على شاكلة رؤساء عرب واجهوا ثورات شعوبهم باتهامات الإرهاب والخيانة والإجرام، وشرعوا في استخدام جبروت الدولة العسكرية والأمنية ضد المحتجين على الاستبداد والفساد، لم يضيّع رئيس كازاخستان، قاسم توكاييف، وقته أيضا فأعلن أن ما يصل إلى 20 ألفا من «قطاع الطرق» و«الإرهابيين» الذين «تلقوا تدريبا مكثفا في الخارج» هاجموا العاصمة الاقتصادية للبلاد، آلما آتا، وأمر قوّاته بإطلاق النار دون سابق إنذار، و«سحق» من يرفضون تسليم أنفسهم.
يبدو أن توكاييف «تفوّق» على نظرائه العرب، فبدلا من انتظار ما تسفر عنه نتائج قرارات القتل والسحق التي أصدرها لقواته، فقد سارع إلى طلب الدعم العسكري والأمني من روسيا (ودول مجاورة تدور في فلكها ضمن ما يسمى «منظمة معاهدة الأمن الجماعي») وهو قرار يدلّ إما على ضعف ثقة المجموعة الحاكمة في قواتها، بعد أنباء عن تردد بعض القوات في تنفيذ قرارات القتل والسحق، أو على ولاء حكام كازاخستان لروسيا أكثر من ولائهم لشعبهم.
يبدو أيضا أن مصطلح الإرهاب هو العملة الرائجة بين كل الأنظمة في العالم، ويعود ذلك، إلى درجة كبيرة، لاعتماده ضمن منظومة الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تقصّر في التلاعب بهذا المصطلح، والاستخدام الانتهازي له، وخصوصا في قضية كفاح الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل، وفي تعميماتها التي تخلط بين المسلمين والحركات الإسلامية، وبين المعتدل والديمقراطي منها، والسلفيّ المسلّح، وكذلك في تعامل أوساط اليمين فيها، مع الأقليات والأعراق المختلفة.
ما يهمّ أنظمة الاستبداد، حين تطلق مصطلح الإرهاب على أي مظاهر احتجاج شعبيّ ضدها، هو تبرير إرهاب الدولة المعمم ضد مواطنيها، وحماية مصالح الطغمة المتحكمة بمصادر القرار السياسي والاقتصادي، وبعد لجوئها إلى الاتهامات القصوى يصبح استخدام العنف الوحشيّ مبررا، ولا بأس، في هذه الأثناء، أن تسدّد جزءا من الحساب الطويل مع الأنظمة الغربية التي ساهمت عمليا في تمكين هذا المصطلح، والسخرية، بالتالي، من الشرع الأممية، والمنظمات العالمية المدافعة عن حقوق الإنسان، وإعلان الاحتقار لرغبات الشعوب في التحرر من تغوّل الاستبداد والفساد.
لا تكتفي الأنظمة المستبدة بإطلاق مصطلح الإرهاب على الحركات الاحتجاجية ضدها، وتسمية إرهابها لشعوبها حفظا للأمن والاستقرار، ولكنها تزيّن أيضا التدخلات العسكرية الأجنبية، والتي غالبا ما تتحول إلى احتلالات رسمية، فتقوم باستدعاء قوات أجنبية للحفاظ على مصالح المجموعة الحاكمة، وتسمي هذا أيضا «حفظا للسلام».
من ذلك أن قائد أعمال «قوات حفظ السلام» التي دخلت إلى كازاخستان، وسيطرت مباشرة على مرافق رئيسية في البلاد، منها مطار ألما آتا، هو الفريق أول أندريه سيرديوكوف، أحد الذين شاركوا في احتلال شبه جزيرة القرم عام 2014، وإعلانها «جزءا من روسيا إلى الأبد» وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية للقول إنها ستراقب «أي أفعال قد تمهد للسيطرة على المؤسسات في كازاخستان».
مهدت الصحافة الروسية لسيناريو القرم في كازاخستان، والذي نشهد شكلا مختلفا له في سوريا، وإلى حد أقل في دول أخرى مثل ليبيا ومالي، عبر مرتزقة شركة «فاغنر» الروسية، بتضخيم عدد السكان من الأصل الروسي، وبالإشارة إلى أنه في حالة «الفوضى» فإن السكان الروس سيكونون «الضحية الأولى للمسلحين الكازاخستانيين» كما حذرت من «إمكانية إنشاء دولة إسلامية» هناك، مشيرة إلى أنه في حالة الفوضى تلك، «ستضطر روسيا إلى إرسال قوات» إلى هناك.
يؤكد ما يحصل المقولة الشهيرة بأن الاستبداد يستجلب الغزاة، لكنّ ما يثير الاستغراب هو تسرّع الدكتاتور الكازاخي الهائل في طلب التدخّل الأجنبي في بلاده، فحتى لو قبلنا قوله إن المحتجين «قطاع طرق» و«إرهابيون» فهم كازاخيون مثله، وليسوا أجانب!
القدس العربي