أنقرة- “موصياد” (MÜSİAD) اسم يتردد باستمرار عند تناول القضايا السياسية الكبرى داخل تركيا وخارجها، باعتباره أكثر من مجرد كيان اقتصادي، بل أحد أكبر وأهم التكتلات الاقتصادية وأنجحها، وهو الجمعية صاحبة الأرقام القياسية التي تمثل جسر تركيا للتواصل الاقتصادي مع العالم بأسره.
ولم يكن بالإمكان أن تحقق الجمعية صعودا في مرحلة النشوء دون رعاية ودعم سياسي، وهو ما قدمه لها نجم الدين أربكان، الذي احتضن المجموعة ودعمها، وخاصة في فترة توليه رئاسة الوزراء (1996-1997)، وبسبب خلفيتهم المحافظة والمتدينة، وذلك في إطار توجهاته لدعم اقتصاد تركي قائم على الاكتفاء الذاتي والإنتاج والتصنيع والتصدير.
ورغم ما تعرضت له الحركات الإسلامية من مضايقات من المؤسسة العسكرية في عقد التسعينيات، وما صاحب ذلك من تجميد وحل أحزاب مثل “الرفاه” ثم “الفضيلة”، فإن “موصياد” نجت من ذلك بسبب محافظتها على مسافة بين الاقتصاد والسياسة أبقتها في مأمن من تقلبات السياسة التركية خلال ذلك العقد.
ويشير الباحث وعضو مجلس الإدارة السابق بالجمعية، عمر فاردان، في كتابه “الجهاد والموصياد” إلى شعار “أخلاق عالية.. تكنولوجيا عالية” الذي رفعته الجمعية، باعتباره انعكاسا للأهمية التي توليها الجمعية للقيم الأخلاقية، موضحا في هذا الكتاب مدى التقاطع والتكامل الذي رسخته “موصياد” بين الاقتصاد والتدين في المجتمع وحياة الفرد.
وفي سياق دعم خيار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي انضمت “الموصياد” إلى جمعيات الأعمال التي التزمت بدعم عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي مثل “التوسياد” (رابطة الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك)، و”اتحاد غرف التجارة والصناعة والتجارة البحرية وبورصات تركيا”، و”اتحاد نقابات أصحاب العمل في تركيا”، وذلك من خلال عضويتهم في شبكات الأعمال الأوروبية، ومن خلال أنشطتهم التمثيلية وكسب التأييد في مؤسسات الاتحاد الأوروبي عبر مكاتبهم في أوروبا.
وخلال نحو عقدين من حكم العدالة والتنمية قامت “موصياد” بتوسيع أنشطتها الاقتصادية مع زيادة عدد الأعضاء والدعم والتسهيل من قبل الحكومات، وبات أعضاؤها ينشطون في كل قطاع تقريبا، من المحركات وقطع الغيار إلى المنتجات الإلكترونية، ومعدات الكهرباء، والمنسوجات، والمقاولات، ومعارض السيارات، والأثاث، والتعدين.
الرئيس العام لجمعية موصياد محمود أصمالي (مواقع التواصل)أصمالي اختير رئيسا لجمعية “موصياد” خلفا لعبد الرحمن قان (مواقع التواصل)
إمبراطورية اقتصادية
تضم “موصياد”، 10 آلاف رجل أعمال تركي، و60 ألف شركة توظف حوالي 1.8 مليون موظف وعامل، وللجمعية 89 مكتبا تمثيليا في جميع أنحاء تركيا، إضافة إلى 225 نقطة تواصل وخدمات استشارية في 95 دولة حول العالم، لتعد بذلك أكبر تجمعات رجال الأعمال الأتراك، على مستوى الداخل والخارج.
وفي 2002 أسس الفرع الشبابي في الجمعية لتدريب رجال الأعمال الشباب وإعدادهم للحياة ومشاركة قيمهم وخبراتهم، حيث يواصل الفرع الشبابي أنشطته مع 4250 عضوا من خلال مراكزه التمثيلية البالغ عددها 53 مركزا بتركيا و23 مركزا حول العالم.
كما أصبحت “موصياد” في 2003 عضوا في الاتحاد الأوروبي لجمعيات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، واليوم تمتلك جمعية موصياد مكاتب تمثيلية في معظم دول أوروبا.
وتعتبر اليوم المساهم الأكبر في الاستثمارات التركية الخارجية، والتي قدرت بنحو 40 مليار دولار في الفترة بين عامي 2000 و2017 بحسب تقرير صادر عن مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي (DEIK).
وفي الولايات المتحدة، افتتحت جمعية “موصياد” مكتبها في واشنطن عام 2013، ومنذ ذلك الحين يعمل هذا المكتب بنشاط لتحسين العلاقات التركيّة الأميركية على المستويات السياسية والاقتصادية، وذلك من خلال تنظيم أنشطة مختلفة، مثل المؤتمرات والندوات.
وتسهم “موصياد” بنسبة تصل إلى 18% من الناتج القومي الإجمالي، في حين وصلت الصادرات من قبل الشركات المنتمية إلى الجمعية إلى ما يقرب من 17 مليار دولار أميركي عام 2018، كما تسهم الجمعية في الحد من نسبة البطالة في عموم البلاد من خلال توفيرها لفرص العمل في مختلف القطاعات التجارية والصناعية.
وبحسب تصريح رئيس الجمعية السابق عبد الرحمن قان، فإن حجم الإسهام السنوي في الناتج القومي الإجمالي التركي سيصل من قبل أعضاء ومنتسبي جمعية “الموصياد” إلى 200 مليار دولار أميركي بحلول عام 2023، وذلك من خلال تحقيق الرؤية الاقتصادية وتشجيع الإنتاج من خلال الحلول العقلانية في عموم 81 مدينة تركية.
وشهد المؤتمر العام لـ”موصياد” في دورته الـ26 الذي انعقد خلال عام 2021 اختيار محمود أصمالي رئيسا للجمعية، خلفا لعبد الرحمن قان.
معرض إكسبو
وتنظم “موصياد” معرض “إكسبو” كل عامين منذ 1993 بدعم من وزارة الاقتصاد التركية.
وفي كلمته على هامش مشاركته في فعاليات معرض “موصياد إكسبو 2020” الذي انعقد العام الماضي بنسخته الـ18، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن حكومته ستضمن تسريع الاستثمارات لتوفير نتائج دائمة في الإنتاج والتوظيف، عبر تنشيط المستثمرين المحليين والأجانب، مضيفا “مستعدون للسير قدما مع كل من يؤمن بقوة تركيا وإمكانياتها ومستقبلها”.
ورغم جائحة كورونا، أقيم المعرض الأخير بمشاركة ممثلي أكثر من 40 ألف شركة محلية وأجنبية من 24 قطاعا مختلفا، واستضاف المعرض ما يقرب من 100 ألف زائر، إضافة إلى ملايين الزوار عبر منصة المعرض الخاصة على الإنترنت التي تستخدم طريقة العرض الافتراضي “هايبرد”، وبجانب رجال الأعمال الأتراك شارك في المعرض رجال أعمال من معظم دول العالم في مقدمتها الدول العربية.
وفي حديث سابق للجزيرة نت، قال رئيس وحدة تطوير الاستثمار الأجنبي في الموصياد يوسف إقبال، إن “أهمية الملتقيات التي ننظمها تكمن في كونها أحد العناوين الجاذبة للمستثمرين الأجانب إلى تركيا من جهة، وإلى تعطش المصدرين الأتراك لفتح المزيد من الأسواق وإقامة الشراكات مع المستوردين عبر الاتفاقيات الثنائية التي تحتضنها الملتقيات”.
ورأى إقبال أن معرض إكسبو يمثّل فرصة مهمة للمنتجين الأتراك الذين استفادوا من انخفاض سعر صرف الليرة بالداخل التركي في رفع منسوب الصادرات إلى الخارج، موضحا أن انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار كان ميزة حتى اليوم على صعيد القدرة التصديرية للمنتجين الذين وجدوا في الملتقى فرصة مهمة لتحسين تجارتهم.
وتستعد “موصياد” لتنظيم النسخة الـ19 لمعرض “إكسبو” خلال 2022 وتهدف لأوسع مشاركة من رجال الأعمال حول العالم، مستفيدة من عودة الحياة الطبيعية بعد جائحة كورونا.
المصدر : الجزيرة