الجهاديون يبايعون زعيم طالبان والقاعدة ترث خلافة الإخوان وداعـ ش وأردوغان

الجهاديون يبايعون زعيم طالبان والقاعدة ترث خلافة الإخوان وداعـ ش وأردوغان

دفع فشل خلافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد تراجع حركات الإسلام السياسي التي فتحت لها الإدارة الأميركية الباب لحكم بعض الدول العربية في العقد الماضي وأيضاً تقهقر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) جهاديي القاعدة إلى مبايعة زعيم طالبان هبة الله أخوند زاده كبديل مفترض لخلافة هؤلاء.

تُعد الخلافة المفترضة لهبة الله أخوند زاده زعيم طالبان الذي تبايعه فصائل القاعدة أميرًا للمؤمنين هي الثالثة بعد خلافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وخلافة داعش ممثلة في أبوبكر البغدادي في غضون سنوات قليلة، وقد لا يكون هناك اختلاف كبير في النتائج من جهة توثيق الصلات بين الجهاديين وإساءة معاملة المعارضين السياسيين وإعدامهم وهضم حقوق النساء والمختلفين في العقيدة والفكر، وتهديد السلم والأمن الإقليميين، حيث تتشارك تلك المرجعيات في سلوكها المعادي للإنسانية والأوطان.

لا تزال التهنئات تتوالى من قبل فصائل تنظيم القاعدة في مختلف مناطق العالم لحركة طالبان -التي أعلنت مجددًا تأسيس إمارة إسلامية في أفغانستان- وزعيمها، ما يهدد بإثارة حماس الجهاديين لاستخدام القوة،على عكس ما تتوهم الدوائر الغربية.

وتحمل التهنئات ضمنيًا إعلان البيعة والتبعية ضمن حالة عامة تميز عقدًا جديدًا يتسلم فيه الجهاديون وتنظيم القاعدة النفوذ والصعود للسلطة من جماعة الإخوان التي استمرت في قمة المشهد لأكثر من عشر سنوات.

ومثل فشل الجماعة حافزًا إضافيًا لفصائل القاعدة أملًا في أن تحل محلها لدى العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، وطمعًا في أن تُعامل كعنصر سياسي مشارك في الحكم وليس كعناصر إرهابية أو إجرامية.

ولم تحُل المصاعب والتحديات التي تواجهها طالبان لبسط هيمنتها في أفغانستان دون تواصل بيانات التهنئة والمبايعة، حيث بثت مؤخرًا جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان -وهي فرع القاعدة في نيجيريا- إصدارًا مرئيًا وصفت فيه زعيم طالبان هبة الله أخوند زاده بأمير المؤمنين، وباركت هزْمَها لأعدائها وسيطرتها على الإمارة تحت ظل الشريعة الإسلامية ودحر “القوى الكافرة” بقيادة الولايات المتحدة.

تعكس الموجة الجديدة التي ازداد مدها عقب هيمنة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان رغبات الجهاديين -خاصة من تنظيم القاعدة- في الإيحاء بأن من تحتل الصدارة بعد فشل وتراجع مشاريع داعش والإخوان في بعض البلدان العربية والإسلامية هي خلافة القاعدة الممثلة الآن في إمارة مركزية بأفغانستان، والتي تتلقى البيعة من فروع عديدة تنتمي إلى تنظيم القاعدة في الكثير من مناطق العالم.

الحركة التي تشكلت ملامحها خلال المرحلة الأولى من الجهاد العالمي في غضون عشر سنوات بين عامي 1979 و1990 واكتسبت جماهيريتها وسمعتها في الأوساط الإسلامية من طرح اسمها كجبهة مسلحة تواجه احتلال “الكفار” لأراضي المسلمين من منطلق التصدي لغزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، تعود الآن على رأس عقد جديد موظفة قضية مشابهة وهي احتلال الأميركيين والغرب لبلاد إسلامية، مستفيدة من متغيرات كبيرة، في مقدمتها تراجع تنظيم داعش وفشله في الحفاظ على خلافته في سوريا والعراق وانهيار مشروع الإخوان فضلًا عن الهزيمة التي تلوح في الأفق لحركة الجهاد العالمية في كنف داعش.

القاعدة التي تدين بالولاء لطالبان تتوخى طرح اسم زعيم الحركة هبة الله أخوند زاده كخليفة بديل يحتل مكانة خلافة أردوغان التي تقهقرت بتراجع الإسلام السياسي وخلافة داعش

ويعتقد الجهاديون من أتباع القاعدة أنه كما أخذت جماعة الإخوان فرصتها في تمثيل الإسلاميين في السلطة على مدار العقد الماضي، فهم أيضا يستحقون أن ينالوا فرصة العمل السياسي الشرعي والوصول إلى الحكم، وألا يظلوا فقط أداة مساعدة للإخوان بالنظر إلى ما قدمته فصائل القاعدة في ساحات متعددة من خدمات في مجال العمل المسلح لمؤازرة الإخوان في السلطة التي احتاجت إلى نشاط أذرع عسكرية مختلفة لمجابهة الجيوش والأجهزة الأمنية في الدول المستهدفة.

ويجادل منظرو القاعدة بأن نهج “مشاركة لا مغالبة” الذي انتهجته جماعة الإخوان أدى إلى هزيمتها وإلحاق عار الفشل بتجربة الإسلاميين في الحكم وقد طال بعض فصائل القاعدة نصيب منه نتيجة التعاون مع الإخوان خلال هذه الفترة، وأن الأولى بالدعم وبذل الجهد هو مشروع الجهاديين في السلطة الذي يعتمد على مبدأ “مغالبة لا مشاركة” ورفض الديمقراطية وتداول السلطة.

وتتخذ غالبية فروع تنظيم القاعدة حركة طالبان وتحولها من جماعة إرهابية منبوذة ومطاردة إلى سلطة حقيقية للمرة الأولى نبراسًا وقدوة تؤشر على بدء عقد جديد مختلف بشأن الحضور الإسلامي في مشهد الحكم بعد انهيار مشروع الإخوان الذي كان يضع قدمًا في الدولة المدنية وأخرى في الدولة الدينية ويرفع بيد الحكم المدني والحريات والديمقراطية ويخفي بأخرى الحلول الإسلامية ومشروع خلافة العثمانيين الجدد الأممي.

تشمل مظاهر هذا التحول بروز نسخة مختلفة صاعدة إلى السلطة في أفغانستان وشمال غرب سوريا وبعض مناطق أفريقيا لا ترفع شعارات مُراوِغة ولا تظهر مداهنات للغرب أو النخب الليبرالية المحلية ولا تزاوج بين نموذج مدني وآخر ديني بل تتبنى حالة دينية متشددة صرفة، وتكدس السلاح غير المشروع وتصل إلى الحكم بالقوة الجبرية وتنفذ الاغتيالات العلنية وتستعين بالحركات المسلحة الخارجة عن القانون.

ويطلب هذا النموذج الصاعد الذي ينشد تصدر العقد الحالي الاعتراف الدولي به من منطلق كونه حالة وسطى بين جماعة الإخوان -التي عجزت عن إقناع القوى الغربية بها وكسب ثقة مموليها ورعاتها ككيان قادر على تكريس نفسه في مشهد السلطة والاستمرار فيها طويلًا لحماية مصالح حلفائها- ونموذج داعش وحركات الغضب التكفيري والعنف العدمي وأيديولوجيات تؤمن بقرب نهاية العالم والتي عجزت عن الاستمرار في السلطة لوحشيتها المفرطة وتهديدها السلام والأمن العالميّيْن.

وبدأ يتضح أن تنظيم القاعدة الذي يدين في عمومه بالولاء لطالبان يتوخى طرح اسم زعيم الحركة هبة الله أخوند زاده كخليفة بديل مفترض يحتل مكانة خلافة أردوغان التي تقهقرت بتراجع حظوظ الإسلام السياسي وخلافة داعش التي تواجه صعوبات كبيرة في استعادة زخم خلافة زعيمها الأول أبوبكر البغدادي، لذلك تتكرر في بيانات التهنئة والمبايعة الإشارة إلى زعيم طالبان الغامض بوصفه أمير المؤمنين.

الموجة الجديدة التي ازداد مدّها عقب هيمنة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان تعكس رغبات الجهاديين في الإيحاء بأن من تحتل الصدارة بعد فشل وتراجع مشاريع داعش والإخوان في بعض البلدان العربية والإسلامية هي خلافة القاعدة

وتطغى على هذه المرحلة -التي تشهد تحولات كبيرة بالنظر إلى تراجع أجنحة داخل الحالة الإسلاموية وصعود أخرى- العديد من السمات المقلقة؛ حيث باتت الحركة الإسلامية السائدة محاصرة وعاجزة عن معاودة الترويج لازدواجيات الحكم المدني والديني والتعاون مع الغرب ومصارعة حضارته ورفض الجهاد العنيف والتحالف مع أجنحته خفية بعد أن مُني هذا الخليط بهزائم ماحقة تبعتها كوارث تنظيمية قاصمة للظهر.

وتنهار الآن حظوظ التنظيمات الإسلامية التي انحازت إلى مسك كل العصي من المنتصف ولعبت كل مبارياتها في المناطق الرمادية. وفي المقابل تنتعش أجنحة جهادية منافسة تكفر تمامًا باللعبة الديمقراطية والتسويات والوصول السلمي إلى السلطة الذي تجده سرابًا مخادعًا وظلًا عابرًا ودائرة مفرغة تبدأ بصفر وتنتهي بصفر، ورغم ذلك تراهن كما راهن تيار الإسلام السياسي بزعامة الإخوان على الدعم الغربي استنادًا إلى فرضية حاجة الغرب الدائمة إلى من يصد عنه الإرهاب ويوظفه لتحقيق مكاسب استراتيجية على حساب الخصوم والمنافسين الدوليين.

ولئن أعادت انتفاضات ما عُرف بالربيع العربي تشكيل الحركات الإسلامية ونصبت جماعة الإخوان -وكذلك تنظيمها الدولي- كزعيمة لمجمل هذا التيار الذي توزع بين فصائل تحالفت مع الإخوان واستفادت من تحولات المرحلة بالانخراط في المشهد السياسي وتشكيل أحزاب وأخرى ظلت في دائرة العنف المسلح، فإن صعود طالبان الثاني إلى السلطة يعيد مجددًا تشكيلها ليس على أساس الفرز السابق بين معتدل ومتشدد أو بين متصالح مع الديمقراطية ومعاد لها، وإنما من منطلق الإيمان بالعقيدة الجهادية والتذرع بالصبر الاستراتيجي الذي يمهد في نهاية المطاف لإقامة خلافة عالمية.

على الرغم من اتباع قادة القاعدة المؤسسين -وفي مقدمتهم أسامة بن لادن- لمدارس الإخوان السياسية البراغماتية وأن أفكار التنظيم لم تكن فقط أفكارًا متشددة فقهيًا وعقديًا إنما هي أيضًا أفكار تتجاوز الخلافات العقدية لتشكيل تحالفات مع الخصوم لمواجهة أعداء مشتركين، إلا أن عناصر القاعدة يعتزون -مقارنة بالإخوان- بثباتهم الأيديولوجي الذي يعتقدون أنه يجلب لهم الحظوة عند الله، ولذلك لا يقيمون وزنًا كبيرًا لمطالب وإملاءات القوى الغربية، ما يجعل سنوات خلافة القاعدة الافتراضية بزعامة طالبان أكثر قتامة للشعوب الإسلامية والعربية وللحكومات الغربية على حد السواء.

وفي غياب المهارة في الحكم تضرب حركة طالبان المثل لما يجسده نظام حكم القاعدة من مظالم محلية وتكريس لبؤس السكان عندما تنشط طالبان في سرقة المساعدات الإنسانية وفي ابتزاز المزارعين وغيرهم وإعادة توزيع الأملاك والأراضي على مقاتليها والمقربين منها، مُطلقة يد مختلف التنظيمات الإرهابية الأجنبية للتجنيد من خلال توفير الأمن وتقديم المال.

إذا كانت جماعة الإخوان امتلكت الجرأة في العقد الماضي لتزعم أنها نسخة محسنة فهناك من هو أكثر جرأة الآن؛ ذلك الذي يزعم أن معتنق فكر القاعدة يصلح للاستعانة به في كبح الإرهاب العابر للحدود

وتجد طالبان أن الحفاظ على الحد الأدنى من وحدة الحركة والحيلولة دون إحداث شروخ وانشقاقات كبرى في جسدها مقدم على إرضاء الولايات المتحدة ودول الغرب التي تضغط باتجاه جعل الحركة الأداة الرئيسية في مسار استهداف داعش وتقويض حضور ولاية خراسان.

تحقيق هذا المطلب الغربي الرئيسي المتوهم من شأنه أن يعمق الانقسامات داخل طالبان؛ حيث يعارض جناح قوي داخلها -يقوده فصيل سراج الدين حقاني وزير الداخلية في حكومة طالبان، وهو من الشخصيات القوية البارزة والمطلوبة لدى الولايات المتحدة- أي هجوم على داعش خراسان وأي جماعة مسلحة أخرى داخل البلاد.

وتمنح طالبان الأولوية للوحدة التنظيمية لكونها مهددة بانقسامات كبرى في حال ازدياد وتيرة استهداف تمركزات ومصالح داعش خراسان، ما قد يدفع سراج الدين حقاني وفصيله المتشدد إلى التحالف المباشر والمعلن مع داعش تمهيدًا لصراعات موسعة بين الجهاديين وفصائل طالبان.

وإذا كانت جماعة الإخوان امتلكت الجرأة في العقد الفائت بعد أن فتحت لها الإدارة الديمقراطية الأميركية المجال لتحكم بعض البلدان العربية وتزعم أنها نسخة محسنة وجديدة وقادرة على كبح الإرهاب، ليتضح بعدها أنها أبعد ما تكون عن ذلك، فهناك من هو أكثر جرأة الآن؛ ذلك الذي يزعم أن معتنق فكر القاعدة يصلح أن يكون رجل حكومة ويمكن الاستعانة به في كبح الإرهاب العابر للحدود.

العرب