الآن وبعد أن طحنت رحى النسيان المشاهد المروعة للأشخاص اليائسين الذين يحاولون الفرار من كابول، حان الوقت للنظر في ما إذا كانت الولايات المتحدة قد وجدت هدفا جديدا وواضح المعالم للتعامل مع تداعيات انسحابها من أفغانستان.
وتعكس الأزمة الإنسانية المتصاعدة في البلاد إخفاقات سياسية على عدة أصعدة، وبالتأكيد ليست الولايات المتحدة هي السبب في كل تلك الإخفاقات، ولكن المشهد يسلط الضوء أيضا على نطاق النفوذ الأميركي، وربما نطاق اهتمامها أيضا، خاصة، بعد أن أصبحت الحرب الأبدية جزءا من الماضي.
وفي الأسابيع التي أعقبت خروج جميع القوات الأميركية من أفغانستان في شهر أغسطس الماضي، ركز الدبلوماسيون الأميركيون والقادة السياسيون على إجلاء الأفغان الذين كانت لهم صلات قوية مع التواجد الأميركي في البلاد، والذي دام عقدين من الزمن، أو الذين قد يتعرضون للتهديد إذا أمسكت طالبان بزمام السلطة.
وقد قامت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، من خلال استعانتها بالمهارات اللوجستية للجيش الأميركي، بإجلاء أكثر من 120 ألف شخص في شهر أغسطس، قبل وبعد سقوط كابول في أيدي طالبان في منتصف الشهر نفسه، ولم يتم تقييم العديد من طلباتهم للجوء أو الهجرة إلى الولايات المتحدة، ولا يزال بعضهم موجودين في قواعد عسكرية في أوروبا أو الولايات المتحدة، في انتظار التحديد النهائي لحقهم في الإقامة في الولايات المتحدة.
على الجهات الدولية تقييم تعارض العقوبات مع افتقار الأفغان إلى القدرة على إيصال الغذاء لمن هو في أمس الحاجة له
وكانت فكرة أن الولايات المتحدة تخلت عن الأفغان الذين دعموا مشروعهم هناك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر محركا قويا للحكومة الأميركية، حيث تم إجلاء الآلاف من الأفغان الآخرين بهدوء في الأشهر الثلاثة التي انقضت منذ رحيل الولايات المتحدة من أفغانستان.
ويعمل الدبلوماسيون الأميركيون مع قطر، وبشكل غير مباشر مع حركة طالبان، لتنظيم رحلات الطيران الطارئة، وفي غضون ذلك، تواصل الوكالات الأميركية في واشنطن تحسين معايير الأهلية للهجرة واللجوء والتحدث مع الأصدقاء الأفغان القلقين والزملاء السابقين في هذه الهجرة المستمرة للمهنيين الأفغان والشركاء الأمنيين.
ويطرح هذا التركيز على إنقاذ الأفغان بعض المعضلات الخلقية، فهناك خيارات صعبة بشأن أي من أفراد الأسرة يمكنه مرافقة مهاجر أفغاني وافقت أوراقه شروط الهجرة، ويجب اتخاذ القرارات بشأن حجم الموارد اللازمة لدمجهم بنجاح في المجتمع الأميركي، ثم هناك العواقب الاستراتيجية لهجرة الأدمغة الأفغانية على استقرار أفغانستان في المستقبل.
وكما أن هذا الوضع قد يلقي بظلاله على المصالح الأميركية على المدى البعيد، فقد يستحق عشرات الآلاف من الأفغان الذين هم الآن في طريقهم للاستقرار في الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية الدعم والتعاطف، ولكن ماذا عن الملايين من الأفغان الذين يعيشون الآن في ظروف فوضوية ومتدهورة، مع عدم وجود الفرصة لحصولهم على جواز سفر وتأشيرة خروج؟
ويصر الدبلوماسيون الأميركيون على أن واشنطن ملتزمة بالتعامل مع أزمة الأمن الغذائي في البلاد، لكن وضع المزايا المالي الذي تتمتع به الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مع طالبان يجعل من الصعب للغاية تدفق المساعدات الغذائية الهامة. وقد قال الممثل الخاص للولايات المتحدة توم ويست إن الولايات المتحدة قدمت ما يقرب من 500 مليون دولار هذا العام كمساعدات طارئة للأمم المتحدة لحالة الطوارئ الأفغانية، كما أن وزارة الخزانة أصدرت تراخيص عامة للمساعدات الغذائية للسماح بالمعاملات التي كانت ستحظرها العقوبات ضد طالبان، وقد حل توم ويست في شهر أكتوبر الماضي محل زلماي خليل زاد الذي كان يعمل كمسؤول الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي تفاوض على اتفاقية العام الماضي مع طالبان.
وكما كان عليه الحال في العراق منذ أكثر من عقدين، أعلن المسؤولون الأميركيون دعمهم السياسي للإغاثة الإنسانية وطمأنوا الموردين والمنظمات الإنسانية بأن المساعدات يمكن أن تتدفق دون فرض أي عقوبات، لكن تقف حواجز كبيرة في وجه التوزيع الطبيعي للأموال من البنوك الدولية إلى القطاع المالي الأفغاني الهش، كما يتعين على الجهات الدولية الفاعلة تقييم أخطار تعارض العقوبات مع خطر افتقار الجانب الأفغاني إلى القدرة على إدارة التدفق اللازم للموارد لإيصال الغذاء لمن هو في أمس الحاجة له.
وفي محادثات الجانب الغربي مع طالبان في الدوحة في الشهر الماضي، تم استعراض القائمة الطويلة للمخاوف الأميركية، من حقوق الإنسان إلى تعليم المرأة، إلى أحكام الإرهاب في اتفاقية 2020، إلى استمرار تأمين الممر الآمن للأفغان الراغبين في المغادرة، وستستمر الولايات المتحدة في الامتناع عن الاعتراف الرسمي بالحكومة الأفغانية الجديدة، والتطبيع الفعلي للعلاقات معها، حتى يرى علامات على تغيير السياسة من طالبان. وكررت حركة طالبان تعهدها بعدم السماح باستخدام أراضيها لإلحاق الأذى بدول أخرى، وطلبت المساعدة في فتح نظامها التعليمي.
وقد تفي هذه العملية الدبلوماسية بضرورة إظهار الولايات المتحدة بعضا من الصرامة تجاه عيوب طالبان العديدة، لكن لا يبدو أن ذلك يلبي الحالة الطارئة التي تفرضها هذه اللحظة الحرجة، فالآن بعد أن أصبح الأميركيون بعيدا عن الخطر، هناك خطر آخر يتمثّل في أن يعتقد صانعو السياسة الأميركيون أن الوقت في صالحهم، وينتظرون رد طالبان بشكل أكثر فاعلية لمطالب المجتمع الدولي.
وليس من الواضح ما إذا كانت حكومة طالبان المنهكة والتي تفتقر لكثير من الموارد ستكون قادرة على التعامل مع هذا التحدي، فكل يوم تفشل المؤسسات الحكومية أكثر وأكثر، حيث ينضم المعلمون والأطباء وموظفو الخدمة المدنية في البلاد إلى صفوف الفقراء والجوعى.
العرب