عقد البرلمان العراقي الجديد جلسته الأولى المكرسة لأداء النواب اليمين الدستورية وانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، وكما كان متوقعاً لم تكتمل الجلسة إلا بهرج ومشادات أسفرت عن نقل رئيس السن إلى المستشفى، وإعلان الإطار التنسيقي الشيعي عدم اعترافه بنتائج الانتخابات التي شهدتها الجلسة. وكان رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي قد ضمن إعادة انتخابه بعد اندماج كتلة «تقدم» السنية التي يقودها مع كتلة «عزم» السنّية الأخرى بزعامة خميس الخنجر، وكذلك مع غالبية من النواب الأكراد والكتلة الصدرية الشيعية الأكبر في البرلمان الحالي.
وكانت أبرز أطراف الإطار التنسيقي الشيعي قد تعرّضت إلى هزيمة نكراء خلال انتخابات العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مما دفعها إلى الطعن في صحة الانتخابات أمام المحكمة الاتحادية العليا، التي ردت الطعون وثبتت شرعية النتائج. كان منتظراً إذن أن يحاول الإطار التنسيقي عرقلة الاجتماع الأول على نحو يتيح له ادعاء مخالفات قانونية شكلية مثل إسعاف رئيس السنّ، ولكن ربما بدا مفاجئاً أن تقترن محاولات التعطيل بمساع إضافية لإحداث المزيد من الانشقاقات داخل الصف الشيعي عن طريق الزعم بأن كتلة الإطار وليس الكتلة الصدرية هي الأكبر، التي تستحق استطراداً منصب رئيس الحكومة.
وإلى جانب صندوق اقتراع منح التيار الصدري العدد الأكبر من المقاعد وعكس بالتالي عزوف شرائح واسعة من جمهور الشيعة عن التصويت للقوى الموالية لإيران ولبرامجها السياسية والاقتصادية والمعيشية والأمنية المختلفة، تجلى خلاف لاحق أعمق داخل الصف الشيعي حول استقرار الصدريين على حكومة أغلبية وطنية تفسح المجال أمام تحالفات مع السنّة والاكراد، وإصرار التنسيق على حكومة توافقية يرى التيار الصدري أنها سوف تعتمد في نهاية المطاف على المحاصصة الطائفية وتعيد تكرار فشل الحكومات السابقة. وليس من الواضح حتى الساعة إن كان المستقبل القريب يحمل علامات على صيغة اتفاق بين الطرفين.
وإذا كان الحلبوسي المعاد انتخابه رئيساً للبرلمان قد أقرّ على الفور بأن هذا المجلس هو نتاج مظاهرات الاحتجاج التي عمت العراق في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، فإن بوادر الجلسة الأولى لا تنذر بالخير لجهة الوفاء لانتفاضة العراقيين والاستجابة لمطالب التظاهرات والاعتصامات والتضحيات والشهداء. وإلى حين استكمال الاستحقاقات الدستورية الأخرى، من انتخاب رئيس الجمهورية الجديد إلى تسمية المكلف بتشكيل الحكومة، تقع على عاتق البرلمان مسؤوليات كبرى يمكن أن تبدأ من إصلاح النظام الانتخابي ولا يمكن أن تنتهي عند معالجة المشكلات المستعصية على الأصعدة المعيشية والصحية والبنى التحتية ومجابهة الفساد والانفلات الأمني وتغييب الدولة والارتهان الخارجي.
وفي المقابل لا يجوز للتيار الصدري أن يتناسى المواقف المتقلبة التي اتخذها من الانتفاضة الشعبية والتي بلغت ذات يوم مستوى المطالبة بمنع التظاهر، وأن يعيد صياغة تحالفاته المقبلة في ضوء نقد ذاتي جدي ومراجعة شفافة تكرّم الثقة النسبية التي وفرتها له بعض الشرائح الشعبية خلال الانتخابات الأخيرة. وأما مطالبة قوى وأحزاب الإطار التنسيقي بأن تخطو خطوة مماثلة فإنه غير وارد في السياقات الراهنة، إذا لم يكن نافلاً وشبه محال.
القدس العربي