بعد الاحتجاجات.. كيف ستسدد كازاخستان الدين لروسيا

بعد الاحتجاجات.. كيف ستسدد كازاخستان الدين لروسيا

تزامنت الاحتجاجات التي اندلعت في كازاخستان الأسبوع الماضي، بعد مرور أقل من شهر من احتفال الكازاخستانيين بمضي ثلاثة عقود من الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي، وكانت من أكثر الاحتجاجات دموية في تاريخ البلاد، والآن، وبعد مرور بعض أيام على تلك الاضطرابات المميتة التي أودت بحياة أكثر من 200 شخص، قد تجد كازاخستان نفسها مرة أخرى تحت رحمة الكرملين، وما لا يعرفه الجميع هو ثمن التدخل الذي قادته روسيا والذي ساعد في قمع الاحتجاجات.

وبدأت المظاهرات المنددة بمضاعفة أسعار غاز البترول المسال بشكل سلمي في الثاني من شهر يناير، في مدينة جاناوزن الغربية. وتعد كازاخستان الغربية غنية بالنفط والغاز، لكن السكان المحليين لا يرون فائدة تذكر، كما تعاني معظم مدن المنطقة من ضعف البنية التحتية وانخفاض مستوى جودة الحياة مقارنة بأكبر مدينة في كازاخستان وهي ألماتي والعاصمة نور سلطان.

ومع اكتساب الاحتجاجات التضامنية مع مدينة جاناوزن زخمًا في جميع أنحاء البلاد، أصبحت مطالب الشعب أكثر تنوعًا وغلب عليها الطابع السياسي، حيث هتف الكثير من المتظاهرين “ألجا كازاخستان!” أي (ارحل من كازاخستان!) و“شال كيت!” أي (على الرجل العجوز الرحيل!) والهتاف الأخير يشير إلى نور سلطان نزارباييف وهو الرئيس السابق للبلاد إلى عام 2019. وحتى وقت قريب، كان نور سلطان نزارباييف يتمتع بسلطة كبيرة في البلاد وكان يُنظر إليه على أنه صاحب نفوذ كبير.

واستخدمت الشرطة في البداية الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لتفريق المتظاهرين، لكن مدينة ألماتي ومدن أخرى اجتاحها المحتجون واللصوص والغضب من الفساد والافتقار إلى الإصلاحات السياسية وبعض الجماعات المسلحة العنيفة المجهولة، ودعا الرئيس قاسم جومارت توكاييف منظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا (سي إس تي أو) للتدخل، خوفًا من فقدانه السيطرة على مدينة ألماتي فيما وصفه بمحاولة انقلاب قادها بعض الإرهابيين.

بعد وصول قوات “منظمة معاهدة الأمن الجماعي” (سي إس تي أو) شكر توكاييف بوتين على “ردة فعله الودودة” للنداء الكازاخستاني للمساعدة. والآن، مع مغادرة تلك القوات، يعتقد بعض المحللين أن توكاييف استخدم تلك الخطوة التي لم تحظ بشعبية كبيرة لترسيخ مركزه بين النخبة السياسية في كازاخستان

واستغل الرئيس توكاييف الفرصة لتعضيد سلطته في خضم الهرج والمرج، حيث مُنحت قوات الأمن الإذن “باستخدام القوة المميتة” كما أقال توكاييف الرئيس السابق نزارباييف من مجلس الأمن، والذي كان من المفترض أن يترأسه الأخير مدى الحياة. وألقى توكاييف باللوم على أجهزة الأمن القومي حول تلك الاضطرابات بينما تم اعتقال رئيسها السابق حليف نزارباييف كريم ماسيموف بتهمة الخيانة، مما يشير إلى وجود صراع على السلطة داخل الحكومة.

ولم يُر رئيس جمهورية كازاخستان السابق نزارباييف علنًا منذ الثامن والعشرين من ديسمبر، وليس من الواضح مكان وجوده هو وعائلته، وفي الثامن من يناير، قال السكرتير الصحفي لنزارباييف إن الرئيس السابق بقي في العاصمة وكان يعمل عن كثب مع توكاييف لحل الأزمة لكنه لم يقدم أيّ دليل على ذلك.

ونشرت علياء نزارباييف الابنة الصغرى لنزارباييف على قنوات التواصل الاجتماعي بعد مضي خمسة أيام من ذلك التصريح أنه “من الخطأ أن يموت الناس في أوقات السلم”. كما أعربت عن امتنانها لـ“العديد من رسائل الدعم” التي تلقاها والدها من جميع أنحاء البلاد، وبعد ذلك تم حذف ذلك المنشور، كما حُذفت حساباتها من على قنوات التواصل الاجتماعي، وكانت تلك التعليقات العامة هي التعليقات الوحيدة الصادرة من عائلة الرئيس السابق منذ بدء الاحتجاجات.

وأعلن الرئيس توكاييف في الحادي عشر يناير، مستثمراً الوضع في صالحه، عن سلسلة من الإصلاحات، وانتقد بشكل غير مباشر الأشخاص المقربين من “الأسرة الأولى” بسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد. كما قال إنه بسبب نزارباييف “ظهرت في كازاخستان مجموعة من الشركات ذات الربح الكبير ومجموعة من الأثرياء الجدد” وقد حان الوقت ليتقاسم الجميع تلك الخيرات، وفي حين أن توكاييف ليس مخطئًا في حديثه، إلا إنه يبقى أن نرى ما إذا كانت إصلاحاته حقيقية أم أنها عبارات تخدم مصالحه الخاصة؟

ولن يتم تقويض نفوذ الرئيس السابق بين عشية وضحاها، فلا تزال العاصمة تسمى نور سلطان ولا يزال المسافرون يمرون عبر مطار نور سلطان نزارباييف الدولي، ولا يزال الطلاب يدرسون في جامعة نزارباييف ولكن من الواضح أن توكاييف يعزز من سلطته، مما يشير إلى أن تأثير الجماعات المرتبطة بنزارباييف في طريقه إلى الزوال.

والمستفيد الآخر هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سعى منذ فترة طويلة لإعادة بسط نفوذ روسيا على الأراضي السوفياتية السابقة، وبينما بدأت قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في مغادرة كازاخستان في أعقاب مهمة تضمنت حماية الأصول الحكومية والعسكرية، إلا أنه من المحتمل أن الدولة ستدفع بعض الثمن مقابل ذلك الدعم وتلك المساندة.

وبعد وصول قوات “منظمة معاهدة الأمن الجماعي” (سي إس تي أو) شكر توكاييف بوتين على “ردة فعله الودودة” للنداء الكازاخستاني للمساعدة. والآن، مع مغادرة تلك القوات، يعتقد بعض المحللين أن توكاييف استخدم تلك الخطوة التي لم تحظ بشعبية كبيرة لترسيخ مركزه بين النخبة السياسية في كازاخستان، وإذا كان هذا صحيحًا، فقد يحدّ ذلك من قدرة كازاخستان على اتخاذ بعض القرارات المستقلة عن روسيا.

وحتى عندما تشدق توكاييف بالحديث حول تحسين الأوضاع المعيشية للسكان، لم يكن هناك أيّ حديث حول الإصلاحات السياسية التي طالب بها المحتجون، وبحسب ما ورد اعتقل المسؤولون الكازاخستانيون ما يقرب من 10000 شخص على صلة بالاضطرابات، بما في ذلك بعض الصحافيين والمدونين والنشطاء، كما أعلنت النيابة العامة في الخامس عشر من يناير أن 225 شخصًا قتلوا في الاضطرابات، من بينهم 19 شخصًا من الشرطة.

فماذا يعني كل هذا بالنسبة إلى مستقبل كازاخستان؟ ما يبدو واضحًا هو أن كازاخستان قد تصبح أكثر اتكالا على روسيا، مما يدل على تقلص قدرتها على تحقيق التوازن بين نفوذي واشنطن موسكو، ومن المحتمل أيضًا شن المزيد من حملات القمع ضد المجتمع المدني ووسائل الإعلام، على الرغم من أن الحكومة ستتصرف بحذر خوفاً من إشعال المزيد من الاحتجاجات.

أما أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع بحثًا عن التغيير فلا شك أنهم سيصابون بخيبة أمل، حيث يشعر الشباب بالإحباط بسبب نقص الفرص، والتكلفة الباهظة للمعيشة، والمحسوبية والفساد القائم عليه النظام. وفي حين أنهم ربما نجحوا، على الأقل في الوقت الحالي، في تلبيه مطالبهم بـ“شال كيت” أي (على الرجل العجوز الرحيل!) إلا أن النظام السياسي لا يزال في حاجة ماسة إلى التغيير، والشعب الكازاخستاني مستعد للعمل من أجل مستقبل أكثر إشراقًا واستقلالًا وإنصافًا لدولتهم، لكنهم في حاجة إلى الفرصة لبنائه.

العرب