عماد الخرسان أمام مهمة تصفية تركة المالكي الثقيلة

عماد الخرسان أمام مهمة تصفية تركة المالكي الثقيلة

عماد-الخرسان-499x330

كان متوقعا أن يثير تعيين عماد ضياء الخرسان أمينا عاما لمجلس الوزراء ما أثاره من ردود أفعال متباينة، غاضبة أشد الغضب، ومهددة بمواقف مناهضة في البرلمان، صدرت عن أحزاب الدين السياسي الموالية لإيران، وأخرى متفائلة ومؤيدة ومرحّبة اتخذتها أوساط مستقلة وديمقراطية وعلمانية عديدة، في تعليقات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، توقّع أصحابها أن يستطيع الخرسان منع بعض الظلم وبعض الفساد، وتحقيق بعض العدالة وبعض النزاهة.

وتوقع مراقبون سياسيون ومحللون عراقيون مستقلون أن يباشر الخرسان بإعادة بناء كادر الأمانة العامة لمجلس الوزراء وتطعيمه بعدد من أصحاب الخبرة والكفاءة وحسن السلوك.

متحمس للدولة المدنية

الإعلامي والسياسي العراقي إبراهيم الزبيدي، المعروف بعلاقته الوثيقة والطويلة مع الخرسان، علق لـ”العرب” على تكليف الأخير بمنصب أمين عام مجلس الوزراء، بالقول إنه “لو كان عماد متدينا ومؤمنا بولاية الفقيه، ومحسوبا على أحد أطراف التحالف الوطني الشيعي الحاكم، لحل الرضا مكان الغضب، ولسمح الدستور والقوانين بتعيينه، حتى لو كان مزدوج الجنسية، كما يعيب عليه خصومه اليوم متناسين العشرات من الوزراء والنواب الذين يرفضون التخلي عن جنسياتهم الثانية”. وأضاف “ألم يكن هوشيار زيباري بريطاني الجنسية، والسفير محمد الحكيم أميركي في نيويورك؟ ألم يعيّنوا الأردنية صفية السهيل سفيرة عراقية في الأردن؟”.

يصف الزبيدي عماد الخرسان بأنه “رجل علم وخبرة واختصاص، ديمقراطي مستقل، ومتحمّس للدولة المدنية، ومحارب شديد للفساد والطائفية، ولذلك فإنه من الطبيعي أن لا يؤيد تعيينه في هذا المنصب سوى المستقلين والديمقراطيين”.

مصدر مقرب من رئيس الوزراء حيدر العبادي، قال لـ”العرب” بأن من عيّن عماد الخرسان في هذا المنصب، ليست المرجعية ولا أميركا، بل هو العبادي نفسه، بحكم صداقة قديمة بينهما، ولحاجته إليه في مواجهة مراكز القوى التي تعرقل إصلاحاته، خصوصا من داخل حزبه ذاته، حزب الدعوة، ومن التحالف الوطني (الشيعي).

وبرّر المصدر حدة الغضب التي أبداها نواب ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي، والتيار الصدري والمجلس الأعلى، بأن دخول شخص مستقل ومحايد ومعروف بالاستقامة والنزاهة، ويصعب استغلاله، لا يناسبها، بل يهدد مصالحها وعلاقتها بديوان رئاسة الوزراء.

الاجتماع الأول الذي يعقده عماد الخرسان في منصبه الجديد، يفتتحه بالقول “إنني حرفي أمضيت معظم حياتي في بناء المشاريع، وبأعلى المواصفات الهندسية والتكنولوجية والعلمية، وأغلبها، في آخر عشرين سنة، مشاريع كبرى، أحب الناس جميعا بدون إستثناء، ولست منتميا الى أي حزب أو مجموعة سياسية، وحزبي الوحيد هو العراق”

التغيير الجوهري المنشود في العراق، تبين أنه يتطلب تغييراً في توازن القوى داخل هيكل الأجهزة الحكومية، وليس على مستوى الأداء السياسي فقط، ومن هنا كان المجيء بالخرسان، ليكون رأس حربة لمشروع التغيير كله من داخل البنية، الأمر الذي يدرك أبعاده ائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي ومن يواليه، وهو التيار الذي يمثلّ إيران اليوم أكثر من غيره، إذ سارع إلى التنديد بتعيين العبادي للخرسان، مستغرباً اختياره دون العودة والتشاور مع الائتلاف، رغم “حساسية” الموقع كما جاء على لسان جاسم محمد جعفر النائب عن ائتلاف دولة القانون، الذي قال إن “عماد الخرسان كان من العائدين للعراق مع القوات الأميركية، وهو أميركي الجنسية وينتمي للحزب الجمهوري الأميركي”، مشيراً إلى أن “تعيينه أميناً عاماً لمجلس الوزراء، يثير العديد من الأسئلة، وقد يكون إرضاءً للولايات المتحدة الأميركية”.

وقال جعفر إن الدرجات الخاصة يجب أن تكون خاضعة للتشاور والتفاهم بين القوى السياسية، لئلا تؤثّر على العلاقات داخل البيت العراقي”، ومن يسمع كلام ائتلاف دولة القانون يظن أنه صادر عن جهة معادية للولايات المتحدة، ولا يميّزه عن نبرة الخطاب الإيراني الذي يظهر العداء لواشنطن شفهياً، ويسعى إلى التقارب معها عمليا، خاصة بعد الاتفاق النووي ومطالبة الخامنئي الرسمية قبل أيام لأميركا وأوروبا برفع العقوبات عن إيران.

فك الارتباط مع إيران

إقدام العبادي، وفقاً للمصدر، على اختيار شخص معروف بجرأته في محاربة الفساد والطائفية، وبعدم انتمائه لأيّ من الأحزاب المتصارعة على الساحة السياسية العراقية، ليكون أميناً عاماً لديوان الرئاسة، يشير إلى أنه عازم على تصعيد المواجهة مع خصومه، داخل حزبه، وداخل التحالف الذي ينتمي إليه. كما يعني أيضا أنه عازم على تسريع خطواته الإصلاحية إرضاءً للشارع العراقي والمرجعية، وربما لطمأنة الجانب الأميركي أيضا.

عمل عماد الخرسان سابقاً، أمينا عاما لديوان رئاسة الوزراء، ومستشارا لإبراهيم الجعفري عندما كلّف برئاسة الوزراء عام 2005، لكنه لم يصبر كثيرا على الفوضى والتدخلات الطائفية والعمليات المشكوك في نزاهتها، والتي كانت تمرّر على رئيس الوزراء، فاستقال وعاد الى منزله في ولاية ميتشغان الأميركية، بصمت وهدوء.

رغم إقامته الطويلة في الولايات المتحدة، وعلاقته الوثيقة مع الأميركيين، والتي ظهرت في العام 2003، بعد تكليفه من الإدارة الأميركية بتولي هيئة إعادة إعمار العراق، بأمر مباشر من جاي غارنر وبول برايمر، إلا أن الخرسان يعدّ ليبرالياً يساري التوجّه، لم يترك إرث عائلته الديني يسيطر على حياته وبوصلته، وكان في الوقت ذاته قريباً من الحزب الشيوعي العراقي في شبابه.

ولعل إشارة إلى العمق العائلي في شخصية الخرسان، تقود إلى فهم التموضع الجديد لحركة أمين عام مجلس الوزراء الجديد، فعمته هي فاطمة الخرسان الطبيبة العراقية، وزوجة حسين الصدر عمّ مقتدى الصدر، وكانت قد أعدمت في السبعينات بتهمة المشاركة في مؤامرة لقلب نظام الحكم، إشارة تقود إلى علي الصدر، الرجل القوي وثيق الصلة بمقتدى، ما يوحي بأن الخرسان قادم ليس فقط بثقل الولايات المتحدة، بل بالبعد الصدري في المشهد العراقي أيضاً.

يضاف إلى ذلك، علاقة شقيق الخرسان، رجل الأعمال والمقاول المعروف، برئيس الجمهورية فؤاد معصوم والتي تعود إلى عهد تولي ابنة الرئيس جوان معصوم لحقيبة وزارة الاتصالات، حينها نفّذت شركات الخرسان غالبية مشاريع الوزارة، دون أن يرافق ذلك أيّ شبهات فساد.

العراق ومجلس التعاون الخليجي

اسم عماد الخرسان تردّد كثيراً في الأروقة السياسية، حين جرى تسريب اتفاق أميركي يرضي دول الخليج العربي، لاختيار رئيس وزراء جديد يخلف العبادي، الاتفاق يسعى إلى إعادة صياغة المشهد السياسي العراقي، وتخليصه من الهيمنة الإيرانية، الأمر الذي التقطه لاعبو السياسة في العراق، فقدّموا الخرسان خطوة ليتولى منصباً يكون حجر أساس للتغيير القادم.

إعادة تكوين المشهد السياسي في العراق، لا يمكن لها أن تكون منفصلة عن إعادة رسم الخارطة السياسية في المشرق العربي كلّه، بما في ذلك الفضاء الخليجي في الإقليم، والذي أكدت مصادر وتقارير، عن نوايا جادة فيه، لتوسيع مجلس التعاون الخليجي، ليضم اليمن والعراق، بعد إجراء حسمين أحدهما سياسي في العراق وآخر عسكري في اليمن.

من هنا تصبح الخطوات الإصلاحية، والمحاسبية التي تم الإعلان الصريح عنها، وتوقيف ومنع سفر العديدين من مسؤولي عهد المالكي، وتعيين مسؤولين ثقيلين في مواقع حساسة في الدولة العراقية، طريقاً واضحة المعالم للتوصل إلى حكومة مدعومة عربياً دعماً كفيلاً بانتزاعها من المخلب الإيراني.

ويبدأ هذا كلّه، بإجراء المصالحة الوطنية الموسّعة، التي ستضم جميع الأطراف التي تهميشها في الماضي، لا سيما العرب السنة في غرب العراق.

ويبدو أن الأميركيين في حالة نقاش متواصل مع الجهات العراقية، وعلى رأسها المرجع الشيعي علي السيستاني، لدعم من يقوم بترشيحهم في المرحلة القادمة، مرحلة التغييرات الكبيرة، بهدف استعادة وحدة العراق والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

التغيير الجوهري المنشود في العراق يتطلب تغييراً في توازن القوى داخل هيكل الأجهزة الحكومية، وليس على مستوى الأداء السياسي فقط، فكان المجيء بالخرسان، ليكون رأس حربة لمشروع التغيير كله من داخل البنية، الأمر الذي يدرك أبعاده ائتلاف المالكي ولذلك سارع إلى التنديد بتعيينه

الخرسان واتحاد الولايات العراقية

علاقات السلام، هي الهدف الذي يتوجّه نحوه الخرسان، في مشروعه الخاص، الذي تردّد أنه يقوم على إعلان اتحاد للولايات العراقية، تتمتع بعلاقات متقدمة مع المحيط العربي، وخصوصاً دول الخليج العربي، بعد أن تسبب انخراط العراق في المحور الإيراني بتفتيت البلاد وإضعاف اقتصادها وانتشار الفساد بدرجة كبيرة، وانخفاض الخدمات وانعدامها في مناطق كثيرة، بالإَضافة إلى سقوط مساحات واسعة من العراق ومدن عريقة مثل الموصل بيد التنظيمات الإرهابية، الأمر الذي يصفه الخرسان بأنه “استثمار بلا عوائد”.

كل ذلك لا يمكن أن يحدث في ظل السيطرة الكلية لإيران على مفاصل الدولة العراقية، والتي شهدتها فترة حكم نوري المالكي، وبدأت تظهر ملامح الإرادة الشعبية بالتخلص منها تدريجياً، مع تولي حيدر العبادي منصب رئيس الوزراء بالطريقة التي رآها العالم، رغماً عن المالكي الذي حاول التمسك بمنصبه، ويحاول باستمرار خلخلة عمل الحكومة الحالية.

الاجتماع الأول الذي عقده عماد الخرسان الأمين العام الجديد مع المدراء العامين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، افتتحه بالقول “إنني حِرَفيٌ أمضيت معظم حياتي في بناء المشاريع، وبأعلى المواصفات الهندسية والتكنولوجية والعلمية، وأغلبها، في آخر عشرين سنة، مشاريع كبرى”، وأضاف “أحب الناس جميعا دون استثناء، ولست منتميا الى أيّ حزب أو مجموعة سياسية، و حزبي الوحيد هو العراق”.

ويتساءل معلقون على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، عن قدرة العبادي على التمسك بهذا التعيين، في مواجهة معارضة المعسكر الإيراني ومَواليه، وكيف سيواجه الخرسان دسائس ومؤامرات الفاسدين، فهو اليوم بالإضافة إلى صعوبة مهماته، إلا أنه أمام فرصة عراقية جديدة وثمينة لاستعادة الدولة والرجوع إلى العالم العربي، العمق الاستراتيجي الحقيقي لبلاد الرافدين، بعد أن جرّب العراقيون شكل التصوّر الإيراني للعراق خلال السنوات الماضية.

إبراهيم الجبين

صحيفة العرب اللندنية