الأمير محمد بن سلمان يقود المملكة إلى حين اعتلائه العرش

الأمير محمد بن سلمان يقود المملكة إلى حين اعتلائه العرش

يمضي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مدفوعا بالدعم الشعبي والإعلامي نحو قيادة المشهد السياسي والإصلاحات التحررية في المملكة، ممسكا بكافة الخيوط ومديرا لأغلب العلاقات والملفات الصعبة، ما يجعل منه ملكا يقرر ويرسم المستقبل وينفذ رغم أنه غير متوّج بعد لكنه يحظى بغطاء من السلطة الحاكمة التقليدية التي تدعم طموحات الأمير الشاب للسير بالمملكة قدما نحو الانفتاح.

الرياض – يمثل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بلاده في المحافل الإقليمية والدولية ويقود جهودها للإصلاح المجتمعي والاقتصادي وينوب والده العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز حتى أنه صار يعدّ القائد الفعلي للمشهد السياسي في بلاده إلى حين اعتلائه العرش.

ويرى خبراء ودبلوماسيون أن ولي العهد السعودي يتحوّل من قائد فعلّي للمملكة إلى ملك غير متوّج، يستقبل الضيوف الأجانب ويترأّس قمما إقليمية تستضيفها بلاده، مع تقدم والده الملك سلمان في السن.

فقد أتاحت جائحة كورونا والمخاوف على صحة العاهل السعودي (85 عاما) لابنه الشاب (36 عاما) أن يتولّى زمام الأمور في اللقاءات العلنية والاستقبالات، فيما قلّل الملك سلمان من مشاركته في التجمعات.

ياسمين فاروق: هناك قبول شعبي وإعلامي لدور الأمير محمد بن سلمان
ولطالما اعتبر الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية منذ تعيينه وليا للعهد في يونيو 2017، لكنّه بات ينفرد مؤخرا بالمشهد مع استقباله الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون مطلع الشهر الجاري وترؤسه قمة قادة الخليج الثلاثاء في الرياض.

إذ نادرا ما تخلف الملك سلمان عن حضور قمة الدول الخليجية السنوية وإلقاء كلمة فيها، ومعروف عنه حرصه على مصافحة أكبر عدد من الحاضرين.

ومنذ تفشي وباء كوفيد – 19، استقر الملك سلمان في منطقة مدينة نيوم المستقبلية التي يجري بناؤها بمبادرة من ابنه على البحر الأحمر في شمال غرب المملكة.

وكان آخر مسؤول أجنبي التقاه في العاصمة وزير الخارجية البريطاني السابق دومينيك راب في مارس العام الماضي، قبل أن يجتمع بالسلطان العُماني هيثم بن طارق آل سعيد في نيوم نفسها في يوليو 2021. وآخر زياراته الخارجية كانت إلى سلطنة عُمان لتقديم العزاء في وفاة سلطانها الراحل قابوس بن سعيد في يناير العام الماضي.

ولم توضح السلطات السعودية سبب غياب العاهل السعودي عن حضور القمة الخليجية التي أقيمت في الرياض الثلاثاء، خصوصا وأنّه ألقى كلمة متلّفزة لمناسبة إقرار الموازنة قبلها بيومين.

وفي هذا السياق، كتب مستشار الحكومة السعودية علي الشهابي على تويتر نقلا عن “مصادر موثوقة” أنّ “الملك يتمتع بصحة ممتازة لكنه.. لا يشعر بالراحة عند ارتداء كمامة ويميل إلى الرغبة في مصافحة الناس وتحيتهم بحرارة لذلك يتم اتخاذ المزيد من الحذر للحفاظ على سلامته بعيدًا عن الجمهور”.

قالت الباحثة في مركز “كارنيغي” للأبحاث ياسمين فاروق إنّ “فكرة أن يكون ولي العهد الحاكم الفعلي للبلاد، وأن يقابل الرؤساء الأجانب ويترأس القمم، حصلت قبل ذلك عندما حكم السعودية ملوك لم يكونوا في الحالة الصحية المناسبة”.

وهي تشير بذلك إلى الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان وليا للعهد خلال فترة حكم الملك فهد بن عبدالعزيز الذي تعرّض إلى عدّة جلطات جعلته غير قادر على تولي الحكم قبل عشر سنوات من وفاته.

وأضافت فاروق أنّ “الجديد هو وجود قبول شعبي وإعلامي بدور مواز بل أكثر أهمية لولي العهد، حتى عندما يقوم الملك سلمان بكل مهامه”.

ومنذ توليه ولاية العهد، نجح الأمير محمد بن سلمان في إدخال إصلاحات اجتماعية كبرى في المملكة المحافظة، متّعهدا بنقلها إلى كنف “الإسلام المعتدل”، ففتح أبواب الترفيه والسياحة وسعى لجذب المستثمرين الأجانب لتنويع مصادر اقتصاد بلاده المرتهن للنفط.

وهذا أكسبه شعبية كبيرة في الشارع السعودي إذ سمحت الإصلاحات للآلاف من النساء بقيادة السيارة والعمل في القطاع العام واعتلاء مناصب هامة في الدولة ووفرت دخلا إضافيا ومتنفسا ترفيهيا أمام الأسر السعودية.

كريستين ديوان: الملك سلمان يوفر غطاء لأفعال ابنه غير التقليدية
ويقود الأمير محمد بن سلمان جهود بلاده في ملف المناخ حيث أنشأ مبادرة “السعودية الخضراء” لخفض الانبعاثات فيها إلى الصفر بحلول العام 2060، ومبادرة “الشرق الأوسط الأخضر” التي تستهدف زرع 50 مليار شجرة في المنطقة، 10 مليارات منها في السعودية ضمن رؤية 2030 لخفض اعتماد المملكة على عائدات النفط وتحسين جودة الحياة في البلاد.

لكن ولي العهد السعودي الذي يتولّى العديد من المناصب بينها نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس صندوق الاستثمارات العامة، واجه العديد من التحديات أبرزها جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول على أيدي عناصر سعودية عام 2018. كما أنّه بدا أكثر انفتاحا على تقارب محتمل مع إسرائيل مقارنة بوالده.

وترى الباحثة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن كريستين ديوان أنّ ولي العهد “استفاد من طول عمر الملك”، موضحة “يوفّر وجوده المستمر السلطة التقليدية التي توفر غطاء لأفعال الأمير محمد بن سلمان ذات الطابع الشبابي وغير التقليدية، ونادرا ما تعيقها”.

وكان الملك سلمان قال في اجتماع خلال العام 2007 جمعه بالسفير الأميركي آنذاك، بحسب ما ورد في برقية نشرها موقع ويكيليكس، إنه من الضروري أن تسير الإصلاحات الاجتماعية والثقافية التي بدأها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز ببطء خشية رد فعل سلبي من المحافظين.

لكن بعد سنوات، ومن خلال دعم ابنه الأمير محمد بن سلمان، يبدو أن الملك قبل فكرة أن خطى التغيير في المملكة في حاجة إلى التسريع.

قبل القمة الأخيرة، قام ولي العهد بجولة في كافة دول الخليج استمرّت خمسة أيام حصل خلالها على استقبال شبه ملكي وحظيت بتغطية إعلامية واسعة.

وقال دبلوماسي غربي في الرياض إنّ “الترتيبات مع الديوان الملكي باتت تتم من خلال مكتب ولي العهد السعودي. الملك سلمان لا يظهر في الصورة منذ فترة طويلة قاربت على السنتين”.

وتابع الدبلوماسي الذي فضّل عدم ذكر اسمه إنّ ولي العهد “تجاوز فكرة أنّه ملك قيد الإعداد إلى فكرة أنه ملك غير متوّج بعد في القصر”.

ويبدو الطريق ممهّدا أمام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للحكم لوقت طويل. ولا توجد عقبات متوقعة لصعوده إلى العرش، إذ أنّه أزاح منافسيه الواحد تلو الآخر من طريقه، في حين أنّ معارضيه مشتتون خارج البلاد.

وقال كبير الباحثين في معهد دول الخليج العربية حسين إبيش “لا يوجد مصدر محدد لمعارضة فعّالة داخل العائلة المالكة أو خارجها”.

حسين إبيش: خلافة الأمير محمد بن سلمان لوالده مستمرة بخطوات حثيثة
وتابع “الأمير محمد بن سلمان أصبح بالفعل أكثر بروزًا وقوة وعملية الخلافة الطويلة مستمرة بخطوات حثيثة”.

ويتحرك ولي العهد السعودي في إطار العديد من الملفات، وتحدث توجهاته تقاربا مع العديد من الدول العربية لكنه يسعى أيضا إلى التصدي لأجندات إيران التي تسعى لزعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمنها القومي بدعمها لميليشيات إسلامية متمردة.

ولشهور انتاب الأوساط المحلية قلق بخصوص التعامل الغربي المباشر مع ولي العهد السعودي على خلفية مقتل خاشقجي، لكنّ دبلوماسيا آخر في الرياض قال إنّ “الكثير من هذه المخاوف تبدّدت بعد زيارة ماكرون إلى السعودية وبات الأهم الآن موقف الإدارة الأميركية”.

وتعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بإنهاء التفويض المطلق الذي منحه سلفه دونالد ترامب للسعودية، ولم يتواصل مباشرة بعد مع ولي العهد لكنه أكّد أنه لا مفر من التعامل معه. ولطالما شدد الأمير محمد بن سلمان على أن الولايات المتحدة شريك استراتيجي، وأن الرياض ليس لديها سوى خلافات قليلة مع إدارة الرئيس بايدن، وتعمل على حلها، ملتزما بأن بلاده لا تقبل أيّ ضغوطات خارجية أو التدخل في شأنها الداخلي.

وهنا يقول الدبلوماسي السعودي إنّ “المسألة مسألة وقت وستُحل بحكم الأمر الواقع”.

العرب