القاهرة – بوتيرة غير مسبوقة، توسعت مصر في قرارات بناء وترميم الكنائس خلال السنوات القليلة الماضية، فيما تتزايد دور العبادة المسيحية في دول الخليج العربي، مع تطلع كنسي رسمي لبناء أول كنيسة في السعودية، لاسيما بعد إقامة أول قداس في المملكة.
وهذه المظاهر تشع أجواءَ من التسامح والاحترام بين الأديان، وتتواصل في الدول العربية بالتزامن مع ارتفاع أصوات أجراس الكنائس فرحا بحلول عيد ميلاد “السيد المسيح” عليه السلام في السابع من يناير من كل عام وفق التقويم الشرقي، بينما احتفل به الغربيون في الخامس والعشرين من ديسمبر.
وقال شيخ الأزهر أحمد الطيب في كلمة خلال افتتاح أكبر كاتدرائية في منطقة الشرق الأوسط شرقي القاهرة مطلع 2019، إن موقف الإسلام من بناء الكنائس “محسوم حيث يعد الإسلام ضمانة شرعية لبناء كنائس المسيحيين، وهذا حكم شرعي لا جدال فيه”.
وفي ديسمبر 2020 رد الطيب على تساؤلات بشأن حكم بناء الكنائس، مؤكدا أن “الإسلام ليس ضد بناء الكنائس، ولا يوجد لا في القرآن ولا في السنة النبوية ما يحرم هذا الأمر”.
وفي الثلاثين من أغسطس 2016 أقر مجلس النواب المصري بشكل نهائي قانون بناء وترميم الكنائس بترحيب من الكنائس الثلاث الرئيسية في البلاد وهي: الأرثوذكسية (الأكثر عددا) والكاثوليكية والإنجيلية.
أحمد الطيب: بناء الكنائس في بلاد المسلمين حكم شرعي لا جدال فيه
ونص القانون على تشكيل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، تضم في عضويتها الوزراء والجهات الفنية والأمنية المختصة وممثل الطائفة المعنية، على خلاف ما كان معمولا سابقا من الاكتفاء بالموافقة الأمنية المسبقة فقط للبناء أو الترميم.
وجرى تشكيل اللجنة وبدأت تتلقى طلبات في يناير 2017 وحتى سبتمبر من العام نفسه، وأصدرت أول قرار لها في مايو من العام التالي.
ووافقت اللجنة في الرابع من يناير 2022 على تقنين أوضاع 141 كنيسة ومبنى تابعا، ليرتفع عدد الكنائس والمباني التي تمت الموافقة على توفيق أوضاعها منذ بدء عمل اللجنة إلى 2162 كنيسة ومبنى تابعا.
وهذا الرقم، وفق مراقبين، غير مسبوق في السنوات الأخيرة، إذ كانت الطائفة تستغرق فترة زمنية ليست بقصيرة للحصول على ترخيص ترميم، في ظل أجواء بصعيد مصر (جنوب) شهدت أزمات بخصوص دور العبادة، لكنها قلّت بشكل لافت تزامنا مع تطبيق القانون.
وقال بابا أقباط مصر تواضروس الثاني في تصريحات متلفزة في الرابع عشر من نوفمبر 2021 “من المحطات المميّزة التي مر بها هي محطة إصدار قانون بناء الكنائس عام 2016″، معتبرا إياه “خطوة مهمة جدا وإيجابية في النظر إلى مواطنين مصر نظرة واحدة”.
وفي يناير 2019 افتتح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كاتدرائية “ميلاد المسيح”، وهي الأكبر للمسيحيين الأرثوذكس بالشرق الأوسط، شرقي القاهرة.
ولم تعلن الكنيسة المصرية عن أعداد أقباطها طيلة السنوات الماضية، غير أن البابا تواضروس الثاني، ومنذ وصوله لمنصبه في الثاني من نوفمبر 2012، ذكر في أكثر من تصريح أن عددهم وصل 15 مليونا. وآنذاك، تجاوز تعداد مصر 91 مليون نسمة، ويقدر حاليا بنحو 104 ملايين.
وتتواجد كنائس الأقباط في مختلف الدول العربية، لاسيما الخليجية منها وأبرزها الإمارات وسلطنة عمان والبحرين والكويت وقطر، بحسب بابا أقباط مصر في مقابلة تلفزيونية في السادس من ديسمبر 2018.
وشهدت السعودية أواخر 2018 إقامة أول قداس (صلاة)، دون تعليق رسمي من الرياض وسط تطلع كنسي لبناء أول كنيسة في المملكة.
وفي أول تعليق من الكنيسة على إقامة قداس بالسعودية، قال البابا تواضروس الثاني في المقابلة ذاتها إن “هذه الخطوة جاءت بالترتيب، وكانت إيجابية وطيبة، وفق التطورات الجديدة التي تشهدها المملكة لمواكبة العصر”.
وأعرب عن تطلعه لبناء أول كنيسة في السعودية، قائلا “لا أعرف طبيعة الظروف هناك، ولكن لمَ لا.. ماذا يمنع؟ هناك دول عربية مجاورة توجد بها كنائس”.
وأوضح أن السعودية تستقبل الآلاف من العاملين المصريين، بينهم مسيحيون، ومن ثم فإن “توفير المملكة لأماكن عبادة لهم شيء جميل جدا”.
والقداس كان حدثا نادرا في السعودية التي تحظر بناء الكنائس لاعتبارات دينية، وأقامه الأنبا مرقس مطران شبرا الخيمة (شمال القاهرة) خلال زيارته المملكة بدعوة من الديوان الملكي السعودي.
وأقيم القداس، بحسب تقارير إعلامية، في قاعة بأحد الشاليهات بالعاصمة الرياض، وحضره العشرات من الأقباط.
تواضروس الثاني: توفير السعودية أماكن عبادة للمسيحيين سيكون شيئا جميلا جدا
وقبل نحو عام من هذا القداس، استقبلت السعودية في نوفمبر 2017 البطريرك اللبناني الماروني مار بشارة بطرس الراعي، في أول زيارة تاريخية لبطريرك ماروني للمملكة، ما مثل انفتاحا غير مسبوق.
وبحضور ممثل للملك حمد بن عيسى، افتتحت البحرين في العاشر من ديسمبر 2021 كاتدرائية “سيدة العرب”، وهي أكبر كاتدرائية كاثوليكية في منطقة الخليج على مساحة 9 آلاف متر مربع، وتتسع مع ساحاتها الخارجية لنحو 8 آلاف شخص.
وفي كلمته خلال الافتتاح، قال عبدالله بن حمد آل خليفة ممثل الملك إن هذه “الكنيسة الكاثوليكية أكبر كاتدرائية في منطقة الخليج العربي، وتحقق رؤية العاهل البحريني في التقارب بين الأديان والثقافات”.
وقال النائب الرسولي في جنوب شبه الجزيرة العربية المطران باول هيندر إن “الملك يأمل أن يزور البابا فرنسيس البلاد”.
وفي فبراير 2019 زار البابا فرنسيس الإمارات، ليصبح أول بابا يزور شبه الجزيرة العربية، ضمن مشاركته في مؤتمر لحوار الأديان، وكان في استقباله كل من ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وشيخ الأزهر أحمد الطيب.
وقبلها، زار البابا فرنسيس مصر يوم الثامن والعشرين من أبريل 2017، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ 17 عاما، عندما زارها البابا يوحنا بولس الثاني عام 2000.
العرب