القمة من أجل الديمقراطية”، التي عقدت في كانون الأول 2021 بشكل افتراضي بقيادة الولايات المتحدة، كانت في أعقاب فعل رمزي: سلسلة خطابات قصيرة، بما فيها ثلاث دقائق لرئيس الوزراء بينيت، فيما كان هدف الرئيس بايدن الإشارة إلى الصين وروسيا بأن الولايات المتحدة عادت لقيادة ما درجنا ذات مرة على تسميته “العالم الحر”.
من ناحية سياسية، لعل الرسالة الأهم في المنظور الإقليمي تكمن فيمن لم يدعَ: كل الدول العربية، باستثناء إيران وتركيا. الاستياء تجاه دول مثل تركيا، العضو في الناتو، وتجاه أنظمة الحكم فيها وسياستها، هو جزء من انعطاف استراتيجي في موقف واشنطن من ميزان القوى في شرق البحر المتوسط؛ انعطاف ينسجم مع مصالح إسرائيل الحيوية.
ورحبت الإدارة الأمريكية السابقة بخطوات التقارب في المثلث إسرائيل – اليونان – قبرص، مثلما رحبت بقيام منتدى الغاز لشرق البحر المتوسط، لكن في عهد ترامب وقف أمام هذا الميل نهج ودي صرف تجاه تركيا وتجاه أردوغان شخصياً. أما الآن فيبدو أن موقف الإدارة أكثر وضوحاً. فمنذ عهد ترامب، رفعت الولايات المتحدة حظر السلاح عن قبرص. وبالتوازي، اتسع نطاق النشاط العسكري المشترك مع اليونان، بما في ذلك المشاركة في المناورات. أما على مستوى الاقتصاد – الطاقة، فأعطت الولايات المتحدة مؤخراً تعبيراً عن شكوكها المهنية بالنسبة لجدوى مشروع أنبوب شرق البحر المتوسط الذي كان يفترض أن ينشأ بمساعدة تمويل أوروبي ويسير الغاز المصري والقبرصي والإسرائيلي من الحقول في شرق البحر المتوسط إلى اليونان، ومن هناك إلى أسواق أوروبا. غير أن هذا ليس انسحاباً أمريكيا من الخطة، بل بحث عن إمكانات مجدية أكثر من ناحية اقتصادية: مثلاً، تمديد كابل طاقة تحت بحري يربط أوروبا بمحطة توليد طاقة كبيرة تقام في قبرص وتشغل بالغاز من مصادر مستقلة، خصوصاً مصرية وإسرائيلية.
لإسرائيل مصلحة كبيرة في توثيق العلاقات بين الولايات المتحدة وهذه الدول. وقد يكون في ذلك ما يقنع القيادة في أنقرة بأن لا مفر من المفاوضات – ربما برعاية مشتركة من الولايات المتحدة وأوروبا – على تسوية متفق عليها لخط الحدود في المياه الاقتصادية لدول شرق البحر المتوسط. مهم لإسرائيل ولمصر ولقبرص أن تتأكد بأن قدرتها على الوصول المباشر إلى اليونان، ومن هناك إلى ما ورائها، لن تكون تابعة لإذن تركي.
في ورشة عمل الشبكة التي سيعقدها معهد القدس للاستراتيجية والأمن قريباً بمناسبة عام على ولاية إدارة بايدن، ستطرح بلا شك سلسلة من المواضيع التي تلوح منها أو تتسع فيها فجوة بين مواقف الولايات المتحدة ومواقف إسرائيل، وعلى رأسها إيران ومحادثات فيينا، وكذلك المسألة الفلسطينية والسلوك تجاه الصين. ولكن موقف الإدارة الحالية حول مكانة إسرائيل كجزء من منظومة قوى جديدة في شرق البحر المتوسط، يخلق لقاء مصالح مهماً بين القدس والقاهرة وأثينا ونيقوسيا وواشنطن.
القدس العربي