الموقف الخجول للصين في كازاخستان يثير شكوكا في صوابية رهان الخليج على بكين

الموقف الخجول للصين في كازاخستان يثير شكوكا في صوابية رهان الخليج على بكين

يطرح الموقف الصيني الخجول في التعاطي مع الأزمة الكازاخستانية شكوكا بشأن صوابية الرهان على لعب بكين دورا أكبر في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن أظهرت الولايات المتحدة إشارات عن رغبة في تخفيف التزاماتها الأمنية حيال المنطقة.

بكين – لم يكن التدخل الصيني في الاضطرابات التي شهدتها كازاخستان على قدر المنتظر، على عكس روسيا التي لم تتردد في إيفاد أكثر من ألفي عنصر من قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها، رغم أن ما يجري في هذا البلد الواقع في آسيا الوسطى أثر مباشر على كلتا الدولتين.

وتكتسي كازاخستان أهمية كبرى بالنسبة إلى بكين ليس فقط لأنها موجودة في قلب منطقة تعد الفناء الخلفي للصين، بل وأيضا بالنظر لما تحتويه هذه الدولة الآسيوية من ثروات طاقية مهمة جدا بالنسبة إلى مبادرة حزام الحرير الطموحة حيث يتأتى منها على سبيل المثال لا الحصر أربعون في المئة من إمدادات اليورانيوم في العالم.

كما تزود كازاخستان الصين بخُمس وارداتها من الغاز فضلا عن صادرات النفط والنحاس، وبالتالي فإن الموقف الصيني “الخجول” حيال ما يجري في هذا البلد من اضطرابات يطرح أكثر من سؤال لاسيما في الأوساط السياسية في الشرق الأوسط حول جدوى الرهان على إمكانية أن تلعب دورا أكبر في هذه الرقعة الجغرافية، فيما هي تتعاطى بهكذا قدر من الحذر في بلد يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة إلى أمنها واقتصادها.

وأعربت وزارة الخارجية الصينية الثلاثاء عن استعداد بلادها لتقديم المساعدة إلى كازاخستان، لكن وفقا لرغبات الجانب الكازاخستاني وأيضا في حدود قدراتها.

وهزت كازاخستان في الأيام الماضية أعمال عنف لم تشهدها إطلاقًا منذ استقلالها عام 1991. وقد أسفرت عن عشرات القتلى ومئات الجرحى ودفعت بالسلطات إلى طلب نشر قوات حفظ السلام بقيادة روسيا وأدت إلى توقيف 12 ألف شخص على الأقل.

رافايلو بانتوتشي: الصين مرتاحة لتعامل طرف آخر مع ملف الأمن في آسيا الوسطى
وأكد التدخل الروسي الخاطف والقصير المدى -حيث قامت موسكو بسحب العناصر القتالية التي أوفدتها الخميس، بعد عودة الهدوء ونجاح السلطات الكازاخستانية في ضبط الوضع- أن موسكو ليست في وارد التساهل أمنيا مع أي محاولات لضرب نفوذها في آسيا الوسطى، في مقابل ذلك لا تزال بكين تتهرب من أي التزامات ذات بعد أمني بغض النظر عن مدى أهمية الحليف.

بكين تتجنب الالتزامات الأمنية
أشار الباحث في آسيا الوسطى رافايلو بانتوتشي إلى أن “الصين تكون أسعد عندما يتعامل طرف آخر مع مسائل الأمن في آسيا الوسطى” كما هو الحال في كازاخستان، لافتا إلى أنه “في التداعيات الفورية لانهيار الحكومة في أفغانستان، لم يكن الجنود الصينيون أو الأسلحة الصينية هم الذين نقلوا إلى حدود آسيا الوسطى، بل جاء كل هذا من روسيا”.

ويدفع الموقف الصيني في التعاطي “المحتشم” مع الأزمة الكازاخستانية وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والكويت وعمان والبحرين إلى جانب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، الذين يزورون حاليا بكين إلى التساؤل حول ما يمكن أن تقدمه الصين إلى منطقة الخليج لاسيما على الصعيد الأمني فيما هي كانت مترددة في لعب دور متقدم في فنائها الخلفي.

وقد يبرر وزراء دول الخليج الذين يختتمون زيارتهم إلى بكين الجمعة بعد أن وصلوا إليها الاثنين الماضي، بأن منطقتهم هي مفتاح إمدادات الطاقة في الصين وتزداد أهميتها لتأثيرها الجيوسياسي، لكن هذا لا يفسر لماذا لعبت الصين دورا أمنيا ثانويا أمام روسيا في آسيا الوسطى، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية متساوية لكلا الطرفين.

ويرى خبراء أنه على خلاف الوضع في كازاخستان، حيث أن التدخل الروسي شكل مدعاة ارتياح نسبي لبكين، فإن الأمر بالنسبة إلى الشرق الأوسط ومنطقة الخليج بشكل خاص مختلف في غياب بديل عن الولايات المتحدة التي خففت من التزاماتها وقدمت إشارات واضحة عن عدم نيتها خوض “معارك غيرها”.

ولأن روسيا لا تمتلك الإرادة الواضحة ولا المال الكافي للالتزام بدور أكبر في الشرق الأوسط مشابه لما تلعبه في آسيا الوسطى وفي شرق أوروبا، فقد لا يكون أمام الصين خيار سوى الارتقاء إلى مستوى المسؤولية في نهاية المطاف.

وتراقب دول الخليج عن كثب ردود الفعل الأميركية والأوروبية لغزو روسي محتمل لأوكرانيا، ومن المرجح أن تجد دول الخليج القليل من الطمأنينة فيما هو واضح بالفعل مع حشد حوالي 100 ألف جندي روسي على الحدود الأوكرانية.

ومن المرجح على نحو كبير أن يقتصر الرد الأميركي والأوروبي على العقوبات الاقتصادية ضد روسيا والدعم العسكري لأوكرانيا، لكنه لن يصل إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا.

وعلى وقع التشابكات الحاصلة ربما تراهن دول الخليج على جانب إيجابي محتمل كأن تتخلى بكين عن حذرها في التعاطي مع الملفات الساخنة التي تهم مصالحها بشكل مباشر.

التغيرات تفرض تغيير السياسات

يقول أحد الباحثين إن للصين مصالح كبيرة في كازاخستان وآسيا الوسطى، حيث استثمرت مليارات الدولارات في المنطقة المركزية لمبادرتها الحزام والطريق المصممة لربط أوراسيا بالصين من خلال البنية التحتية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والطاقة.

كما تقع آسيا الوسطى على حدود مقاطعة شينجيانغ الاستراتيجية ولكن المضطربة في الصين، والتي تربطها بها روابط عرقية ولغوية وثقافية ودينية وثيقة، وبالتالي ليس من المستبعد أن تتخلى بكين عن حذرها مستقبلا.

وفي خطوة نادرة، سُربت معطيات عن أن الصين عرضت إرسال قوات إنفاذ القانون والقوات الخاصة إلى كازاخستان، لكن لا تأكيدات رسمية حتى الآن، حيث اقتصرت مواقف المسؤولين الصينيين على مساندة الرئيس الكازاخستاني مع إبداء رغبة في تقديم مساعدة لا يعرف مداها.

ومن الوارد أن ترغب دول الخليج في أن تفتح مشاركة صينية أكبر -وإن كانت تدريجية وسرية في آسيا الوسطى- المجال لإقناع بكين بأن تكون أكثر حزما في حماية استثماراتها وأصولها، والمصالح في مناطق أبعد، بما في ذلك الشرق الأوسط.

وأقامت الصين أول قاعدة عسكرية أجنبية لها في جيبوتي في القرن الأفريقي منذ عدة سنوات، مقابل الخليج مباشرة.

ومع ذلك فإن زيادة الحضور الصيني ليس حلا سحريا، ولن يحدث ذلك بين عشية وضحاها، وبالتالي لن يساعد اتفاق الخليج في مواجهة التهديدات الفورية، بما في ذلك تصاعد التوتر الإقليمي، إذا فشلت محادثات فيينا بين إيران والقوى العالمية في إحياء الاتفاق الدولي لسنة 2015 الذي حد من برنامج طهران النووي.

ومن المرجح أن تركز المشاركة الصينية الأولية الأكبر على الأمن الداخلي في آسيا الوسطى من خلال تقديم المزيد من المساعدة في إنشاء دول مراقبة في مناطق معرضة للثورات الشعبية. وقد يكون هذا التركيز موضع ترحيب في الخليج، لكن ذلك أقل بكثير مما تطمح إليه دول الخليج.

ويمكن للصين أيضا، مثل الولايات المتحدة، أن تحاول تحسين قدرة دول الخليج على الدفاع عن نفسها من خلال تعزيز مبيعات الأسلحة والتدريبات المشتركة والتدريب.

واستغلت الصين بالفعل تردد الولايات المتحدة في بيع أنظمة أسلحة معينة أو القيام بذلك فقط في ظل شروط صارمة. وعلى سبيل المثال افتتحت الصين في السنوات الأخيرة أول منشأة أسلحة خارجية لإنتاج طائرات دون طيار في المملكة العربية السعودية ومكنت المملكة من تصنيع صواريخ بالستية.

ولا شك في أن الانخراط الصيني سيأتي بشروط. وعلى عكس الولايات المتحدة لن يقدم الصينيون مطالب تتعلق بحقوق الإنسان وحقوق أخرى، لكنهم سيرغبون في ضمان عدم تحول دول الخليج عن الخطوط العريضة للسياسة الصينية.

ونتيجة لذلك فإن أفضل ما يمكن أن يأمله الخليج هو أن تخلق الصين، بمزيد من الإصرار، بيئة يكون لديه فيها القدرة على المناورة. وهذه تسوية مؤقتة بين أولئك الذين لديهم آراء مختلفة ولكنها ليست مثالية.

العرب