انتهى امتحان المحكمة الاتحادية وبدأ امتحان الصدر

انتهى امتحان المحكمة الاتحادية وبدأ امتحان الصدر

بغداد – انتهى الجدل بشأن الانتخابات في العراق بعد أن صادقت المحكمة الاتحادية على نتائجها ووجد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر نفسه في مواجهة الحقيقة وبات عليه أن يقدم أفكاره للحكومة الجديدة لتنفذها خاصة أن كتلته هي الكتلة الأكبر، وهي المكلفة ببناء التحالفات البرلمانية التي سترعى تشكيل الحكومة، وأن الصدر الآن يحتاج أكثر من الوعود.

وقالت مصادر سياسية عراقية إن زعيم التيار الصدري سيكون أمام اختبار حقيقي لكل أفكاره بدءا من مشاورات تشكيل الحكومة، متسائلة إن كان الصدر قادرا على كسب ود الكتل السنية والكردية والمستقلين دون تقديم التنازلات الكافية لتحقيق ذلك، وهل أنه سيتغاضى عن تقاسم الحقائب لاسترضاء النواب الذين سيقبلون بالتصويت لفائدة حكومته أم سيتمسك برفض المحاصصة؟

وشددت هذه المصادر على أنه لا يمكن الحديث عن “تشكيل حكومة أغلبية وطنية”، كما وصفها الصدر، دون تقديم الضمانات الكافية للنواب الداعمين لها، وأهم الضمانات حصول الكتل على الحقائب الوزارية وعلى مواقع ومكاسب للنواب وداعميهم في الانتخابات، مشيرة إلى أن الحديث عن حكومة أغلبية وطنية هو كلام فضفاض طالما أن الصدر وممثلي كتلته سيجلسون إلى ممثلي مختلف الكتل ويغرونهم بدعم الحكومة وإلا فإنه سيخسر دعم الجميع.

ودعا الصدر الاثنين إلى الإسراع في تشكيل “حكومة أغلبية وطنية”، وهو المقترح الذي ظل محتواه غامضا منذ لقائه في بداية ديسمبر مع قادة الإطار التنسيقي، الجامع للأحزاب الشيعية الموالية لإيران، وطرح من خلاله فكرة “حكومة أغلبية وطنية لا توافقية محاصصاتية على الإطلاق”.

على الصدر أن يحدد تعامله مع شروط السنة والأكراد وهل أنه سيناور ليبقي على برهم صالح من دون صدام مع بارزاني

وإذا كان الصدر يريد أن يتحرر من ضغوط الإطار التنسيقي وابتزازه فسيكون عليه أن يظهر مرونة كبيرة في ترتيب أموره مع الكتل السنية في سياق دعم هذه الشخصية أو تلك لرئاسة البرلمان مقابل الحصول على دعم صريح لتشكيل الحكومة وتمكينها من حزام برلماني وسياسي يضمن استمرارها.

وجاء موقف الكتل السنية الرئيسية هادئا، ما يظهر استعدادا لدراسة أيّ مقترحات بشأن المشاركة في الحكومة. وقال زعيم تحالف “تقدم” محمد الحلبوسي، في تغريدة، إن “الإجماع على الالتزام بقرارات المحكمة الاتحادية حول المصادقة على نتائج الانتخابات خطوة باتجاه تحقيق المسار الديمقراطي بعيدا عن الفوضى والانفلات”. فيما قال زعيم تحالف “عزم” (15 مقعدا) خميس الخنجر، في بيان مقتضب، “نبارك لكل الفائزين وننتظر منهم عزما وطنيا جادا في تصحيح مسار العملية السياسية”.

ويحتاج الصدر أن يمد يده إلى كتلة المستقلين غير المسماة رسميا في البرلمان القادم وهي كتلة تمثل الاحتجاج السياسي العراقي على الأداء الحكومي من جهة والمحاصصة من جهة ثانية، بالإضافة إلى أن الفائزين منها هم من استنزفوا كتل الحشد الشعبي ودولة القانون وهمّشوا تماما وضع أحزاب مثل تيار الحكمة.

كما سيكون على زعيم التيار الصدري أن يحدد كيفية تعامله مع شروط الأكراد وهل أنه سيناور ليبقي على برهم صالح في رئاسة الجمهورية من دون الصدام مع مسعود بارزاني.

ولا يعرف إن كان الصدر سيستمر بأسلوب المخاتلة في اختيار رئيس الحكومة بأن يبحث عن شخصية “مستقلة” يختفي وراءها حتى لا يتحمل هو والتيار الصدري معا نتائج التقصير الحكومي، أم أنه سيغامر بأن يسمّي رئيس حكومة من التيار بوجه مكشوف ويعلن مساندته للحكومة الجديدة ويتحمل تبعات نجاحها وفشلها.

ويرجح مراقبون عراقيون أن يختار الصدر الخيار الذي يمكّنه من أن يظل الطرف المؤثر من وراء الستار، وأن الأقرب هو البحث عن شخصية توافقية قد تكون رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يمكن للتيار الصدري الرهان عليه لأجل حصول حكومته على اعتراف ودعم من الولايات المتحدة ودول الإقليم، خاصة مع دعم بقاء برهم صالح في رئاسة الجمهورية.

ويوفر ترشيح الكاظمي لرئاسة الحكومة الفرصة لإنهاء نفوذ رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي كما أنهى المالكي تماما نفوذ رئيس الوزراء الذي سبقه إياد علاوي، خاصة أن المالكي يتحرك على أكثر من واجهة لقطع الطريق أمام التحالفات التي يسعى إليها الصدر. كما أن المالكي يمكن أن يكون ورقة إيران التي تبتز من خلالها الصدر وتفرض بواسطته شروطها عليه.

ويتوقع أن تبدأ الفصائل المكونة للإطار التنسيقي بوضع العراقيل أمام الصدر لمنعه من تشكيل الحكومة بمنأى عنها، وهو ما كشفت عنه تصريحات سابقة لأبرز وجوه هذا التيار مثل أبوعلي العسكري المتحدث باسم كتائب حزب الله الذي لوّح باللجوء إلى العنف والتصعيد الميداني للحيلولة دون تشكيل حكومة تخدم مصالح جهات أخرى داخلية وخارجية.

على مقتدى الصدر أن يظهر مرونة كبيرة في ترتيب أموره مع الكتل السنية للحصول على دعم صريح لتشكيل الحكومة وتمكينها من حزام سياسي يضمن استمرارها

وأعلنت كتائب حزب الله الاثنين مقاطعتها تشكيل الحكومة المقبلة، بعد أن صادقت المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات.

وقالت في بيان لها إن “الجهات التي صادرت حقوق الشعب العراقي كانت مدعومة من ائتلاف الشر الصهيوأميركي السعودي، لتمرير أجنداتهم”. ورأت أن “مفوضية الانتخابات تعرضت إلى أبشع أنواع الاستغلال من تلك الجهات قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها”.

وكانت حركة “عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي قد عبرت عن أسفها “لرد دعوى إلغاء نتائج الانتخابات رغم كثرة الأدلة القانونية والفنية المقدمة بحجة عدم الاختصاص”.

لكنّ المراقبين يعتقدون أن المرحلة الأولى بالنسبة إلى الفصائل الموالية لإيران ستكون توجيه رسائل التهديد المبطن للتيار الصدري وزعيمه من أجل فرض التوصل إلى صيغة للمشاركة في الحكومة والحصول على مكاسب واضحة.

وكان الإطار التنسيقي قد استبق قرار المحكمة بتقديم مبادرة بديلة تضمّنت تسع نقاط كانت أبرزها الدعوة إلى “معالجة اختلال التوازن البرلماني الناتج عن الخلل في نتائج الانتخابات من خلال إيجاد معالجات دقيقة لضمان عدم التفرد بسن القوانين أو التشريعات والتغيير المقترح منها أو إبطاله”.

كما حثت المبادرة على أن “تخضع الرئاسات الثلاث لاتفاق القوى السياسية مع مراعاة العرف الدستوري السائد”، وهو ما يعني الدعوة إلى حلول توافقية تضمن مكاسب أحزاب الإطار التنسيقي وكتله بالرغم من خسارته في الانتخابات.

العرب