هل أسقط التدخل العسكري الروسي الإستراتيجية الإسرائيلية الكبرى؟ من الإستراتيجية الكبرى الإسرائيلية.. أهداف و مكونات ، أبعاد و نتائج)

هل أسقط التدخل العسكري الروسي الإستراتيجية الإسرائيلية الكبرى؟ من الإستراتيجية الكبرى الإسرائيلية.. أهداف و مكونات ، أبعاد و نتائج)

349

قبل أسابيع قليلة أعلنت المؤسسة السياسية و العسكرية الإسرائيلية عن تطور في الإستراتيجية الإسرائيلية و إرتقاء إلى مستوى الإستراتيجية الكبرى ، و في هذا الإطار فإن هذا القرار ينطلق من روية إستراتيجية قوامها أن منطقة الشرق الأوسط و الخليج و البحر الأحمر وصولا غلى السواحل الغربية للمحيط الهندي في الجنوب و سوريا و لبنان و الأردن و العراق في الشمال  مشمولة بهذه الإستراتيجية.

و لعل ذلك يفسر قرارات أخرى إتخذت  لتشكل حجر أساس في هذا البناء الإستراتيجي منها :

–      إنشاء قيادة عمق في البحر الأحمر لإدارة هذه الإستراتيجية في هذه المنطقة أو هذا المجال .

–      الإعلان عن منطقة البحر الأحمر و الخليج كإحدى المناطق المشمولة في هذه الإستراتيجية من خلال قرار إعتبارها ضمن المركز و القلب و ليس الأطراف و الهامش .

–      الإعلان مؤخرا عن إنشاء قيادة عمق جديدة في الشمال لتشكل مع قيادة العمق في الجنوب نسقا إستراتيجيا واحدا .

–      نشر قوات في المناطق التي تشكل مجال حيوي إستراتيجي إسرائيلي في البحر الأحمر و البحر المتوسط و حتى في المحيط الأطلسي .

 نظرية الفراغ و ملأ الفراغ :

يذهب الخبراء في الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية و بينهم اللواء المتقاعد محمد خالد إلى أن القيادة الإسرائيلية توصلت  إلى تقديرات إستخباراتية و أكاديمية وإستخلصت رؤى  نظرية إستراتيجية .

  • إختلال كبير طرأ على ميزان القوى و توزيع هذه القوى بين دول المنطقة و نجم عن هذا الخلل عن تحييد عدة جيوش عربية العراقي و الليبي و ربما السوري و أن هناك جيوش أخرى قد تواجه نفس المصير . هذا الخلل إستفحل و تفاقم و أصبح بنيويا نتيجة للصراعات و الحروب الأهلية التي طالت لمدة 4 أعوام و قد تطول لسنوات أخرى  ، تفترض النظريات و الرؤى الإستراتيجية الإسرائيلية أن القدرات العربية تآكلت مما نشأ فراغ ليس هناك أقوى و أجدر و أكفأ من إسرائيل لملأ هذا الفراغ عن طريق تبني إستراتيجية كبرى .

 الجنرال عاموس يدلن رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية السابق و رئيس معهد أبحاث الأمن القومي ذهب إلى التأكيد بان ما حدث في ظل هذه الصراعات ليس إنعدام التكافؤ في توزيع القدرات و إنما إختلال كبير وخطير جعل يد إسرائيل هي العليا و يد العرب هي السفلى أي خلل غير قابل للعلاج كما حدث في حرب 1967 .

إنطلاقا من التحليل  السابق أمكن من خلال رصد موازين القوى في المرحلة الراهنة  إنتهى هذا التحليل إلى تحديث 3 مستويات لميزان القوى في المنطقة

الأول : وجود عسكري غربي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة و خاصة في منطقة الخليج و في العراق و في تركيا و في جيبوتي و في أرييريا و كينيا بدعوى إدارة الحرب ضد داعش ، هذا الوجود هو ظهير و حليف لإسرائيل .

الثاني : القوى الإقليمية في المنطقة و هي إسرائيل تركيا و إيران . ظلت تحتفظ بتفوقها و قدراتها  .

أما الطرف الثالث : فهو العرب و دولهم المتصارعة و هم الطرف الخاسر  والطرف الأضعف في معادلة ميزان القوى بل أنهم على شفا هاوية و أنهم خارج المعادلة .

و هكذا اخذ متغير ميزان القوى في المنطقة في ظل غياب العامل العربي وحصره في القوى الإقليمية و الدولية أهمية إستثنائية لدى القيادة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة توجت بقرار الإعلان عن تبنيه الإستراتيجية الكبرى .

إسرائيل تعتبر نفسها أنها في موقع الأفضلية و الصدارة في سباقها مع الأطراف الإقليمية الأخرى بسبب خصوصية وضعها .

إسرائيل شريك إستراتيجي للولايات المتحدة و شريك في حلف الناتو .

عمق و إمتداد للغرب إستراتيجي ثقافي و إقتصادي و سياسي  (الولايات المتحدة و أوروبا حيث ينظر إليها ككيان غربي بكل معنى الكلمة ) هذه الخصوصية تجعلها تتفوق على تركيا و إيران بنقاط الفوز بالمكانة الإقليمية و بالتالي ملأ الفراغ الإقليمي الذي تدعيه .

 هل  أسقط التدخل الروسي نظرية الفراغ  ؟

كشف  التدخل العسكري الروسي في سوريا عن الكثير من جوانب القصور و كذلك المبالغة و التهويل في القدرة الإسرائيلية على تحدي ومبارزة قوة بحجم روسيا . القيادة الإسرائيلية ما تزال تعيش وهم إمتلاك القدرة العسكرية الباطشة الذي عشش في رؤوس قادتها و هنا نستحضر مثل هذا الوهم الذي سيطر على عقلية موشي ديان عندما هدد بضرب الإتحاد السوفييتي بالأسلحة النووية . وهم القوة و القدرة نتج و تولد عن إمتلاك إسرائيل لترسانة نووية تحتل المرتبة السادسة و السابعة و القدرة على توجيه الضربة الثانية . و غاب عن أذهان القيادة الإسرائيلية أن قنبلة  روسية واحدة تلقى على إسرائيل تجعلها أثرا بعد عين و أطلال دارسة  بينما لا تستطيع الترسانة الإسرائيلية برؤوسها النووية البالغة 300رأس أن تمحو روسيا عن الخارطة . إسرائيل ستحاول أن تدخل في مناوشات مع القوات الروسية و إستفزازها كما حدث في يوم الأحد 27 سبتمبر عندما هاجمت القوات السورية  اللواء 90 في مدينة القنيطرة.

لعل خير من عبر عن علاقات القوى بين روسيا و إسرائيل و الخبير الروسي في الشؤون العربية باسيلي كازنسوف عندما قال قد يستفز الأرنب أو الثعلب الأسد عن طريق مناوشته ، لكن ذلك لا يعني أن الأسد تحول إلى أرنب و أن الثعلب و الأرنب تحول إلى أسد ، كبرياء الأسد تكبحه عن توجيه ضربة مميتة إلى كل من الثعلب و  الأرنب . القيادة الإسرائيلية  و على خلفية الإنتشار الروسي مازالت واقعة تحت تأثير الصدمة و ينتابها قلق شديد وهرعت إلى حلفائها في واشنطن و باريس و لندن لمد يد العون لمواجهة هذا الإنتشار وتداعياته و إلى إقامة تحالف جديد لمواجهة ما أسمته بحلف روسي إيراني سوري لا يقل خطرا عن خطر الحركات الجهادية و الإسلامية .

قصارى القول التدخل الروسي و الذي تعزز بقرار إتخذه الإتحاد الروسي في يوم الأربعاء 30 سبتمبر بإجازة إرسال قوات خارج روسيا و خوض معارك عزز من هذا الموقف .

المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي في : 30/09/2015   

نقلا عن مركز الناطور للدراسات والابحاث