مع اقتراب انطلاق الجولة الثامنة من محادثات فيينا بشأن الملف النووي الإيراني، بين طهران والقوى الكبرى، المقررة الاثنين المقبل، على وقع فشل صاحب الجولات السابقة في حلحلة “القضايا الرئيسة العالقة” وتباينات وجهات النظر، تشتد حدة التهديدات المتبادلة والتراشق الإعلامي بين إيران وإسرائيل، وسط تصعيد للنبرة العسكرية، تزداد حدتها بمرور الوقت.
ومن بين ما يؤشر على احتمالات متزايدة نحو الانخراط في عمل عسكري شامل بين البلدين، أفادت تقارير إعلامية إسرائيلية، مساء أمس الخميس، بأن اللجنة المالية في الكنيست صادقت على ميزانية دفاع إضافية بقيمة 9 مليارات شيكل (نحو 2.9 مليار دولار).
وتزامن ذلك مع إعلان أكبر قائدين عسكريين إيرانيين أن المناورات الحربية للحرس الثوري التي أجرتها البلاد في الخليج وانتهت الجمعة، وتضمنت إطلاق صواريخ باليستية وكروز، استهدفت توجيه تحذير إلى تل أبيب “حال ارتكابها أي حماقة”، وفق التلفزيون الرسمي الإيراني.
ووسط هذه المؤشرات وارتفاع النبرة العسكرية على مستوى تصريحات مسؤولي البلدين، يتساءل مراقبون حول السيناريوهات العسكرية المرجحة وبنوك الأهداف المحتمل استهدافها، سواء من قبل إسرائيل أو في حال ردت طهران، فضلاً عن مستقبل المنطقة ودور القوى الكبرى، لا سيما واشنطن، التي لم تفلح زيارة مستشارها للأمن القومي جاك سوليفان، الأخيرة لإسرائيل، في تهدئة مخاوف الأخيرة حيال الملف النووي الإيراني.
ميزانية عسكرية إضافية
غداة مغادرة مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان لإسرائيل بعد لقائه الرئيس إسحاق هرتسوغ، ورئيس الوزراء نفتالي بينيت، ووزير دفاعه بيني غانتس، نقلت صحيفة “يسرائيل هيوم”، اليوم الجمعة، أن اللجنة المالية في الكنيست صادقت على ميزانية دفاع إضافية يبلغ مجموعها نحو 9 مليارات شيكل (نحو 2.9 مليار دولار)، لافتة إلى أن “البنود المُدرجة في التمويل الجديد سرية، لكن الخطوة تأتي وسط تقارير تفيد بأن إسرائيل تعد خطط طوارئ للعمل عسكرياً ضد إيران كملاذ أخير إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في تقليص برنامجها النووي”.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فقد جرت الموافقة على الميزانية التكميلية بعد اجتماع استمر ثماني ساعات في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، كجزء من العملية الجارية لتخصيص الأموال لعام 2021، وأن الميزانية تحولت لوزارة الدفاع الإسرائيلية سراً على أن تناقشها اللجنة المشتركة لميزانية الأمن.
ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم، إن “قرار تقديم الميزانية التكميلية لم يتخذ إلا قبل عدة أسابيع، لذلك لم تدرج في الميزانية العامة”.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كانت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، قد صادقت على خطة الحكومة السابقة برئاسة بنيامين نتنياهو، للإعداد للخيار العسكري ضد إيران.
وتهدد إسرائيل، التي تعارض جهود القوى العالمية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، منذ فترة طويلة بعمل عسكري إذا فشلت الدبلوماسية في منع طهران من امتلاك قنبلة نووية، وذلك في وقت تتمسك فيه إيران بأن أهداف برنامجها النووي سلمية.
وأخيراً، دعا وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، القوى الكبرى إلى عدم السماح لطهران بكسب الوقت في المفاوضات النووية التي توقفت بطلب من إيران، ومن المقرر أن تستأنف الاثنين المقبل.
كما حذر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، من أن إيران “قنبلة موقوتة تهدد إسرائيل والشرق الأوسط بأسره”، وقال إن “الخطر الذي تشكله إيران النووية يجب تحييده بشكل نهائي، باتفاق أو من دونه”.
“سنقطع أيديهم”
في الأثناء، وفي أعقاب انتهاء مناورات حربية للحرس الثوري في الخليج العربي، نقل التلفزيون الرسمي الإيراني، اليوم الجمعة، عن أكبر قائدين عسكريين في البلاد، قولهما، إن المناورات التي تضمنت إطلاق صواريخ باليستية وكروز، استهدفت توجيه تحذير إلى إسرائيل.
وقال قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي، “كانت لهذه التدريبات رسالة واضحة جداً. رد جاد وحقيقي على تهديدات الكيان الصهيوني، وتحذيره من ارتكاب أي حماقة”، مضيفاً “سنقطع أيديهم إذا ارتكبوا أي حماقة. المسافة بين العمليات الحقيقية والمناورات الحربية هي فقط تغيير زوايا إطلاق الصواريخ”.
من جانبه، قال رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية الجنرال محمد باقري، إن 16 صاروخاً باليستياً من طرز مختلفة أطلقت في الوقت نفسه، ودمرت أهدافاً محددة سلفاً. وتقول إيران إن صواريخها الباليستية يبلغ مداها 2000 كيلومتر، وقادرة على الوصول إلى إسرائيل والقواعد الأميركية في المنطقة.
سيناريوهات العمل العسكري
في كل جولة من مباحثات فيينا النووية بين طهران والقوى الغربية، تتأهب إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية محتملة لإيران، تطمح من خلالها في شل القدرات النووية الإيرانية، ليأتي الرد في المقابل، بتأكيد إيران جاهزيتها للرد على أي “تهور عسكري إسرائيلي محتمل”.
وبحسب تقرير لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، فإنه قبل نحو عام من الآن، كان قائد الجيش الإسرائيلي فيف كوخافي، قد أعلن البدء في إعداد خطط جديدة لضربة ضد برنامج إيران النووي، مشيرة إلى أنه منذ ذلك التوقيت، بدأ الجيش في إعداد القوات الجوية والاستخبارات العسكرية لمثل هذه العملية، وكثف التدريبات وركز موارد هائلة على جمع المعلومات الاستخبارية، وجرى ضخ مليارات إضافية في ميزانية الدفاع خصيصا للتحضير لشن ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية، كما أجرى الجيش أيضاً تدريبات على كيفية التعامل مع حرب متعددة الجبهات، قد تأتي بعد هجوم على إيران.
وذكر التقرير ذاته، أن السلطات الأمنية الإسرائيلية تعمل منذ فترة على تحسين دفاعات الجيش الجوية، لا سيما في شمال إسرائيل، في محاولة لمنع أسوأ الأضرار الناجمة عن قصف الصواريخ وغارات الطائرات دون طيار في أي مواجهة مستقبلية، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنه على الرغم من تلك الاستعدادات الكبيرة، لا يزال الجيش الإسرائيلي على “بعد أشهر على الأقل من الاستعداد الكامل لشن مثل هذه الضربة الشاملة”، فيما يمكن اللجوء لتنفيذ “عملية محدودة في وقت قريب”.
اقرأ المزيد
إيران النووية ليست حتمية
إيران وتعزيز الاستقرار الإقليمي وفق إدراك قادتها
بينيت وسوليفان يبحثان ملف “النووي الإيراني” في إسرائيل
إذ وفق ما جاء في تقرير “تايمز أوف إسرائيل”، فإن أي عملية ضد إيران ستكون “أكثر تعقيداً وصعوبة من أي عملية أخرى قامت بها القوات الإسرائيلية، بما في ذلك عملية استهداف المفاعل النووي العراقي عام 1981، التي نفذت من خلال ضربة واحدة استهدفت عنصراً محدداً”، إذ تتسم الحالة الإيرانية، بعدد من التعقيدات، أبرزها أنها “ليس لديها منشأة نووية واحدة يمكن لمجموعة واحدة من الطائرات أن تدمرها بضربة واحدة، لكن عديداً منها منتشر في جميع أنحاء البلاد، الأمر الذي يتطلب بالتالي مستويات غير عادية من التنسيق، لضمان قصف جميع المواقع في الوقت نفسه”.
ومما يزيد الأمر صعوبة، بحسب الصحيفة العبرية، أن عديداً من المنشآت تقع تحت الأرض، مما يجعلها غير قابلة للاختراق من قبل الهجمات الجوية، لا سيما في مفاعل فوردو، حيث بدأت إيران أخيراً في تخصيب اليورانيوم بأجهزة طرد مركزي متطورة، وهو ما يحتم توفير مساعدات خارجية لإسرائيل لإنجاح خطتها.
وإضافة إلى التحديات اللوجيستية داخل إيران، تشير الصحيفة إلى تحد آخر، يتمثل في استثمار إيران بكثافة في السنوات الأخيرة في تطوير دفاعاتها الجوية، سواء من خلال شراء أنظمة روسية متقدمة أو تطوير قدراتها المحلية، وهذا ما يزيد من المخاوف الإسرائيلية، بشأن مدى قدرة نظام “القبة الحديدية” في صد أي هجوم إيراني، فضلاً عن إمكانية التعامل مع الهجمات الإلكترونية.
ومنتصف الشهر الجاري، كانت صحيفة “معاريف” العبرية، قد نقلت عن الجنرال يعقوب عميدرور، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، قوله إنه على الرغم من التحديات والتعقيدات القائمة، يبقي خيار “مواجهة إيران الآن أفضل من الغد”. مرجحاً حتمية المواجهة العسكرية بين البلدين “أكثر من أي وقت مضى”. وبحسب عميدرور، فإنه في حالة امتلاك إيران السلاح النووي، “لن تتمكن إسرائيل من مواجهتها”.
ووفق صحيفة “يسرائيل هيوم”، نقلاً عما سمته مصادر عسكرية، فإن أي تحرك عسكري إسرائيلي ضد إيران سيركز على الأهداف النووية التي يجري فيها تخصيب اليورانيوم، كـ”نطنز” ومفاعل “فوردو” في مدينة قم، فضلاً عن أهداف أخرى، مرتبطة بالبرنامج النووي، ومواقع للحرس الثوري الإيراني. لافتة إلى أن التقديرات الإسرائيلية تفرض أنها ستتبادل الضربات مع إيران بوتيرة مختلفة، سواء بشكل مباشر أو عبر لاعبين إقليميين آخرين.
وتابعت الصحيفة، أن الاستعدادات لشن عمل عسكري ضد إيران، تشمل ثلاث مراحل: المرحلة التي تسبق الهجوم، والهجوم نفسه، وتبعات الهجوم. مشيرة إلى أن المرحلة الأولى تلزم الجيش الإسرائيلي ليس فقط ببناء خطط عملياتية، بل أيضاً بإجراء مناورات بمستويات مختلفة، والاستعداد لمواجهة التصعيد على مختلف الجبهات.
وفي المقابل، في منتصف الشهر الجاري، نشرت صحيفة “طهران تايمز” الإيرانية الناطقة بالإنجليزية، على صدر صفحتها الأولى، ما قالت إنه أهداف عسكرية إسرائيلية، يمكن استهدافها حال إقدام تل أبيب على تنفيذ هجوم عسكري ضد إيران، إذ نشرت خريطة لإسرائيل تشمل نقاطاً حمراء للتذكير بقدرة إيران على ضرب أي مكان تريده.
وتحت عنوان “خطوة واحدة خاطئة فقط”، أظهرت الخريطة عشرات النقاط على طول وعرض الدولة العبرية، وكتبت تقول، إنه “يبدو أن تكثيف التهديدات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران يشير إلى أن النظام الإسرائيلي قد نسي أن طهران أكثر من قادرة على ضربه من أي مكان”.
ونقلت الصحيفة عن رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، قوله “على المستوى الاستراتيجي لا ننوي ضرب أحد، لكن على المستوى العملياتي والتكتيكي، نحن جاهزون لرد حاسم وهجوم سريع وصعب ضد العدو”. مضيفاً: “لا نحتاج إلى تذكير إسرائيل بالقدرات الدفاعية الإيرانية. ومع ذلك فهم بحاجة إلى تذكر شيء ما”.
خطة أميركية بديلة
في الوقت الذي تعارض فيه إسرائيل محادثات فيينا الرامية إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى، وتخشى من بلوغ إيران قريباً “العتبة النووية”، أي أن يكون لديها ما يكفي من الوقود لإنتاج قنبلة ذرية، يتمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بضرورة وقف مفاوضات فيينا، متهماً إيران بممارسة “ابتزاز نووي”.
وجاء لقاء مستشار الأمن القومي الأميركي، مع بينيت الأربعاء الماضي، لبحث “ما يحدث في فيينا”، الذي يعتبره بينيت “له تداعيات عميقة على استقرار الشرق الأوسط وأمن إسرائيل للسنوات المقبلة”، فيما تسعى الإدارة الأميركية بحسب، إميلي هورن، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي “لمعالجة جميع جوانب التهديد الذي تمثله إيران للسلام والأمن الإقليمي والدولي”.
وفي الأثناء وبحسب تقارير إسرائيلية، لم تنجح مباحثات سوليفان بإسرائيل في تهدئة المخاوف الأمنية للدولة العربية، ومناقشة خطة أميركية، قال إنها “بديلة” للتعامل مع إيران حال فشل الجهود الدبلوماسية، مطالباً بـ”تطوير استراتيجية مشتركة ونظرة مشتركة وإيجاد طريق للمضي قدماً بما يضمن بشكل أساس مصالح البلدين”.
وذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن الخطة الأميركية “البديلة” للتعامل مع طهران تتضمن فرض عقوبات عليها حال فشل المحادثات في فيينا، ومن المتوقع أن تنضم القوى العظمى المشاركة إلى خطة العقوبات التي سيتم فرضها على إيران.
وتشمل الخطة كذلك، تشديد العقوبات على الاقتصاد الإيراني، بما في ذلك الصادرات والواردات النفطية. وإدانة إيران في مجلس الأمن الدولي، وفرض عقوبات شخصية على كبار أعضاء القيادة الإيرانية، إضافة إلى سلسلة أخرى لم يكشف عنها بعد.
وتعليقاً على الخطة الأميركية البديلة، قالت الصحيفة ذاتها، إن زيارة سوليفان، كشفت عن عمق الخلافات بين واشنطن وتل أبيب حول التعامل مع الملف النووي الإيراني. ونقلت عن مصادر في الحكومة الإسرائيلية قولها قبيل زيارة سوليفان “لا يوجد اتفاق، ونحن لا نرى الأمور بشكل مطابق، وبالإمكان التوصل إلى اتفاق أفضل من ذلك الذي تسعى الولايات المتحدة إليه”.
وأوضحت “هآرتس” أن رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت وسوليفان، تطرقا إلى هذه الخلافات بشأن توصل المحادثات في فيينا إلى اتفاق نووي مرحلي، حيث تتمسك إسرائيل أنه لن يلجم بالشكل الكافي البرنامج النووي الإيراني، لكنه سيرفع العقوبات عن طهران. مضيفة “أنه في حال جرى التوصل إلى اتفاق في فيينا، تطالب إسرائيل بإدخال بنود إلى الاتفاق، من بينها: تفكيك أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وتحويل اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة إلى 20 في المئة، مع ممارسة إشراف دولي فعال ووثيق على المنشآت النووية الإيرانية”.
اندبندت عربي