استراتيجية بايدن للشرق الأوسط براغماتية قاسية

استراتيجية بايدن للشرق الأوسط براغماتية قاسية

يمكن استخلاص العديد من الاستنتاجات بعد مرور عام على وصول جو بايدن إلى رئاسة الولايات المتحدة، حيث شكلت البراغماتية القاسية محور سياسته حيال الشرق الأوسط فقبلت إدارته بالأمر الواقع إزاء سوريا إذ اعترفت ضمنيا بانتصار الرئيس بشار الأسد، فيما لم تتخل واشنطن عن الرياض كحليف استراتيجي رغم المحاولات لعرقلة توجه إدارة بايدن إزاء الرياض على غرار محاولة عرقلة صفقة بيع الأسلحة لها في وقت سابق من قبل أعضاء في الكونغرس.

واشنطن – بعد مرور عام عن وصوله إلى البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة تتزايد الأسئلة بشأن استراتيجية جو بايدن في الشرق الأوسط خاصة في ظل التغيرات التي تعرفها المنطقة على وقع التطبيع العربي مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد وغيرها.

تُشير سياسات إدارة بايدن حاليا في المنطقة إلى تناقض صارخ مع ما أطلقه من تصريحات ومواقف حادة خلال حملته الانتخابية، حيث لم يتردد في مهاجمة سلفه دونالد ترامب بشأن عدم فهمه لطبيعة البيئة الجيوسياسية.

ورأى وقتها أن ترامب ينوي سحب القوات الأميركية من سوريا وهذا سيُفيد نظام الأسد وإيران، فضلا عن جعل الإسرائيليين يعتمدون على الروس لضمان أمنهم.

القبول بالأمر الواقع في سوريا

ستيفن إيه كوك: بايدن وفريقه منخرطان في التفكير الاستراتيجي بشأن المنطقة

تُحيل طريقة التعاطي الأميركي مع التطبيع العربي مع النظام السوري إلى قبول بالأمر الواقع حيث ترى واشنطن أن الأسد انتصر، وذلك بالرغم من التصريحات القوية التي أطلقها بايدن خلال حملته الانتخابية.

وقال ستيفن إيه كوك، وهو كاتب عمود في مجلة فورين بوليسي الأميركية وزميل إيني إنريكو ماتي الأول لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، إنه “بناء على تصريحات الرئيس خلال ترشحه للبيت الأبيض، كان المرء يتوقع أن يكون دوره أكثر فاعلية في سوريا”.

ولكن بايدن لم يُقدم أي خطة مُفصلة خلال حملته الانتخابية بشأن الأزمة السورية، واكتفى بإطلاق تصريحات حول نهج قوي حيالها.

وبدلا من النهج المتشدد تجاه سوريا الذي أشار إليه بايدن في حملته، فقد خلُص على الأرجح إلى أن خفض التصعيد يخدم مجموعة من الأهداف الجيوستراتيجية المرتبطة بالصراع السوري بشكل أفضل.

وتقوم الاستراتيجية على الاعتراف الضمني بأن الأسد قد انتصر ولا يمكن لأي شخص أن يفعل أي شيء حيال ذلك. ويبدو أن فريق بايدن يعتقد بأنه من خلال التصالح مع هذا الواقع، سوف تحظى الولايات المتحدة بفرصة أفضل لحشد المزيد من المساعدة للأشخاص في سوريا الذين يحتاجون إليها، ومساعدة اللبنانيين الفقراء، وتغيير العلاقات مع روسيا (على الرغم من أن هذا الأمر يتعلق الآن بأوكرانيا أكثر من أي شيء آخر)، وإبعاد السوريين عن الإيرانيين.

ولتحقيق هذه الغايات، لم تكن إدارة بايدن شديدة الانتقاد أو انتقادية على الإطلاق عندما اتصل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بالرئيس السوري أو عندما زاره وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، في دمشق في أوائل نوفمبر الماضي.

وقال إيه كوك في تقرير لمجلة فورين بوليسي إنه “يبدو أن خطة لاستعادة السيادة والوحدة السورية تتماشى مع نظرة بايدن الشاملة، على الرغم من أن البيت الأبيض لم يوافق على خطة الملك”.

وبحسب ما ورد، شارك دبلوماسيون أميركيون في جهود لاستخدام خط الغاز العربي لإرسال الغاز المصري إلى الأردن ثم إلى لبنان عبر سوريا، مما يوفر الإغاثة للبنانيين الذين يواجهون انقطاع الكهرباء (من بين العديد من الصعوبات). وترك هذا أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين، الذين سعوا إلى محاسبة الأسد على جرائم الحرب التي ارتكبها، يتساءلون عن سبب وقوف إدارة بايدن جنبا إلى جنب مع الدول العربية، بما في ذلك مصر والجزائر والبحرين وعمان ولبنان وتونس بالإضافة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والأردن لإعادة تأهيل سوريا.

واعتبر إيه كوك أنه “لا يحتاج المرء إلى الاتفاق مع ما تفعله الإدارة الأميركية في سوريا، لكن من الواضح أن هناك استراتيجية أساسية. وتتماشى براغماتية بايدن القاسية في سوريا مع المصالح الأميركية في مكافحة الإرهاب، ومكافحة انتشاره، والأمن الإسرائيلي، وحقوق الإنسان من خلال البحث عن طرق لزيادة تدفق المساعدات. لكن هل يعالج السبب الجذري للمشكلة؟ لا. هل توجد أسباب للشك؟ نعم بالطبع. يجب على أي مراقب موضوعي أن يعترف بأن الأسد لم يتعامل أبدا مع قضية المساعدات بحسن نية، وغالبا ما فعل ما يكفي لإبقاء خصومه في مأزق مع الاحتفاظ بالقدرة على مواصلة السياسات الخبيثة. وربما تكون استراتيجية بايدن سيئة، لكن لديه استراتيجية”.

لم تقتصر سياسة بايدن القبول بالأمر الواقع على سوريا حيث امتدت لتشمل الحرب في اليمن وأيضا العلاقات مع السعودية رغم محاولات لوبيات قطرية وغيرها التأثير عليه إزاء هذه الملفات.

وتعكس مصادقة مجلس الشيوخ الأميركي لصالح صفقة أسلحة بقيمة 650 مليون دولار للسعودية هذا القبول، حيث لا يمكن لإدارة بايدن التخلي عن السعودية كحليف استراتيجي رغم محاولات بعض أعضاء الكونغرس عرقلة هذه الصفقة بتعلة الحرب في اليمن.

وقالت إدارة بايدن إن الصفقة كانت من أجل بيع أسلحة دفاعية للرياض في ظل الهجمات التي يشنها الحوثيون المدعومون من إيران على الأراضي السعودية.

وصوت حتى كبار منتقدي الجهود التي تقودها السعودية في اليمن مثل السناتور كريس مورفي وهو ديمقراطي من كونيكتيون لصالح صفقة الأسلحة لأن الأسلحة المتجهة إلى المملكة العربية السعودية ستساعد البلاد -كما اعتبر- في الدفاع عن نفسها.

وارتأت إدارة بايدن أن قطع إمدادات الأسلحة عن السعودية لن يوقف الحرب في اليمن، ولن ينتهي الصراع فيها بمجرد قانون من الكونغرس. وتقوم سياستها على هذا الواقع وعلى الاعتراف بأنه من الصعب للغاية إثارة المشكلات مع السعودية الحليف الاستراتيجي لواشنطن.

وعندما يتعلق الأمر بالسعودية، فإن لدى بايدن مشكلة أخرى تُقلقه وهي تتشابك مع سياساته ومصالحه الوطنية، حيث تتمثل في التدفق الحر للنفط وقدرة السعوديين على التأثير في سعره، وبالمقابل ما يدفعه المستهلكون الأميركيون عند المضخة.

وعبّر محللون عن قلقهم بشأن استقرار شبه الجزيرة العربية وتهديدات للممرات المائية الاستراتيجية مثل مضيق المندب والبحر الأحمر نتيجة انتصار الحوثيين، لاسيما بالنظر إلى صلاتهم بإيران.

ويُثير هذا التوجه انتقادات لدى نشطاء المناخ، لكنّ مراقبين يرون أنها تبقى انتقادات غير واقعية، حيث يقول إيه كوك “بقدر ما يتغير مشهد الطاقة، فلن يحدث ذلك بالسرعة أو السلاسة التي يرغب دعاة حماية البيئة في تصديقها، وإلى أن يحدث تحول ثقافي في الولايات المتحدة حيث يتوقف الأميركيون عن الاعتقاد بأن لديهم حقا إلهيا في القيادة في شاحنات كبيرة وسيارات دفع رباعي مليئة بالغاز الرخيص، ستظل المملكة العربية السعودية دولة مهمة”.

وخلُص إيه كوك إلى أنه “لا يوجد شيء تثقيفي أو بطولي في البراغماتية القاسية لبايدن، لكن السياسة الخارجية غالبا ما تدور حول اتخاذ قرارات مشبوهة أخلاقيا. ومع ذلك، أمنح بايدن وفريقه الفضل في ذلك. فهم منخرطون في التفكير الاستراتيجي على عكس منتقديهم”.

العرب