يشكل الصرع الديني بعدا آخر للنزاع الروسي الأوكراني بعد الصراع السياسي والعسكري، الذي شهد هذا الأسبوع تصعيدا خطيرا على خلفية احتجاز روسيا سفنا تابعة لأوكرانيا بالقرب من شبه جزيرة القرم.
آخر تطورات هذا الصراع، أو ما يطلق عليه “حرب الكنائس”، تجلى في قرار الكنيسة الروسية الأرثوذكسية قطع علاقاتها مع بطريركية القسطنطينية المسكونية في إسطنبول (السلطة الدينية الأعلى التي يتبعها جميع المسيحيين الأرثوذكس في العالم) احتجاجا على اعترافها باستقلال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية وانفصالها عن بطريركية موسكو.
ويعني قرار الكنيسة الروسية إنهاء مشاركتها في الهيئات التابعة لبطريركية القسطنطينية المسكونية، وتعليق كافة الأنشطة والطقوس الدينية المشتركة.
دوافع سياسية
وفي تعليقه على القرار، قال الناطق الرسمي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية ألكسندر فولكوف للجزيرة نت إن “الكنيسة الأوكرانية لم تسع في يوم من الأيام إلى الاستقلال من المؤمنين الأرثوذكس في أوكرانيا، وإنما نبع هذا من مبادرات حصرية للقوى السياسية الأوكرانية”.
وهذا يؤكد -بحسب الأب فولكوف- “انغماس بطريركية القسطنطينية في اللعبة السياسية، ويتطابق مع مواقف الغرب والقوى القومية الأوكرانية تجاه روسيا، الهادفة إلى قطع العلاقات التاريخية والثقافية بين البلدين”.
وذكر أنه من الضروري تأكيد أن كنيسة أوكرانيا مستقلة منذ عام 1990، “عندما منح البطريرك ألكسي الثاني بطريرك الكنيسة الروسية السابق لكنيسته الأوكرانية بقيادة توموس الحكم الذاتي والاستقلال التام في إدارته”.
و”لهذا -يتابع الناطق الرسمي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية- نحن نفهم أن قرار بطريركية القسطنطينية لا يعني الاعتراف باستقلال الكنيسة الأوكرانية القائمة، بل محاولة لإضفاء الشرعية على منظمات كنسية منشقة، وربطها مع الكنيسة بالقوة، ومن ثم كسر الوحدة الروحية التاريخية والكنسية للكنيسة الروسية”.
وأشار الأب فولكوف إلى أن الكنيسة الروسية لم تفعل أي شيء على مر السنين لتصحيح الانشقاق الموجود في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه أصبح الانقسام سببا لإجراءات متعمدة ومقصودة لتدمير وحدة الكنيسة من أفراد لا ينتمون بصله للكنيسة ولا شرائع الكنيسة الأرثوذكسية.
ورأي أن هذه القضية لا يمكن حلها عبر قرار إداري من كنيسة القسطنطينية يجبر الأطراف على الوحدة، “فهذا أمر مستحيل لأن الاعتراف بالمنشق الأرثوذكسي يجعلك منشقا ومهرطقا، وهو السبب الذي يجعل الشراكة مع بطريركية القسطنطينية غير ممكن، ما دامت تعترف بشرعية المجموعات المنشقة”.
جذور الخلاف
وترجع جذور الخلاف إلى الانشقاق الذي شهدته الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا عام 1990، حيث أعلن قيام بطريركية كييف ككنيسة مستقلة، والكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التي تتبع بطريركية موسكو .
”
في بداية سبتمبر/أيلول العام الحالي اتهم بطريرك القسطنطينية برثلماوس موسكو “بتدخلات غير قانونية”في شؤون مطرانية كييف
”
وفي بداية سبتمبر/أيلول العام الحالي، اتهم بطريرك القسطنطينية برثلماوس موسكو “بتدخلات غير قانونية” في شؤون مطرانية كييف منذ القرن 14، عندما نقل مقر الكنيسة الأرثوذكسية إلى موسكو دون إذن قانوني من الكنيسة الأم (بطريركية القسطنطينية).
وأضاف أن بطريركية القسطنطينية اتخذت قرارا بإعادة الاستقلال للكنيسة الأوكرانية، بناء على طلب من الحكومة الأوكرانية ودعوات بطريرك الكنيسة فلاريث.
وحاول بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كيريل في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي خلال زيارته لإسطنبول أن يثني البطريرك برثلماوس عن اتخاذ خطوات تؤدي إلى مزيد من الفرقة بين رعايا الكنيسة الأرثوذكسية، ولكن لم ينجح في مساعيه.
مواقف متباينة
وتباينت المواقف الكنسية في الكنائس إزاء الخلاف، حيث دعت بطريركية أنطاكيا للروم الأرثوذكس، والتي تتبعها معظم كنائس الشرق الأوسط إلى عقد اجتماع لرؤساء الكنائس الأرثوذكسية.
وعبرت البطريركية -في بيان- عن رفضها مبدأ قيام كنائس موازية ضمن الحدود القانونية للبطريركيات والكنائس المستقلة كوسيلة لحل الخلافات، محذرة من مخاطر زج العالم الأرثوذكسي في الصراعات السياسية العالمية.
من جهته، أدان مطران كييف وسائر أوكرانيا أنوفري المقرب من موسكو خطوة كنيسة القسطنطينية واعتبره تصرفا غير قانوني، معتبرا أنها لا تتمتع بأي حق أخلاقي أو شرعي للتدخل في شؤون أوكرانيا، مشيرا إلى أن مثل هذا التصرف يهدد بتقييد حرية الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التي تتمتع بإدارة ذاتية ضمن تبعية لبطريركية موسكو.
المصدر : الجزيرة