من كبار المسؤولين الإيرانيين هددوا بإزالة إسرائيل من الخريطة السياسية الدولية، حسب تعبير اللواء حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني.
وتتحدث تقارير إسرائيلية عن تبادل تل أبيب معلومات استخباراتية حساسة مع واشنطن وعدد من العواصم الغربية، تتعلق باتخاذ إيران خطوات متقدمة استعدادا لبلوغ تخصيب اليورانيوم ما يصل إلى درجة نقاء 90 في المائة، وهو ما يشكل مصدر قلق لإسرائيل.
ونقل راديو الجيش الإسرائيلي في 11 ديسمبر/ كانون الأول عن وزير الأمن بني غانتس، أنه أبلغ الولايات المتحدة بأنه أصدر أوامره للجيش الإسرائيلي بالاستعداد للخيار العسكري ضد إيران.
وبحث وزيرا الدفاع الإسرائيلي والأمريكي الجمعة 10 ديسمبر/ كانون الأول في البنتاغون، التنسيق العسكري لمواجهة الطموحات النووية الإيرانية، والجاهزية العسكرية امواجهة التهديد المشترك الذي تمثله إيران.
لكن البنتاغون قال إن الإدارة الأمريكية تعتقد أن الفرصة لا تزال متاحة لنجاح الدبلوماسية مع إيران بشأن برنامجها النووي.
ووفق صحف أمريكية نقلا عن مسؤولين أمريكيين، فإن جو بايدن طلب قبل عدة أسابيع من مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، مراجعة خطة البنتاغون المعدلة لاتخاذ إجراء عسكري إذا انهار الجهد الدبلوماسي، كما أوضح مسؤولو الإدارة الجهود الجديدة لتشديد العقوبات على إيران بدلاً من تخفيفها.
ووافقت إسرائيل على تخصيص ميزانية بنحو 1.5 مليار دولار لاستخدامها في إعداد قواتها لضربة محتملة تستهدف البرنامج النووي الإيراني، وبرنامج تطوير الصواريخ البالستية، باستخدام أنواع مختلفة من الطائرات والمسيرات وطائرات التجسس وأسلحة ذكية قادرة على اختراق التحصينات لمواقع المفاعلات النووية الإيرانية على أعماق مختلفة تحت الأرض.
لكن من المستبعد أن تنفذ إسرائيل هجوما على المفاعلات النووية الإيرانية لعدم الجهوزية العسكرية الكاملة لمثل هذا الهجوم، وفق محللين إسرائيليين يرون أن استراتيجية تل أبيب تتلخص في مواصلة العمليات السرّية في المدى القريب، مع استمرار التسلح والاستعداد ضمن الخيار العسكري لتنفيذ هجوم مستقبلي في إيران.
ويبدو من خلال متابعة المواقف الإسرائيلية، أن هناك إجماعا إسرائيليا ضد النووي الإيراني، واتفاقا بين مختلف الأحزاب السياسية على منع إيران من تطوير قدرتها النووية، وأن أي اتفاق بين طهران ومجموعة العمل المشتركة لن يكون ملزما لإسرائيل التي ستواصل الاعتماد على نفسها وتطوير خياراتها في مواجهة التهديدات الإيرانية بزوال إسرائيل.
وعلى الرغم من تصعيد حدة تصريحاتها ضد إسرائيل، تبقى إيران في دائرة القلق وعدم الشعور بالأمان من احتمالات توجيه إسرائيل ضربات جوية وصاروخية على مواقع مفاعلاتها النووية.
كما أن المتغيرات التي شهدتها المنطقة تزيد من قلق إيران التي راهنت طويلا على الخلافات بين إسرائيل والسعودية من جهة، ودول إقليمية مهمة مثل تركيا وبعض الدول العربية من جهة أخرى.
(الأناضول)