مكافحة الإرهـ اب في العراق تتحول إلى حرب تصفيات شخصية وأعمال انتقامية

مكافحة الإرهـ اب في العراق تتحول إلى حرب تصفيات شخصية وأعمال انتقامية

شهدت محافظة بابل العراقية مجزرة راح ضحيتها عشرون فردا من عائلة واحدة على يد عناصر من القوات الخاصة، لتثير هذه الواقعة الأليمة غضب العراقيين الذين طالبوا بضرورة وضع حد لهذه التجاوزات الخطيرة من خلال إنهاء سياسة الإفلات من العقاب وفرض إجراءات رادعة.

بغداد – أتاحت فوضى مكافحة الإرهاب في العراق الفرصة لبروز سلسلة عمليات لتصفية حسابات شخصية وعشائرية وأعمال ترويع للمدنيين.

واهتز العراق قبل أيام لمجزرة راح ضحيتها عشرون شخصا من عائلة واحدة، تورطت فيها عناصر من جهاز القوات الخاصة “سوات”، معيدة التذكير بمجازر سابقة جرت تغطيتها بمكافحة الإرهاب.

وأعلن مسؤولون في جهاز الأمن الوطني الأحد عن اعتقال مجموعة تابعة لقوات العمليات الخاصة على خلفية الحادثة التي أدت إلى مقتل عائلة بأكملها في قرية جبلة في محافظة بابل وسط العراق.

وكانت قوات “سوات” حاولت في بادئ الأمر تبرير مقتل 20 شخصا بملاحقة إرهابيين، قبل أن يتضح أن ما حصل كان نزاعا عائليا استغله أحد ضباط القوة لإطلاق هجوم أدى إلى مقتل كل أفراد عائلة والد زوجته، ومن بينهم 12 طفلا وامرأة.

وهذه ليست المجزرة الأولى التي يتهم عناصر من “سوات” بالقيام بها، وسبق وأن تم اتهامها بارتكاب مجزرة في الحويجة في العام 2013 راح ضحيتها العشرات.

حسن منديل السرياوي: مجزرة جبلة جنائية وليست حادثة إرهابية

ولطالما أثارت هذه القوات جدلا كبيرا بسبب تجاوزات عناصرها الذين ينحدرون من مناطق محددة من جنوب ووسط العراق وينتمون لطائفة معينة.

وأكد محافظ بابل حسن منديل السرياوي أن مجزرة منطقة جبلة “جنائية وليست حادثة إرهابية”. وعن حيثيات العملية أوضح السرباوي أن “الاستخبارات طلبت إسنادا من القوات الأمنية، وحصل تبادل إطلاق النار، وتفاجأت في ما بعد القوات الأمنية بعد الدخول إلى مقر الحادث بوجود عدد من الضحايا”.

وأظهرت التحقيقات الأولية التي يشرف عليها وزير الداخلية عثمان الغانمي، ووكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات الفريق أحمد أبورغيف، تورط القوة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية بالوقوف وراء المجزرة.

وكان ضبّاط من قوات “سوات” قالوا في بادئ الأمر إن إرهابيا واجه القوات الأمنية بالسلاح وأصاب عددا منهم، ثم قتل أفراد أسرته وبعدها انتحر! ولكن مجريات المعركة أظهرت أن القوات المسؤولة عن الهجوم استخدمت أسلحة متوسطة وقذائف وقنابل يدوية بالهجوم على منزل مأهول بالسكان، ولم يكن فيه أحد مسلح سوى رب الأسرة.

وجرت وقائع الجريمة، بحسب بعض شهود العيان، الخميس الماضي على خلفية مشكلة عائلية بين صاحب المنزل الضحية رحيم كاظم الغريري وصهره الذي يعمل بأحد الأجهزة الأمنية.

وقال شقيق الضحية حاتم الغريري إن شقيقه فلاح بسيط وكان على خلاف مع زوج ابنته، وهو نقيب في “سوات”. وأفاد بأن شقيقه اتصل به قبل عشر دقائق من قتله مستنجدا، ومؤكدا عبر الهاتف أن قوة كبيرة مدججة بالأسلحة تطلق عليه وعلى عائلته النار وقد قُتل أربعة منهم، وأن قوات الأمن تلقي قنابل يدوية من النوافذ ومن سقف المنزل الطيني.

وذكر شاهد عيان أن الضابط المذكور سبق وهدد القتيل قبل حوالي 10 أيام، ثم داهمت مجموعة مسلحة ترتدي الزي المدني منزل الضحية، مطالبة بتسليم نفسه، إلا أن الرعب دب في الأخير، فأطلق رصاصة أو اثنتين في الهواء محاولا إبعاد العناصر، إلا أنهم ذهبوا برهة، ثم عادوا ومعهم قوة أمنية كبيرة.

وأكد ضابط في شرطة بابل هذه الرواية بالقول إن “التحقيقات الأولية أثبتت أن المشكلة الأساسية هي خلاف عائلي بسيط بين رب الأسرة وزوج إحدى بناته، والذي يحمل رتبة نقيب في قوات مكافحة المخدرات في بغداد”.

وأوضح أن “زوج البنت استغل منصبه، وأعطى معلومات مضللة بأن المجني عليه (والد زوجته) تاجر مخدرات ويأوي في منزله إرهابيين”. ولفت المصدر إلى أن “قوة أمنية حاولت اعتقال المجني عليه، لكنه رفض، وحصل تبادل لإطلاق النار”. وتابع “بعدها وصلت تعزيزات كبيرة تحمل أسلحة متوسطة وثقيلة، استخدمتها قوات الأمن في محاولة اقتحام المنزل؛ ليتبين لاحقا مقتل 20 شخصا بينهم أطفال ونساء ورب الأسرة”.

وقالت شقيقة القتيل إن شقيقها “لم يكن مطلوبا، ووضعه المادي متردّ، وأن حمله السلاح بعد الهجوم على منزله جاء دفاعا عن النفس في مواجهة 50 سيارة ‘همر’ تابعة للقوات التي هاجمت المنزل”.

وأصبح الإدلاء بمعلومات كاذبة لتغطية أعمال القتل شائعا في العراق حيث يتم إطلاق الاتهامات، ثم تجري عمليات التصفية، وتنتهي القصة من دون تحقيقات، لتتوقف عند حدود المزاعم التي تطلقها القوات المسؤولة عن العملية.

وأثارت مجزرة بابل ضجة في العراق وسط مطالبات بضرورة محاسبة الفاعلين، خصوصا وأن هذه ليس المرة الأولى التي تقع فيها مثل هذه المجازر.

واستنكر سياسيون وناشطون المعلومات التي قصدت تضليل الرأي العام، وقالوا إنه لا يوجد أي وصف للمجزرة سوى أنها إرهاب دولة استغلت فيه المناصب الحكومية، لأسباب شخصية.

وطالبت نقابة المحامين في العراق الأحد بضرورة وضع حد لهذه السلوكيات المنحرفة داخل الأجهزة الأمنية بقوة القانون، معتبرة أن الجريمة التي حدثت تعكس مدى الانحطاط والتردي الذي بلغته بعض مفاصل القوى الأمنية في البلاد.

وكانت وزارة الداخلية أعلنت الجمعة إقالة قائد شرطة محافظة بابل، فيما أوقفت القوات الأمنية عددا “من الضباط” على خلفية المجزرة.

وتقلبت الرواية الرسمية على نحو أوحى بأن لكل طرف قصة مختلفة لتبرير الحادث، وذلك من محاولة لإلقاء القبض على مطلوب بقضايا إرهاب، إلى إرهابي قتل أسرته وانتحر، بينما جرت فصول المعركة على مرأى العشرات واستخدمت فيها أسلحة قصدت إبادة كل من كان في المنزل. وهو أمر يشير إلى أن أي بلاغ بوجود إرهابي في أي منزل قد يعني مجزرة مماثلة، سواء لأعراض كيدية أو لأعمال انتقام على أساس طائفي أو عشائري.

وفي أكتوبر الماضي جرت مجزرة مماثلة في قرية “نهر الإمام” في شمال المقدادية في محافظة ديالى وتسببت بمقتل وإصابة نحو 30 مدنيا وإخلاء القرية بالكامل، قبل أن يتضح أن العملية كانت انتقاما عشائريا لهجوم تعرضت له قرية “الرشاد” المجاورة.

ومنعت تدخلات عناصر الحشد الشعبي من إجراء تحقيق في المجزرة. وقال شاهد عيان إن “أحد المهاجمين الذي تم إمساكه بعمليات قتل مدنيين في نهر الإمام كان ضابطا في أحد الأجهزة الأمنية، لكن عشيرته تدخلت وتم الإفراج عنه”.

وتعكس جريمة بابل عمق الأزمة القيمية التي تعانيها المنظومة الأمنية في العراق، وسط تحذيرات من أن غياب الردع وعدم وجود إرادة سياسية لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية سيقودان إلى وقوع مجازر مماثلة.

العرب