قالت مصادر عراقية مطلعة إن التفجيرات التي استهدفت الجمعة حزبين سنيين بارزين، والخميس مقرا للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده مسعود بارزاني، في العاصمة العراقية هي رسائل تخويف مباشرة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والأحزاب التي تستعد للتحالف معه لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ومفاد هذه الرسائل أن الميليشيات المكونة للحشد الشعبي لن تسمح بأي تكتلات سياسية ولا بحكومة جديدة تكون هي خارجها.
وذكرت هذه المصادر أن الرسائل الموجهة إلى الصدر من خلال هذه التفجيرات تفيد بأن الميليشيات قادرة على عزله عن أي تحالفات، وأنها هي التي تتحكم في الشارع أمنيّا؛ ليس ضده هو فقط وإنما ضد الجميع بما في ذلك الأحزاب السنية والكردية التي تفكر في التحالف معه، وكذلك ضد الوجود الأميركي الذي قد يلجأ الصدر إليه بحثا عن الحماية من تعاظم قوة هذه الميليشيات كما فعل رؤساء الحكومات السابقون.
خصوم الصدر سيفعلون كل ما بوسعهم لتجنّب فقدان سيطرتهم السياسية في العراق
واستهدف تفجيران الجمعة مبنييْن في العاصمة العراقية بغداد، تابعيْن لأكبر تحالفين للسنة في البلاد، دون أن يسفرا عن وقوع خسائر بشرية.
وقال ضابط في شرطة بغداد لوكالة الأناضول مفضلا عدم الكشف عن اسمه إن “مجهولين استهدفوا بعبوة ناسفة مقر تحالف ‘تقدم’ في منطقة الأعظمية شمالي بغداد”. وأضاف المصدر أن “تفجيرا آخر بقنبلة استهدف في التوقيت ذاته مقر تحالف ‘عزم’ في منطقة اليرموك غربي بغداد”. وأوضح أن الهجومين تسببا في خسائر مادية في المقرَّيْن، دون أن يسفر ذلك عن خسائر بشرية.
والخميس تعرض مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد إلى تفجير بواسطة قنبلة، ما تسبب في أضرار مادية دون وقوع إصابات بشرية، حسب ما أفاد به ضابط في شرطة العاصمة العراقية، دون تعليق رسمي من السلطات.
ومن الواضح أن هذه التفجيرات كانت رسائل رمزية إلى زعيم التيار الفائز بالانتخابات تقول له إن هذه هي البداية بعد بروز بداية تحالف برلماني حول الكتلة الصدرية أفضى إلى انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، وإن رسائل أخرى ستكون أكثر قوة إذا فكر الصدر في المضي قدما -عبر التحالف الجديد- في تشكيل حكومة جديدة وتوزيع المناصب والكراسي دون مراعاة مصالح الأحزاب والمجموعات الموالية لإيران التي تمتلك القوة والتدريب ومختلف وسائل النفوذ المالي والتنظيمي والدعم الخارجي.
التفحيرات رسالة تحذيرية إلى الصدر
وقال مسؤول في الحكومة العراقية طلب ألا يُنشر اسمه إنه يتوقع أن يستخدم أعضاء المعسكر الإيراني التهديد بالعنف للحصول على مكان في الحكومة، لكنهم لن يصعّدوا العنف إلى صراع شامل مع الصدر.
ويعتبر مراقبون في العاصمة العراقية أن التفجيرات، على رمزيتها ومحدودية الخسائر التي رافقتها، كانت رسالة إلى الصدر مفادها أن اللغة المهادنة التي يعتمدها بهدف التسويف وامتصاص الغضب لا تعني شيئا على الأرض، وذلك ردا على مساعيه لمغازلة بعض مكونات الإطار التنسيقي، الواجهة السياسية للميليشيات، وضمها إلى الحكومة الجديدة في خطوة إن تحققت ستثير الخلافات بين الميليشيات المتحالفة.
وقال المحلل السياسي العراقي أحمد يونس “الصدريون ماضون نحو تشكيل حكومة أغلبية (وطنية)… الأطراف الرافضة ترى أن مشروع الصدر بإقامة حكومة أغلبية (كتلك) يهدد بقاء الشيعة مستقبلا كأغلبية سياسية”. وأضاف أنهم “سيفعلون كل ما بوسعهم لتجنّب فقدان سيطرتهم السياسية”.
وقال توبي دودج من كلية لندن للاقتصاد “الفصائل المسلحة توجه تهديدات بالعنف صريحة ومتزايدة، ويقول الصدر إنها لا يمكنها فعل ذلك. إنها لحظة مخيفة”.
وكان الصدر قال منذ يومين “نحن ماضون في تشكيل حكومة أغلبية وطنية وبابنا مفتوح لبعض من مازلنا نحسن الظن بهم”. لكنه من ناحية أخرى حذّر من أنه لن يقبل بأي ضغوط قائلا “لن نسمح لأحد كائنا من كان بأن يهدد شركاءنا أو يهدد السلم الأهلي”.
وأربكت جلسة البرلمان الأخيرة حسابات الميليشيات الموالية لإيران بعد أن دعم 200 نائب -من جملة 240 حضروا الجلسة- انتخاب محمد الحلبوسي (زعيم تحالف “تقدم” السني) رئيسا للبرلمان؛ وهو ما سيفتح الطريق بسهولة أمام تشكيل الحكومة والتصويت لها في البرلمان، ما يعني أن الصدر نجح في بناء تحالف لا يحتاج فيه إلى مساندة الأحزاب الشيعية التقليدية التي حصلت على نتائج مخيبة للآمال في الانتخابات كعقاب شعبي لها على فشلها في إدارة العراق منذ 2003.
ويعتقد المراقبون أن ما يزعج الميليشيات هو أن الصدر إذا نجح في تمرير الحكومة سيتفرغ لما هو أخطر بالنسبة إليها، أي السعي لاستصدار قرار يقضي بإدماج الحشد في المؤسسة الأمنية والعسكرية بصفة تامة، وعدم منحه فرصة التحرك مجددا كجسم مستقل عن الوزارات المعنية مثلما هو حاصل الآن، حيث لا تربطه صلة بالحكومة سوى صرف ميزانية ضخمة وتركه يتصرف كقوة خادمة لإيران ومصالحها على حساب مصالح العراق.
ويقول المراقبون إن الصدر إذا نجح في استصدار قرار الدمج سيمر إلى الخطوة الأهم، وهي تقليص الدعم المالي للحشد أو قطعه بشكل نهائي، وهو ما سيكون له أثر بالغ على تماسك الحشد، وقد يفضي إلى التجاء الميليشيات إلى توظيف المافيات في السطو على الممتلكات الخاصة وتهريب النفط والاتّجار بالمخدرات كما تفعل ميليشيات موالية لإيران في أماكن أخرى مثل لبنان، حيث يمول حزب الله أنشطته من خلال أموال المخدرات ورعاية أنشطة الجريمة المنظمة.
وكان زعيم التيار الصدري قال السبت الماضي إنه “لا مكان للميليشيات في العراق، والكل سيدعم الجيش والشرطة والقوات الأمنية”، مشددا على “ضرورة تشكيل حكومة أغلبية، لا مكان فيها للطائفية والعرقية”، ما اعتبر رسالة واضحة إلى الميليشيات يفيد مضمونها بأنها لن تستمر في وضعها الحالي كقوة أكبر من رئيس الحكومة ومن الدولة العراقية ككل.
صحيفة العرب