انطلقت في الثامن والعشرين من كانون الأول ٢٠٢١ الجولة الثامنة من المباحثات الخاصة بالاتفاق النووي الإيراني في العاصمة النمساوية فيينا، بين مجموعة (٤+١) وإيران، والتي وصفها المنسق الأوروبي للمباحثات (اتريكي مورا) أنها الجولة الثامنة والأخيرة، وستكون على مستوى مديري وزارات الخارجية في هذه الدول، وتنطلق المفاوضات وسط تكهنات جديدة وآراء مختلفة حول النتائج التي ستخرج بها، أو المراحل الأساسية التي ستصل إليها على ضوء الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وطبيعة المصالح المشتركة للحلفاء الأوروبيين، وتوجهات الإدارة الأميركية والضغوط التي تعانيها في الداخل حول موقفها من سياسة النظام الإيراني واستخدامه عامل الوقت لإطالة المباحثات والاستفادة منه في تطوير برنامجه النووي.
تبقى صورة المفاوضات محصورة في الشروط والبيانات التي قدمها الوفد الإيراني المفاوض، وتمسكه برفع العقوبات كاملة دون تجزئتها على أن تشمل القيادات الإيرانية وأعضائها ومؤسساتها ومنظماتها وفك الحجز عن الأموال المجمدة وتوجيه الحكومات والوزارات والمصارف المعنية بتحويلها للنظام الإيراني، وعدم مناقشة برنامج الصواريخ البالستية والتدخل بالسياسة الخارجية الإقليمية لإيران واعتبارها جزءا من الأمن القومي الإيراني، بالحفاظ على المصالح الخاصة للنظام، وتأتي هذه الشروط للإسراع بمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها النظام الإيراني في الداخل، واستمرار الاحتجاجات الجماهيرية التي تطالب بإدامة الحياة ورفع المستوى المعاشي لهم، بعد أن أصيبت المنظومة الاقتصادية بعجز مالي كبير، وانقطعت السيولة النقدية، واهتزت أركان الدولة تحت وطأة الاحتجاجات والمسيرات الشعبية، واستمرار شدة الحصار الاقتصادي نتيجة العقوبات الاقتصادية الأميركية، إضافة إلى وجود انقسام واضح داخل المؤسسة الحاكمة، تشوبها حالة من الترهل والتفكك والضعف وعدم السيطرة على المنظومة العاملة في المؤسسات الحكومية، وتصاعد حدة الصراعات بين أركان ومراكز القرار السياسي داخل النظام الإيراني.
تدخل إيران المفاوضات الحالية تحت وطأة التحديات والمشاكل والأزمات الداخلية، ولكنها تسعى إلى فرض إرادتها واعتماد سياسة التعنت وإظهار القوة التي أصبحت واشنطن تدركها، والتعامل معها، ولهذا جاءت التوصيات الأخيرة من قبل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والتي أوصى بها عدد من المسؤولين الأميركيين وهم (ليون بانيتا – وزير الدفاع السابق، والجنرال ديفيد باتريوس – مدير المخابرات السابق، وميشيل فلورنوي – وكيلة وزارة الدفاع الأميركي سابقا) بعد تكثيف عمليات تخصيب اليورانيوم الإيراني، وشددوا على أن تأخذ إدارة الرئيس بايدن خطوات عملية تُشعر إيران أن سلوكها الميداني سيعرضها للخطر وبنيتها النووية التحتية، وضرورة القيام بتدريبات ومناورات عسكرية مع حلفاء وشركاء لواشنطن في المنطقة العربية، وتزويدهم بقدرات دفاعية ومنظومات جوية لمواجهة أي خطر قادم من إيران.
في ضوء الضغوطات التي تواجهها إدارة بايدن، فقد تم وضع (خطة أميركية بديلة) في حالة فشل المفاوضات، تتضمن فرض عقوبات جديدة في كافة الميادين، وتشديد العقوبات الاقتصادية المتعلقة بالصادرات والواردات النفطية، وتقديم مشروع سياسي لإدانة النظام الإيراني في مجلس الأمن الدولي، وفرض عقوبات على كبار أعضاء القيادة الإيرانية.
تحاول المجموعة الأوروبية إيجاد الحلول الوسطية بين الطرفين سعيا إلى إنجاح الجولة الثامنة، وإيجاد ركائز جديدة تنطلق منها لوضع لبنات لمشروع واتفاق قادم يحظى بموافقة جميع الأطراف، بعد أن حصل تقدم في علاقة إيران بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوقيعها اتفاقا لاستبدال كاميرات المراقبة في منشأة “كرج” لإنتاج مكونات أجهزة الطرد المركزي، ويعد تقدما مهما لأنشطة التحقق والمراقبة التي تقوم بها الوكالة في إيران.
وجاءت الموافقة الإيرانية بعد التصريحات الأخيرة لمدير الوكالة رافائيل ماريو غوديس (إن إيران زادت من أنشطتها النووية وتجاوزت كافة الخطوط، وان دور الوكالة هو ضمان تنفيذ إيران لأي اتفاق يمكن التوصل إليه، ونريد معرفة أين تخبئ إيران كل غرام من اليورانيوم المخصب).
بغية إبقاء سياسة المواجهة والتعنت، أعلن سفير النظام الإيراني لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي (أن بلاده ستواصل أنشطتها في مجال الصواريخ البالستية، وان المباحثات لا يمكن أن تتم عبر التهديدات وإنما من خلال الإرادة السياسية)، مثل هذه التصريحات تشكل عبئا على الدول الأوروبية التي تسعى لتهدئة الأوضاع واستمرار الحوار والخروج بنتائج إيجابية، كما وان المواقف الإيرانية المتصاعدة تحرج الإدارة الأميركية التي وجهت جيك سوليفان مستشار الأمن القومي لإلقاء كلمة أمام مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن بتاريخ الثامن عشر من كانون الأول ٢٠٢١ أشار بها إلى (ان الأمور لا تسير بشكل جيد، بمعنى اننا لم نجد بعد سبيلا للعودة إلى الاتفاق النووي بعد انتهاء الجولة السابعة)، وهناك تنسيق لهذا الشأن مع الدول الثلاث (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا) ، وأكدت جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض بتاريخ ٢١ كانون الأول ٢٠٢١ (انه وبناء على مواقف إيران في الجولة السابعة من المفاوضات، فقد كلف الرئيس بايدن الفريق الخاص بالأمن الوطني بأن يكون مستعدا لفشل الدبلوماسية والنظر إلى خيارات أخرى) .
فهل ستشهد الجولة الثامنة تجاذبات وصراعات حوارية بين الشركاء الأوروبيين وواشنطن وطهران، أم ستستمر عملية تقريب وجهات النظر بين الطرفين والوصول إلى نوع من التنازلات التي تؤدي إلى أولى الخطوات نحو اتفاق قادم بخصوص الاتفاق النووي الإيراني؟؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية