الجولة القادمة بين السلوك الإيراني و التهديد الأمريكي

الجولة القادمة بين السلوك الإيراني و التهديد الأمريكي

يقترب الموعد لعقد جلسة جديدة للحوار حول البرنامج النووي الإيراني وسط تحليلات سياسية وتوجهات دولية بإتمام صفقة المفاوضات والوصول إلى اتفاق جديد يعيد الإطار السياسي لبرنامج العمل المشترك الموقع عام ٢٠١٥ بين مجموعة (5+1) ولكن الأحداث المتصاعدة والتصريحات الإعلامية التي تطلق من طهران وتل ابيب ومناغمتها مع الضغوط الأمريكية التي تواجهها إدارة الرئيس بايدن من قبل أعضاء مجلسي النواب والكونغرس، كلها تعبر عن حقيقة المواقف المتناقضة وطبيعة السياسات المتبعة من جميع الأطراف فالنظام الإيراني لا يزال مستمرا في سياسة التصعيد وكسب الوقت والمضي في تدعيم مستلزمات برنامجه وابحاثه النووية بعد قيام القوات المسلحة الإيرانية يوم الجمعة الموافق السابع من كانون الثاني ٢٠٢٢ بعرض عسكري في ساحة(صلاة وسط) بالعاصمة طهران تضمن وجود ثلاث صواريخ باليستية من طراز الصواريخ التي استهدفت القواعد والمواقع الأمريكية داخل الأراضي العراقية وتحديدا في قاعدة الأسد، وهي الصواريخ المعروفة باسم (ديزفول والقيام وذوالفقار) وجاء العرض العسكري في الذكرى الثانية لهجمات الصواريخ الإيرانية على القواعد الأمريكية بعد استهداف قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني بطائرة مسيرة بالقرب من مطار بغداد الدولي ليلة الثالث من كانون الثاني ٢٠٢٠.
تحاول إيران أن تستعيد قوتها وإرسال رسالة واضحة للإدارة الأمريكية في وقت تعمل الدول الاوربية(المانيا وبريطانيا وفرنسا) على تعزيز روح الثقة بين الجانبين وصولا إلى اتفاق مشترك ورؤية جديدة لمستقبل العلاقات بين طهران وواشنطن وتحقيق مستلزمات الأمن الإقليمي والمصالح الدولية في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ، خاصة وأن الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي بدأ بانتهاج السياسة الدبلوماسية الاقتصادية التي تعتمد على استخدام القدرات الاقتصادية للتاثير على الدول الأخرى بهدف توجيه سلوكها السياسي في الإطار الذي يخدم مصالحها القومية ويشكل تحديا للعقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على نظامه السياسي ومحاولة استمالة الدول الحليفة والصديقة لإيران لعقد صفقات واتفاقيات تجارية وتحقيق شراكات اقتصادية واسعة بينهم .
تعمل الدول الاوربية على التنسيق المستمر مع حلفاء النظام الإيراني(روسيا والصين) في محاولة للتخفيف من الشروط الإيرانية وإيجاد حالة وسطية واتفاق مشترك يساهم في الحد من الخلافات وتوسيع دائرة الاتفاق وصولا إلى نجاح جولات الحوار القادمة، بعد أن بدأت الأوساط السياسية الأمريكية تضغط باتجاه تغيير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وحثها على الابتعاد عن سياسة المرونة في التعامل مع النظام الإيراني واشعاره بالقدرة على الرد العسكري والمزيد من العقوبات الاقتصادية بعد أن تيقنت هذه الأوساط أن إيران تقوم بكل ما بوسعها من أفعال دون مواجهة حقيقة وعواقب من إدارة الرئيس جوبايدن التي تغافلت عن قيام إيران بإنتاج معدن اليورانيوم في شباط ٢٠٢١ وتخصيبه بنسبة 60% في نيسان ٢٠٢١ وتمكن العلماء الإيرانيين من القدرة المعرفية في بناء المفاعل النووي واكتساب الخبرة العملية التي تزيد من احتمالات الوصول إلى إنتاج القنبلة النووية مع غض الطرف عن الأساليب المتبعة في تعامل طهران مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإعاقة عملها ومراقبتها للأنشطة النووية في عدد من المواقع غير المعلنة وتقليص تعاون إيران مع الوكالة التي عجزت عن مراجعة البيانات المرتبطة بمعدات المراقبة في منشأة كرج وفوردو وتمكن الايرانيون بهذه الأساليب من إنتاج قطع أجهزة الطرد المركزي في شهر اب ٢٠٢١ ولم يسمح لمفتشي الوكالة الدولية من التحقق من اعمالها إلا في الاتفاق الاخير بينها وبين رئيس الوكالة رافائيل غروسي بنصب كاميرات جديدة في منشأة كرج وإعادة عمليات المراقبة والمتابعة لنشاط إيران النووي بعد أن شعرت القيادة الإيرانية بصعوبة إقناع حلفائها الأوربيين بتخفيف العقوبات دون أي إجراء ايراني يساهم في تعزيز وجهات النظر الداعية لاستعادة أيران لدورها ورفع العقوبات عنها.
يدرك النظام الإيراني حقيقة الأوضاع التي تعيشها الشعوب الإيرانية والمستوى المناسب المتدهور وعدم القدرة على دفع الرواتب لبعض الشرائح الاجتماعية ومنهم المتقاعدون وارتفاع ملحوظ في أسعار السلع الأساسية والغذائية والأدوية ومرور الاقتصاد الإيراني بمنعطف خطير في مجال التضخم المالي منذ أربع عقود من الزمن وبنسبة 50% واعلان وزارة التعاون الإيراني(ان واحدا من كل ثلاث إيرانيين يعيش في فقر مدقع ) .
تبقى الأحداث قائمة والتطورات الميدانية فعالة واللقاءات والحوارات مستمرة بين جميع الأطراف المشتركة في المفاوضات لتتسارع من أجل إيجاد حل سياسي واقتصادي متماسك يفضي إلى اتفاق مشترك آخر يعيد الأوضاع لطبيعتها ويحد من قيام إيران من زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم وتجنب المواجهة العسكرية وتدعيم العقوبات الاقتصادية ومحاولة إثبات حسن النوايا في الحوارات القادمة نحو آفاق مستقبلية تخدم المصالح الدولية والإقليمية وتحدد مسارات العمل المشتركة .

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية