قبل 6 أشهر كانت طالبان تقاتل “العدو الأمريكي”، لكنهم اليوم مع العوز ونقصان التدريب يفتشون السيارات على الطرقات ويعملون على إحباط هجمات عناصر الدولة الإسلامية ويلاحقون سارقي الدراجات.
هذا ما لاحظه موفدا صحيفة “لوباريزيان” (Le Parisien) الفرنسية فينسان مونغيار وفيليب دي بولبيكيه بعد أن قضيا يوما في مرافقة الشرطة الأفغانية في عهد حركة طالبان الإسلامية.
فبعد 5 أشهر من سقوط كابل، يقول الموفدان إنهما سافرا إلى قلب إمارة أفغانستان الإسلامية، ولمدة 9 أيام تابعا الحياة اليومية لهؤلاء “المقاتلين” الإسلاميين الذين يحاولون فرض النظام، والتقيا فتيات يقلن إن أحلامهن تحطمت، وأجريا مقابلات مع نشطاء يقولون إنهم مهددون بالقتل.
وفي هذا التقرير يقول الموفدان إن قائد المنطقة الثالثة بكابل فتح لهم مقر الشرطة وتركهم يطلعون عن كثب على ما يقوم به رجاله في الميدان وداخل المكاتب والسجون، وسمح لهم بمقابلة عناصر الشرطة، بل ومرافقتهم خلال أداء واجبهم.
يقول الموفدان إن هؤلاء الرجال لا يتميزون بشيء عن باقي السكان؛ فهم لم يحصلوا على رواتبهم منذ عدة أشهر، وهو ما يعلق عليه الشرطي محمد شريف بالقول “لا أتقاضى راتبا في الوقت الحالي، لكن الله بكرمه يطعمني”.
ولا يبدو المبنى -حسب الموفدين- مختلفا عن باقي المباني المتداعية في كابل، إلا ربما بوجود العلم الجديد الأبيض الذي اختارته طالبان لأفغانستان.
ويتكون هذا اللواء من 400 “محارب” تحت قيادة الملا فضل الرحمن الزبير (38 عاما)، وهو عالم إسلامي أمضى “16 عامًا في تعلم أمور الدين، وهو من سمح لنا بقضاء يوم واحد في صحبة قواته.
ولاحظ الموفدان بساطة كل شيء هناك؛ فهؤلاء الرجال لا يميزهم عن غيرهم سوى بندقية الكلاشينكوف التي لا تفارقهم أو اللحية الطويلة التي هي سمة لهم جميعا، كما أنهم ينامون في مركز الشرطة حيث يوجد كذلك مسجد صغير ولا تختلف حالهم المادية عن بقية الأفغان.
ورغم أن كل هؤلاء الرجال من ولاية وردك (وسط البلاد)، وبعضهم لا يبعد محل إقامته سوى عشرات الكيلومترات عن كابل، فإنهم لم يتمكنوا من زيارة ذويهم، حيث يقول الشرطي محمد شريف -وهو أب لـ3 ذكور و4 بنات “لم أر عائلتي منذ 3 أشهر”. مشيرا إلى أنه ليس لديه المال لزيارتهم.
صحيح أن مواردنا محدودة، لكننا نعمل بقدر المستطاع ليل نهار لوقف تفجيرات عناصر الدولة الإسلامية والتصدي للصوص والقتلة والخاطفين والمافيا.
فخور بخدمة بلدي
يقول الموفدان: ولدى دخولنا على قائد اللواء الملا فضل الرحمن الزبير كان علينا أن نخلع نعالنا، ويبدو الرجل الذي يرتدي عمامة سوداء متزنا، وصوته هادئ، كما يبدو أكثر تحفظا من العناصر الأخرى، حيث يقول معلقا على عمله “أقوم بواجبي، إنني متعب، لكنني أولا وقبل كل شيء فخور جدا بخدمة بلدي، صحيح أن مواردنا محدودة لكننا نعمل قدر المستطاع، ليل نهار، لوقف تفجيرات عناصر الدولة الإسلامية والتصدي للصوص والقتلة والخاطفين والمافيا”.
ويقول الزبير إنه ليس على علم -حتى الآن- بقطع أيدي الجناة أو “شنقهم”، ويضيف متأسفا “من كانوا يستحقون ذلك فروا إلى خارج البلاد”، مشيرا إلى أنه يؤيد تطبيق مثل تلك العقوبات إن كان ثمة ما يتطلبها، لكنه ينبه إلى أن هناك تدرجا في العقوبات، وبالنسبة للسرقات الصغيرة -على سبيل المثال- يكفي أصحابها الزج بهم في السجون، حسب قوله.
أما عن أهم إنجاز حققه حتى الآن، فإنه يقول “قمنا بإلقاء القبض على منفذي عملية اختطاف كانوا -في ظل النظام السابق- سيفرضون فدية، لقد مسكناهم وأودعناهم السجن”.
ويقول الموفدان إن السجن الذي اطلعا عليه لم يكن فيه مجرمون كبار وقت زيارتهما، وقابلا سارق دراجات يقول إن هذه المرة الثالثة التي يقبض عليه فيها، وإنه يُعامل بطريقة حسنة، لكن الشرطي يعلق على كلامه بالقول “في السابق كان ذلك بسبب سرقة دراجة نارية ومحاولة اقتحام متجر، والآن هو متهم أيضا بتعاطي المخدرات”.
ومن خلال مرافقة ضباط الشرطة هؤلاء خارج محيطهم، يقول الموفدان إننا أصبحنا على دراية بسلطاتهم، إذ يتم تعيين جزء كبير من القوة العاملة في نقاط التفتيش، حيث يأمرون سائقي السيارات بفتح النوافذ بشكل تلقائي، ويقومون بتفتيش صناديق السيارات عند أدنى شك.
ولا يُسمح للنساء بالتجول من دون محرم في مسافة تتجاوز 72 كيلومترًا، وهذا أيضا ما يتحقق منه عناصر الشرطة بشكل دقيق، وهو ما يعلق الضابط عبد القادر عليه بالقول “عندما تكون المرأة بمفردها في سيارة أجرة، سنستجوبها، نسألها عن اسمها، وعن عملها، وعن المكان الذي يوجد فيه زوجها أو أخوها أو والدها؛ كل هذا لمصلحتها، نريد أن نتأكد من أنها لا تتعرض للتحرش، فهناك كثير من البلطجية”، حسب قوله.
أما عن موقف عامة الناس فينقل الموفدان عن علوي -وهو وكيل عقارات (70 عامًا)- قوله “منذ عودة هؤلاء “المحاربين” أصبحنا نشعر بأن ثمة من يحمينا”.
ويقول علي -وهو أحد زبائن علوي- “أنا مرتاح للغاية، فالأمن مستتب الآن”، مضيفا أنه كان شاهدا خلال النظام السابق على مقتل رجل بسبب هاتفه الذكي” أما اليوم “فيمكننا الخروج من دون التعرض لأي نوع من الاعتداءات، حتى خلال ساعات الليل”.
يبحثون عن الإنصاف
وبالعودة إلى مفوضية الشرطة، يقول الموفدان إنهما شاهدا طابورا شديد الانضباط من أناس يقدمون شكاوى من آخرين يتهمونهم بممارسة الظلم عليهم أو يريدون تخليص معاملات أمنية. فهذا جان محمد يقول إنه أقرض أحد الأشخاص الذين كانوا نافذين جدا في النظام السابق 60 ألف دولار قبل 5 سنوات ولم يعِد له منها شيئا، “واليوم أريد أن أستعيد مستحقاتي”.
وهذا شاب يبلغ من العمر 22 عامًا، يرتدي سروالًا مخططًا أنيقًا، يجب عليه أن يجدد رخصته -بنحو 115 دولارا- ليتمكن من الاستمرار في تدريس اللغة الإنجليزية في معهده. أما زبيولا أستاذ القانون في إحدى الجامعات الخاصة فيقول إنه لم يتقاض أجره منذ 3 سنوات، ويطلب من رئيسه دفع جميع الأجور المتأخرة.
ويقول الموفدان إن هؤلاء وصلوا جميعًا وجيوبهم ممتلئة بالوثائق التي يسلمونها إلى عنصر شرطة طالبان المكلف بالتوثيق.
وعُهد بالتحقيقات -من بين أمور أخرى- إلى محمد (28 عاما)، وهو ضابط في المخابرات، يدعي أنه لا يفرق في تعقبه للمجرمين المحتملين بين “السمكة الصغيرة والكبيرة”، ويدافع قائلا “ليس لدينا الحق في أن نكون عنيفين للوصول إلى الحقيقة”. ولإرشاده في تحقيقاته، يعتمد محمد -حسب قوله- على “معلومات” يستقيها من “سائقي سيارات الأجرة، والمطاعم، ووكلاء المستشفيات”.
ويفاجئنا محمد بقوله هل يمكنني أنا أيضا بدوري أن أطرح عليكم سؤالا: “لماذا كل العالم يقف ضدنا؟”
ويؤكد هذا الضابط أن طالبان هي هي، ولديها الهدف نفسه الذي كان عندها قبل 25 عامًا وهو “جعل كلمة الله هي العليا، لكننا سنظهر المزيد من الحكمة حتى لا نزعج المواطنين، نأمل ألا يكون قادتنا متطرفين في المستقبل، نريد فتيات متعلمات يمكنهن الذهاب إلى المدرسة، والحصول على وظيفة أو أن يصبحن طبيبات ومفوضات شرطة، لكننا من ناحية أخرى، نرفض أن ينزعن حجابهن”.
المصدر : لوباريزيان