اختفاء الحريري.. المؤقت يتحول إلى دائم

اختفاء الحريري.. المؤقت يتحول إلى دائم

بيروت- وصفت أوساط سياسية لبنانية استمرار غياب رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري بأنه علامة على يأسه من القدرة على التأثير في المشهد اللبناني، وأنه نوع من الهروب المؤقت الذي قد يتحول إلى دائم خاصة بعد أن فقد الكثير من علاقاته الداخلية والخارجية.

وقالت الأوساط إن غياب الحريري، الذي يوجد حاليا بمنزله في فرنسا، يفتح الباب أمام الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، وحليفهما التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل، للسيطرة على المشهد والتحكم في مفاتيحه وتحديد موعد الانتخابات حسب حساباتهم ومصالحهم، وما يظهر الحريري في صورة الضعيف والعاجز عن أي تأثير لحماية حاضنته السياسية، ويؤثر عليها، وهو ما يظهر جليا من خلال الأزمة التي يعيش على وقعها تيار المستقبل.

وأشارت هذه الأوساط إلى أن الانسحاب من المشهد، والنأي بالنفس عن الأزمة التي يعشها لبنان، والاكتفاء بالتغريدات للتعبير عن المواقف، كلها عناصر تجعل عودة الحريري في المرحلة القادمة عودة صعبة، وتؤثر على حظوظه وحظوظ تيار المستقبل.

وكان آخر ظهور للحريري ما كتبه من كلام عام في الذكرى الثامنة والسبعين للاستقلال دون توجيه نقد إلى الخصوم وتحديد موقف ممّا يجري خاصة ما تعلق بالأزمة الحكومية وارتباطها بموضوع طارق بيطار المكلف بالتحقيق في تفجير مرفأ بيروت.

وقال الحريري في تغريدته:

وتساءل “بأي كلام نتوجه إلى اللبنانيين بعيد الاستقلال؟ لو قيّض للكلام الذي يتردد منذ سبعة عقود أن يتحقق لكان لبنان اليوم جنة الله على الأرض وليس دولة تقف على حدود جهنم”.

ولفت إلى ما وصفها بـ”حروب الآخرين على أرض لبنان، وصراع الطوائف المفتوح على تبادل الكراهيات وسياسات الاستقواء بالخارج”، مؤكدا أنها “قذفت به إلى جهنم وسلمت أقداره واستقلاله ونظامه الديمقراطي إلى عقول متوحشة متخصصة في إنتاج الدول الفاشلة”.

واعتبر مراقبون سياسيون لبنانيون أن هروب الحريري هو تعبير عن الأزمة التي يعيشها، خاصة بعد أن فقد ثقة السعودية ودعمها، ولم يعد الورقة التي تعبّر عن موقفها ممّا يجري، مشيرين إلى أن السعودية باتت تتعامل مع لبنان كملف كامل، وتريد أن تحصل على تنازلات حكومية ورسمية واضحة من أجل العودة المالية والاستثمارية إلى بيروت، وأنها لم تعد تحتاج إلى أشخاص بعينهم لتراهن عليهم، وخاصة الحريري الذي أخذ فرصته كاملة من أجل تثبيت نفسه كشخصية محورية تكون قادرة على الوقوف بوجه حزب الله.

وبدل أن يلعب الحريري الدور الذي يليق به كخليفة لمشروع رفيق الحريري، الذي توجّه تهم لحزب الله بالوقوف وراء تصفيته، فقد اختار التوافق مع الحزب والتوصل إلى تفاهمات أفضت إلى بروز العهد الحالي الذي جعل لبنان في قبضة حزب الله وميشال عون، وهو ما يتعارض مع دوره كشخصية يفترض أن تدافع عن مصالح السنة وبناء تحالفات تضمن حقوقهم في التوليفة الطائفية القائمة.

وليد جنبلاط وجه نداء إلى الحريري بالعودة من المهجر

وأدى هذا الغياب اللافت برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط إلى أن يوجه نداء إلى الحريري بالعودة من المهجر، “حتّى نواجه سلميا ونقاوم سلميا، ونقول كفى”، مشيرا إلى أنّه يقدّر ظروفه كما الضغوط التي يتعرّض لها، لكنّه لو كان مكانه، لعاد لأنّ غيابه عن الساحة “لا يفيد”.

ويعتقد المراقبون أن الحريري فقد أوراق قوته، فمن ناحية خسر الدعم السعودي وهو دعم مالي ودبلوماسي لا يضاهيه أيّ دعم خارجي آخر بما في ذلك الدعم الفرنسي الذي لا يقدر أن يعيد الحريري إلى موقعه الطبيعي.

ومن ناحية أخرى خسر الحريري تأثيره في تيار المستقبل، وهو الحاضنة التي كان يتحرك بها انتخابيا وسياسيا، وكان لبرود العلاقة مع الرياض دور سلبي على التزاماته تجاه التيار ومؤسساته المختلفة، وخاصة الواجهة الإعلامية التي سيكون من الصعب عليه بعد خسارتها أن يواجه آلة إعلامية قوية لحزب الله وحلفائه.

وتقول تقارير لبنانية إن التيار يعيش على وقع خلافات واستقالات وتنافس بين الشقوق بشأن القوائم التي سيتم التقدم بها للتنافس على الانتخابات بدل أن يدخل التيار هذه الانتخابات موحدا ويوفر لنفسه شروط المنافسة الكافية ويحافظ على وزنه السياسي.

وتحذّر أوساط سنية من أن انسحاب الحريري من المشهد سيعني آليا بداية النهاية للحريرية السياسية خاصة أن عمته بهية الحريري تتقدم بالعمر فيما شقيقه بهاء لا يحظى بأي شعبية باستثناء بعض المجموعات الصغيرة في بيروت وطرابلس تتلقى مساعدات مالية منه بين حين وآخر، فضلا عن فقدانه للتجربة والمؤهلات السياسية الضرورية.

وتشير هذه الأوساط إلى أن بهاء الحريري لم يشف بعد من عقدة رفض جهات عربية نافذة في عام 2005 أن يخلف والده كزعيم للطائفة السنّية في لبنان، وأنه يريد أن يثبت العكس حتى من خلال مواجهة شقيقه سعد، مذكرة ببيانه في مايو الماضي الذي تم الاحتفاء به إعلاميا في سياق ضرب استهداف سعد الحريري وليس احتفاء ببهاء.

العرب